تدعو الأنسنة في تحولاتها الهادفة لرقي وسمو التعامل الإنساني إلى ضرورة الاندماج في مدارج الترقي والسمو لبلوغ مستوى المساواة التامة للإنسان مع أخيه الإنسان، هذا السمو يعتبر متطلب الحكمة الجارية لتنظيم حياة الناس المناسب للعصر، والمرتبط بالحاجات، فأمور الدنيا" فقه المعاملات" يتغير- صعوداً إنسانياً- بتغير العصر واختلاف الأحوال، ليحقق نقاط تقدم وفق مبدأيْ العدالة والمساواة، فالمساواة صنو العدل وتوأمه الروحي.. مايخص تحديد سن الزواج، فجميع الدول الأطراف حددت سناً له ماعدا جزر القمر والسعودية، أما اليمن فلا زال قيد العمل، وإن تعجب فعجب قولهم كفعلهم، «فاليمن يسمح للفتيات بالزواج في أي سن، لكنه يحظر ممارسة الجنس معهن لحين تهيُئهن لذلك» والدول الحديثة الديمقراطية تؤمن أن سر انطلاقها ونهضتها مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بالاندماج العالمي الإنساني، ولايمكن لأي دولة تسعى للتمكين أن تحيا عزلة كونية، وتصد عن التدابير الإنسانية وفق المواثيق الدولية المتفقة ومتطلبات إنسان العصر الحديث لأي مبرر، أو تحت أي ضغط، أو إرضاءً لأي فئة. لكن الوضع في المجتمعات الأبوية مختلف، إذ تقف فئة المتشددين في وجه التغيير، وتحت ضغط هيمنتها اللامسؤولة واللامبرّرَة تفرض معوقات ثقافية واجتماعية متشددة بليدة ورجعية، تنبذ المواثيق العالمية الحقوقية بدعوى مناهضتها للعقيدة والدين، وتصر على عزل المجتمع عن الاندماج في الكونية العالمية مخالفة بفعلها الغائية النهائية للشرائع السماوية والأرضية (=المصلحة العامة) الموجهة لتحقيق كرامة الإنسان الأرضية، فرغبة الصعود في المدارج الإنسانية طبيعة إنسانية راقية لا يرقى لها طموح تلك الفئة المنكوس، القابض على المألوف، والقابع في سالف العصر والزمان. في 18 كانون الأول / ديسمبر 1979، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW وتعتبر منذ اعتمادها الشرعة العالمية لحقوق المرأة، وتحتل موقعاً مهماً بين المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فهي "توضح بطريقة لا لَبْسَ فيها معنى المساواة بين الجنسين، وكيفية تحقيقها؛ وهي إذ تلعب هذا الدور لا تقرّ وثيقة دولية لحقوق المرأة وحسب، بل تضع برنامجاً للتدابير التي ينبغي على الدول الأطراف القيام بها لضمان تمتّع المرأة بهذه الحقوق" يونيسيف الأردن. وقد عالجت الاتفاقية موضوع الحقوق المدنية للمرأة، ووضعها القانوني بتفصيل كبير. تهدف"السيداو" لترسيخ قيمة الحقوق في النصوص والنفوس، في القوانين والتطبيقات، في الدساتير والواقع، والانضمام لها أساسي للنهوض بالمرأة وتمكينها ومساهمتها في تحقيق التنمية البشرية المستدامة، وإنشاء مجتمعات سليمة. وتُقر الاتفاقية في ديباجتها بشكل صريح بأن "التمييز الشامل ضد المرأة لا يزال موجوداً"، وتشدّد على أنّ هذا التمييز "ينتهك مبادئ المساواة في الحقوق واحترام الكرامة الإنسانية" والتكريم يتضمن فعل المساواة، إذ لا كرامة بلا مساواة، ولا عدالة مع تمييز، مطالبةً "بضرورة اعتبار" جميع الصكوك التي تهدف إلى تقييد الأهلية القانونية للمرأة "باطلة ولاغية" ففي المادة "1"تحدد بدقة مصطلح "التمييز ضد المرأة""أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أوأغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق، أوممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل". وتؤكد المادة الخامسة بأن الدول الأطراف ملزمة بالعمل على تغيير الأنماط الثقافية والاجتماعية، لأجل القضاء على التحيّزات والعادات العرفية وكل الممارسات القائمة على فكرة دونية أو تفوّق أحد الجنسين أوعلى أدوار نمطية مُقَوْلَبة للرجل والمرأة. وبذلك تنص المادة 10على ضرورة تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وطرائق وأساليب التعليم بهدف القضاء على المفاهيم النمطية المُقَوْلَبة. وتستهدف بقوة الأنماط الثقافية التي تُخصّص "العالم خارج الأسرة" كعالم للرجل، "والعالم داخل الأسرة" كعالم للمرأة. بناء عليه؛ فعلى نساء الدول المصادِقة على وثيقة السيداو مقارنة حقوقهن بنص المادة والحكم على تحققها بأنفسهن، ومساءلة حكوماتهن بقيمة توقيع المعاهدة في ظل تعطيل موادها!! الجدير بالذكر أن السعودية وقعت على الاتفاقية منذ عام 2000 وتحفظت على مادتين فقط منها: المادة 9 الخاصة بمنح المرأة جنسيتها لأبنائها، و 29 الخاصة بتحكيم محكمة العدل الدولية حول أي خلاف بشأن تفسير أو تطبيق الاتفاقية.. لكن تطبيق بقية بنودها ال 27 لازال يحمل استفهاماته السادرة في التساؤل الحقوقي المتعجب، فهل من مجيب؟! في دراسة حديثة 2011 لمركز المرأة في الأسكوا توضح الممارسات الجيدة والتجارب الناجحة في تنفيذ اتفاقية السيداو في البلدان العربية تم رصد عوامل التحديث في مجال الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة وفق الاتفاقية، وسُلّط الضوء على دور منظمات المجتمع المدني والحركات النسائية في دفع الحكومات إلى اتخاذ الإجراءات وإصدار التشريعات المطلوبة للقضاء على التمييز ضد المرأة. تهدف الدراسة لتقديم توصيات عملية وفعالة لصانعي القرار في البلدان العربية وذلك بتحليل النجاحات والممارسات الجيدة لتنفيذ السيداو في هذه البلدان وتفعيلها عن طريق تعديل القوانين والسياسات الوطنية، وسحب التحفظات عن الاتفاقية، وتشكل الدراسة (40 صفحة) وثيقة شاملة معلوماتية للباحثات والباحثين في شؤون المرأة والمساواة بين الجنسين والحركات النسائية ومنظمات المجتمع المدني.. وتخلص الدراسة إلى عدد من التوصيات بشأن مواءمة التشريعات الوطنية مع روح الاتفاقية ومقتضياتها وتقليص الهوة بين المساواة القانونية والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل. ويبقى تنفيذ الاتفاقية وسحب التحفظات عنها رهناً بتوفر الإرادة السياسية، ووجود منظمات غير حكومية تتسم بالاستقلالية والتنظيم للنهوض بحقوق الإنسان عموماً والمرأة خصوصاً. وبحسب الدراسة تأتي المغرب متصدرة الممارسات الجيدة لتطبيق الوثيقة، فقد دعت الحكومة المغربية المنظمات النسائية إلى المشاركة وإبداء الرأي في إعداد التقارير الدورية، وقد شهد المغرب قفزة تشريعية نوعية بعد إصدار مدونة الأسرة 2004 إثر التحالف مع المرجعيات الدينية للخروج بتفسير للشريعة الإسلامية يكون مستنيراً، وذلك تمهيداً لسحب جميع التحفظات عن السيداو عام 2008، وحذت تونس حذو المغرب 2011 فسحبت جميع التحفظات أيضاً. تبرز تجربة المغرب في موضوع إصلاح قانون الأحوال الشخصية، ما سمح للمرأة بالتمتع بعدد من الحقوق في الزواج والطلاق وحضانة الأولاد، أتى هذا التغيير الإيجابي نتيجة لضغوط منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسائية تحديداً، التي أطلقت حملات توعية واسعة حول حقوق المرأة، استهدفت الجمهور الواسع عبر إبراز أثر التمييز ليس على النساء فقط بل أيضا على الرجال والأطفال والأسر والمجتمع بأسره. أثبتت تجربة الحركة النسائية المغربية أن مدخلين رئيسين كانا حاسمين لنجاح تجربة إصدار مدونة الأسرة، أولاً المدخل الفقهي لطمأنة الناس بأن المقترحات التي تقدمت بها الحركة النسائية لاتتعارض مع مبادئ الشريعة ومكوناتها الرئيسية، وثانياً المدخل المتعلق بالواقع المعيشي للنساء والأطفال، وتم الانطلاق في هذا الصدد بأن دور القوانين لايتمثل في حماية الأشخاص الذين لايعانون من مشاكل، بل على عكس ذلك، حماية الذين واللواتي في وضعية هشاشة معينة بسبب السن أو الجنس. في مدونة الأسرة في المغرب تطالعنا: *فلسفة جديدة: من الإنفاق مقابل الطاعة إلى المسؤولية المشتركة للزوجين. * لغة جديدة: تنقية النص من تعابير تحط من قدر النساء. * إلغاء الولاية في الزواج، والمساواة بين الجنسين في سن الزواج. * تعديل قوانين الطلاق لصالح الزوجين (قانون الانفصال والطلاق) كما ترصد الدراسة أهم الإنجازات في مجال تبوء المرأة مراكز صنع القرار،من ضمنها اتخاذ تدابير مؤقتة مثل الكوتا النسائية لزيادة تمثيل المرأة بحيث لاتقل نسبة الكوتا عن 20%، وفي تباين شديد المسافة يظهر الجدول بعض الدول الأعضاء صفراً في نسبة التمثيل السياسي للمرأة!! وفي ذلك فليتنافس المتنافسون في التمييز الذي يدعي جوراً وظلماً مناهضته، موقّّعاً وناقضاً في الآن ذاته!!.. أما مايخص تحديد سن الزواج، فجميع الدول الأطراف حددت سناً له ماعدا جزر القمر والسعودية، أما اليمن فلا زال قيد العمل، وإن تعجب فعجب قولهم كفعلهم، "فاليمن يسمح للفتيات بالزواج في أي سن، لكنه يحظر ممارسة الجنس معهن لحين تهيُئهن لذلك"، وأعتقد أن الإنسان الطبيعي لو وضع خلف هذا الإجراء السخيف والقول السمج مليون علامة تعجب فلن يفيه حقه، ولكم أن تتخيلوا عبارة" أي سن،"؟!!وحقوق الطفل!! أدرجت الدراسة بعض الممارسات الناجحة- وإن لا زالت دون المطلوب- في مجال القوانين الجنائية والعقوبات ومكافحة الجريمة ومكافحة العنف ضد المرأة، للبحرين وقطر، والأردن، ومصر، واليمن. كما واختصرت العقبات أمام تفعيل الاتفاقية بتزايد تشكيل الجماعات والقوى السياسية المعادية لحقوق المرأة رغم أن أية جهة لم تدّع أن الوثيقة تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وتدل هذه الوضعية أن مايمنح أو تحرم منه المرأة مرتبط بالسياسة وبعلاقات القوى بين فئات المجتمع، وتستعمل حقوق المرأة بينهم كورقة تفاوضية سياسية. وختمت الدراسة بتوصيات قيّمة منها: *إقرار الحقوق المذكورة في وثيقة السيداو، وفق إصلاحات دستورية حقيقية، وتبديد الغموض بشأن مكانة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وتسجيل نص صريح بسمو المعاهدات الدولية على القواعد القانونية المحلية. *تسجيل نص قانوني لواجب إلغاء جميع النصوص القانونية والممارسات التي تشكل تمييزاً وعنفاً ضد النساء. ملاحظة الختام: لم تتحفظ السعودية على المادة 15 التي تنص على مساواة المرأة في الأهلية القانونية وحرية الحركة والسكن، ومع ذلك لازال النظام يرفق كرت التمييز العنصري بجوازها مشترطاً موافقة الولي..