مقولة لم تناقش بصورة مفصلة.. كيف تمّت حقًّا، ومنذ متى؟! معنى الحق: أنها إذا لم تعطه، فالمانع - سواء كان وليّ أمرها، أو وليّ الأمر – آثم عند الله تعالى، مقصّر مضيّع للحقوق. والمجتمع الساكت عن هذا الحق شيطان أخرس، متوعّد بعقوبة إلهيّة، وخزي في الدنيا والآخرة؛ لأنه حقّ لم يتعلق بواحدة أو اثنتين، إنما بمئات الألوف والملايين من النسوة، وما يتعلق بهنّ يتعلق بالرجال أيضًا، فالمتضرّر لذلك الرجال والنساء جميعًا إذن. والمرأة نفسها لا يجوز لها أن تسكت عن حقها هذا، وعليها أن تطالب به.. هذا معنى الحق، فأين وجد أصحاب المقولة ما يؤيّد أن القيادة حقٌّ للمرأة؟ فيما نفهم ونعلم: أن "الحق" ما كان وسيلة للقيام بواجب، إذا تعطل تعذّر تحقيق الواجب. نقول: من الواجب على الرجل نفقة أهله وأولاده، وهذا لا يحصل إلاّ بالعمل والسعي، فهذا حقه، ومنعه من هذا الحق ظلم وإثم. ومن الواجب على المرأة حضانة أولادها؛ وهذا لا يتمّ إلاّ ببيت ونفقة، فهذا حقها، ومنعها منه ظلم وإثم. هناك نوع آخر من "الحق"، وهو ما به حفظ آدمية الإنسان وكرامته. فمن حق الإنسان أن يكرم ويحترم بكل ما يمكن، من حسن معاملة وحرية ونحوها؛ لأن بهذا يحقق إنسانيّته وانتسابه لآدم المكرم بخلق الله له بيده، وبه يخالف البهائم والجمادات. ففي أيهما يدرج حقها في القيادة: حق به تؤدي واجبًا عليها، أم حق تحفظ به آدميتها؟ بحدّ ما نعلم، لم نرَ من العاشقين قيادة المرأة تفسيرًا مقنعًا لهذا الحق.. فكثيرًا ما يردّدون المقولة، ولا يقيمون مستندًا عليها إلاّ من جهة الاتفاقيات الدولية.. نحن نحلّلها ونتبرع بفحصها لنرى ما يكون؟ في هذه الجملة: القيادة حقٌّ للمرأة. نرى ثلاثة أشياء: قيادة، وامرأة، وحق يربط بينهما. هناك من يقول هما اثنان: قيادة، وامرأة. ولا يوجد حق أصلاً؛ أي ليس حقها أن تقود. فكيف لنا أن نعرف إن كانت القيادة من حقها، أم لا؟ الجواب ميسور: نعرفه من طبيعة دور المرأة في الحياة؛ لأن القيادة آلة وأداة من أدوات الحياة والمعيشة، فنحن ننطلق من هذا. فممّا هو مستقر بالعقل والفطرة والشرع: أن دور المرأة الرئيس هو الإنجاب، ثم الحضانة والتربية، ورعاية شؤون البيت. هذا دورها الرئيس الأهم العظيم، وقد تتحمل أدوارًا أخرى داخل أو خارج البيت، لكن بشرط ألاّ يضر بدورها الرئيس، فإن أضرّ أو تعارضا، قُدّم الرئيس وأُخّر غيره. مما يدل على هذا: أن وظائفها تلك لا يُستغنى عنها بحال، ولا يقوم بها الرجل، فلم تبق إلاّ هي، فكان لابد أن يكون عملها الأول الرئيس، ولا تكلّف بغيره إلاّ بشرط السابق. هذا لو كان قوام الأسرة وتربية ورعاية الأبناء واستقرار السكن من مقاصدنا وأهدافنا؟! هكذا نكون قد كشفنا عن دور المرأة في الحياة، وبه ندرك: أنه لا يجب عليها سعي ولا نفقة، إنما ذلك على شقيقها الرجل. عليها البقاء في البيت للقيام بدورها، وإن خرجت، فيكون خروجها استثناءً، لا تتساوى فيه مع الرجل؛ فتكون ولاّجة خرّاجة مثله. هذا هو دورها الأصيل، وهو المتفق مع قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ). بغض النظر عما حدث أخيرًا من تبديل وتغيير لوضع المرأة، والعمل الجادّ على مساواتها بالرجل. ونحن نبني أحكامنا وفق الأصل، لا وفق الطارئ المبدّل المعدول عن الأصل؛ لأن هذا التعديل خطير وخطأ جسيم وباطل، وما بُني على باطل فهو باطل. إذا نظرنا إلى المرأة سيدة في بيتها، فيه عملها الرئيس، حينئذ لا نجد مسوّغًا للقول بأن القيادة من حقها؛ فهي تقوم بواجباتها المنزلية بدون الحاجة إلى قيادة، بخلاف الرجل، فمن المتعذّر عليه السعي والعمل من دون القيادة. هكذا بطل النوع الأول ل "الحق"؛ فليست القيادة وسيلة لأداء واجب عليها. النوع الثاني ل"الحق" (= التكريم والاحترام) هو أيضًا باطل، بل العكس صحيح، فمن أوجه التكريم والتوقير عدم القيادة، والدليل كبار الشخصيات والملوك الذين لا يقودون. ذلك الكلام الآنف من جهة أصل ما يجب على المرأة، لكن لا ينبغي أن نغفل عن واقع جديد يحيط بالجميع، وهو أن المرأة بعد ما تعلّمت باتت تعمل كالرجل. وقد كانت بالأمس مجافية، أما اليوم فهي تعمل في المكاتب إلى جنب الرجل، وتدخل الأسواق كبائعة في المحلات النسائية، وغدًا في المحلات الرجالية، مساوية للرجل المنكب بالمنكب في كل مكان؛ فلم تعد تلك القارّة في بيتها كقديم الزمان وغابره. وسواء رضيت بهذا أم لم ترضَ، فالواقع أقوى من الجميع، أفلا يكون لها في الشريعة متّسع، ليمنحها حقًّا استوجبته بسبب تغيّر الأحوال والأزمان، فتقود كما الرجال؟ كل ما قيل عن الواقع صحيح وموحش ومؤلم، وأسوأ منه التسليم والقبول وترك الممانعة، مع ما يوجد في العالم من أدلة كثيرة متنوعة على خطأ إخراج المرأة للعمل المختلط؟ غير أن القول بأن: تغيّر الأحوال يعطي المرأة حقًّا في القيادة. قول من لم يعرف معنى "الحق"، الحقّ لا يتغيّر بتغيّر الأحوال، هو ثابت على الدّوام، والمنع منه إثم كيفما كان. الذي يتغيّر حكمه بحسب المصلحة والمفسدة هو المباح، والقيادة من المباحات، يجوز المنع منها إذا تغلّبت المفسدة، ولو كانت حقًّا ما جاز منع المرأة منها بأي حال كان. والسؤال المهم هنا: إذا لم يثبت هذا الحق من جهة شرعية فطرية عقلية، فعلى أي شيء استندوا في إثبات أنه حق، وبالغوا في إثباته في كل محفل، حتى صارت كلمتهم الأولى؟ عند تتبع مقالات جملة من الكتاب، الذين أيّدوا قيادة المرأة بحماسة بالغة – ذكورًا وإناثًا – نرى فيها التأكيد على وجوب التزام المملكة ببنود الاتفاقيات الدولية بشأن المرأة، والتي وقعت عليها كاتفاقية (السيداو) التي تنص على: "وجوب القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة". تستخدم هذه الاتفاقية الموقع عليها، في كل معركة تنشأ حول المرأة كورقة ضغط على السياسي؛ في العمل المختلط، وفي التعليم المختلط، وفي رياضة البنات، وسفر المرأة بمحرم، والقوامة، وفي قيادة السيارة؛ أي في كل الأحكام الإلهية التي استقرت في حق المرأة، تعارض بهذه الاتفاقيات التي نصّت على وجوب مساواة المرأة بالرجل مساواة مطلقة. أضرب أنموذجين، الأول لكاتب، والآخر لكاتبة: [انظر: مقال محمد عبدالله القويحص (هل قيادة السيارة آخر المطالب؟) منشور في لجينيات الخميس 2يونيو 2011] يقول الكاتب عبد الرحمن الحبيب: "لماذا يرضى كثير من القضاة بالتمييز ضد المرأة، رغم أن كثيرًا من القوانين المحلية والتعاليم الدينية تساوي بين الجنسين، ورغم توقيع جميع الدول العربية على المواثيق الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة". [صحيفة الجزيرة الاثنين 18/10/1431ه] وتقول الكاتبة سمر المقرن: "تمنع المرأة الراشدة العاقلة من قيادة السيارة، وهذا لا يتعارض مع مادة أو مادتين من اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، التي وقعت عليها المملكة عام 2000م، بل هو يتعارض مع كل مواد الاتفاقية". [صحيفة الجزيرة الخميس 30/2/1432]. هذه الاتفاقيات بموادّها وردت في مؤتمرات المرأة الدولية: - في عام 1979 عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمرًا تحت شعار: القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. وجاءت الاتفاقية ملزمة قانونيًّا للدول الموقعة. - ثم توالت المؤتمرات الخاصة بالمرأة عامًا بعد عام برعاية الأممالمتحدة حتى عام2000. - في مؤتمر كوبنهاجن في 1980 نصّ على المساواة بين الجنسين في الحقوق والمسؤوليات وفرص العمل، والقضاء على التمييز القانوني. - في مؤتمر القاهرة للسكان في 1994 النصّ التالي: "اشتراك المرأة اشتراكًا كاملاً، وعلى قدم المساواة في الحياة: المدنية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية. على كل من الصعيدين الوطني، والإقليمي، والدولي. وإزالة جميع أشكال التمييز على أساس الجنس". المؤتمرات الأخرى تؤكّد على المبدأ نفسه، ولا نريد أن نخوض في بقية بنود هذه الاتفاقيات التي فيها: إلغاء مصطلح "رب الأسرة"، وتسويغ الزواج المثلي، وإنشاء أسر مثلية، وإباحة العلاقات الجنسية بين المراهقين، وغير ذلك مما تضطلع به وتروّج له الأممالمتحدة، التي كشفت عن دورها في إنشاء مجتمعات إلحاديّة لا دينيّة، ذلك له مقام آخر. غرضنا أن نعرف العموم: أن بنود الاتفاقيات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، هي التي تحرّك كافة أشكال قضية المرأة في المجتمع نحو المساواة المطلقة بالرجل، وحقوقها عند دعاة حقوق المرأة، لم تثبت إلاّ من طريق تلك البنود، ثم إذا استدلوا عليها بقرآن أو سنة أو كلام فقيه، فاستدلال يأتي بعد إقرارها بالاتفاقيات؛ أي إن هذه الاتفاقيات صارت المصدر الأول والرئيس لمعرفة الحقوق والتشريع وليس الوحي: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ).