كانت ولا تزال قضية حقوق المرأة السعودية مثارا للجدل – وقضية من لا قضية له- للدلالة على أن الحديث في هذا الأمر أشبع من قبل المختصين والعامة وكثر الضجيج فيه، وأصبحت كل من تحاول قيادة سيارة ونشر تلك المحاولات عبر اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي ناشطة حقوقية تستحق التكريم! ولكن كل هذا الجدل بعيد كل البعد عن النقاش القانوني، لذا فالهدف من كتابة هذا المقال هو تسليط الضوء على حقوق المرأة السعودية بين التطبيق الواقعي في أجندة الحكومة والمجتمع، وبين واقعها الافتراضي في الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها المملكة. فمنذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كأول وثيقة دولية لحقوق الإنسان عامة التي أبدت عناية خاصة بحقوق المرأة عام 1948، ومن ثم إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة عام 1967. وأخيراً اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979. التي تعتبر نقطة تحول في النضال من أجل حقوق المرأة. والتي انضمت إليها المملكة وصادقت عليها بتاريخ السابع من سبتمبر عام 2000، فكيف هو واقع حقوق المرأة في السعودية بعد أكثر من عشر سنوات؟ لا شك أن الحديث حول المرأة في مجتمع ذي خصوصية اجتماعية وقبلية مثل المملكة سيثير الكثير من التحفظات من جهة، ومن جهة أخرى يسعى الإعلام السعودي لدفع التهم عن صورة المرأة السعودية النمطية في الإعلام الخارجي والانتقادات التي وجهتها منظمة هيومان رايتس لوضع المرأة في السعودية، ولو بشق تمرة من خلال تكريس نماذج فردية وتسليط الضوء عليها على حساب الأغلبية. بالنسبة لاتفاقية CEDAW، أطلقت المملكة تحفظاً عاما على الاتفاقية وهو عدم تعارض بنود الاتفاقية مع أحكام الشريعة، إلا أنني وجدت موقف المملكة من الاتفاقية يكتنفه شيء من الغموض. مما أثار لدي بعض التساؤلات: لماذا لم تعبر المملكة عن تحفظاتها صراحة أسوة ببعض الدول العربية والإسلامية التي وقعت وصادقت على المعاهدة، طالما أن بنود الاتفاقية تنص على السماح لكل دولة بالتعبير صراحة عن تحفظاتها مع تبرير ذلك؟ فيما كثير من الدول العربية والإسلامية أعلنت تحفظها صراحة تجاه فقرات المادة (16) التي تعني بحقوق المساواة بين المرأة والرجل في الزواج والطلاق وما إلى ذلك، والمادة (9) التي تناقش قضية اكتساب الجنسية لأبناء المرأة من زواج أجنبي. وقدمت هذه الدول مذكرات إيضاحية لتبرير هذه التحفظات على سبيل المثال جمهورية مصر العربية، والإمارات العربية المتحدة. بينما كانت الدول الليبرالية أكثر دقة وصراحة في إبداء التحفظات. مثل فرنسا التي أعلنت تحفظها حيال المادة (14) التي تناقض الضمان الاجتماعي للنساء الريفيات والخدمات المجانية التي لن تضمن فرنسا تقديمها، بينما قامت ألمانيا بالتحفظ على الفقرة (11) من ديباجة الاتفاقية التي تعني بحق تقرير المصير للشعوب ورأت بأنها سوف تفسر ذلك حسب مقتضيات المعاهدات الدولية السياسية. والمثير للغرابة أن إسرائيل أعلنت تحفظها حيال فقرة في المادة (7) التي تقرر مساواة المرأة بالرجل في الوظائف مثل وظيفة القضاء، والتي تعتبر وظيفة دينية في المحاكم الإسرائيلية وهو ما يتعارض مع الشريعة اليهودية. ومن الجدير بالملاحظة متابعة التحولات، التي أطلقتها الدول الأعضاء في الاتفاقية قبل وبعد الانضمام إليها، فعلى سبيل المثال سارت مصر بعد التوقيع على الاتفاقية عام 2004م، بتعيين أول قاضية في محكمة دستورية، بينما سحبت الكويت تحفظها على مشاركة المرأة في الحياة السياسية بعد تعديل قانونها الانتخابي عام 2005. كما سارت معظم دول الخليج العربي حذوها في تمكين المرأة في مناصب سياسية وقضائية على مستوى عال. بالنسبة للمملكة، يصعب تقييم التغيرات التي أحدثتها الاتفاقية في البناء الاجتماعي أو على المستوى القانوني، حيث أنه لا يوجد وحتى هذا التاريخ في المملكة مدونة أحوال شخصية. وذلك في رأيي يفسر موقف المملكة حيث أطلقت تحفظا عاما وهو عدم معارضة الاتفاقية مع قوانين الشريعة الإسلامية، وسكتت عن التحفظ أو إبداء موقف إزاء بنود الاتفاقية المتعلقة بشؤون متفرقة متعلقة بحقوق المرأة في التعليم والرياضة والوظائف العامة والسياسية والصحة والعناية الطبية والضمان الاجتماعي والتقاعد والحق في الحصول على المعلومات وما إلى ذلك، من بنود مهمة التي لا تتعارض مع الشريعة لكن مازال بعضها غير مفعل لأنه لا توجد أنظمة مكتوبة تتعرض لها صراحة. التغيرات التي تحدث الآن داخل المجتمع السعودي هي تغيرات تحكمها عوامل أو قوى اقتصادية، دفعت المرأة أو المجتمع إلى تقبل خروج المرأة إلى قوى العمل والخدمة المدنية وإلى البحث عن فرص التطوير الذاتي والمهني والأكاديمي من أجل خلق فرص حياتية أفضل. وفيما عدا ذلك سنجد جهودا دعائية لترويج صورة عن المرأة الحديثة في السعودية، كما جاء في تقرير مجلة Times قبل أكثر من عام. كما لا يزال جارياً الآن محاولات مشهودة لتمكين المرأة في مناصب قيادية في مختلف القطاعات. لكن من الخطأ حصر حقوق المرأة في وجود وزيرة أو نائبة وزير أو عضوات في مجلس الشورى أو كابتن طائرة أو حتى قائدة شاحنة أو جنديات أو كاشيرات، كما هي الصورة النمطية لدى عامة الشعب، حقوق المرأة تعني أن المرأة المتعلمة وغير المتعلمة، العاملة وربة المنزل، الصغيرة والمسنة، مشمولة بالرعاية القانونية تحت مظلة النظام الوطني، الذي يضمن شمول تلك الحقوق بالرعاية القانونية، فمتى ما تم وجود اعتداء على حق من حقوق المرأة المختلفة فإن هنالك نظاما قانونيا وأجهزة حكومية يمكنها أن تشمل تلك الحقوق بالرعاية، وهو ما ننتظر تفعيله بشكل كامل في النظام السعودي.