لاشك أن المال هو زينة الحياة الدنيا، غير أنه وسيلة وليس غاية. الذين جعلوا من المال غاية لم يستطيعوا تدارك حياتهم للاستمتاع بها، وما أكثر الأثرياء البخلاء، بل ما أكثر الحمقى بين صفوفهم. والإنسان يتمنى الرزق ويطمح إليه ويسعى إليه حثيثاً، بل ويسعد حين يدعى له بسعة الرزق والخير. لكن، هل الرزق محصور فقط بالمال؟! وهل الكسب مقتصر على المادة فقط؟! أميل إلى أن الرزق أشمل من المال والأشياء التي تُقتنى. لنأخذ مثلاً هذه الأرزاق الجميلة: الأولاد، الأسرة، الكتب، الأصدقاء، تجارب الحكماء، والجلوس مع النبهاء، كل ما سبق من خيرة الرزق. حين ترزق الأم بابن بار، أو يرزق الإنسان بولد نجيب، أو يقتني كتاباً مفيداً أو يرى المنظر الجميل كل هذه أرزاق، ومن الغريب فعلاً أن نحصر الرزق بالشيكات والأموال والنقود. كما أن المال قد يذهب ببعض ما لدينا من أرزاق، وعلى رأسها الخُلق الجميل والتواضع، والاعتناء بالسلوك الراقي مع الآخرين، وقديماً قالوا: "الفلوس تغيّر النفوس"، وهذا بطبيعة الحال لا ينطبق على الجميع بل على البعض، إذ كثيرا ما يذهب بالعقول المال حين يأتي بغتة، ويصاب البعض بالجنون والهستيريا والهلوسة حين يأتيه المال بغتة من إرث أو نحوه. التوازن أيضاً هو أساس الرزق، حين نكون متوازنين في متعنا وفي ترفيهنا وفي خياراتنا في الحياة نستطيع أن نحافظ على الأرزاق عموماً. من بين الأرزاق التي تفوق قيمة المال السمعة الحسنة التي يرسمها الإنسان في حياته، ليس ابتغاء المدح بعد الوفاة وإنما لاحترام الذات أولاً، فالإنسان الخلوق لا يحترم الآخرين فقط بل يحمي نفسه ويحترمها من غوغائية الانحدار اللفظي أو السلوكي إلى رقي السلوك وسعة الأفق وسمت الحكمة. الرزق يتوزع ويتنوع وكل قارئ حين يفكر بنفسه سيجد أنه يغرق بالأرزاق بين يديه. لديه الصحة والأهل والعائلة والأصدقاء والحميمية الدنيوية وهذا بحد ذاته كاف لأن يشعر الإنسان بكنوز العالم بين يديه. بآخر السطر، فإن الرزق أشمل من المال وأعم، ما أكثرهم يمتلكون المال لكنهم فقراء في الأخلاق أو في الأصدقاء أو في الصحة أو في الكرم، لهذا يكون المال إشباعاً غريزياً ويحرمهم من أرزاق قوية هي أهم من المال. ليس المال وحده زينة الحياة الدنيا بل والبنون كذلك كما جاء في الآية الكريمة.