أسهمت طبيعة تداول الشعر الشعبي القديم بشكل شفاهي في نشوء نزاعات عديدة وطويلة حول نسبة وملكية الكثير من القصائد، ويأتي الإصدار الصوتي الجديد للرواية المعروف فواز الغسلان والذي حمل اسم: (القصائد المتداخلة) مُنسجماً مع مهمته كراوية للشعر ومقترناً بسياق المحاولات العديدة الساعية لتسوية تلك النزاعات الشعرية من خلال البحث والتدقيق والمقارنة لإثبات حق يصعب في كثير من الأحيان إثباته لأسباب مُتنوعة، أبرزها: رحيل أصحاب القصائد المتداخلة عن الحياة منذ عقود طويلة، ورسوخ الخلط بين تلك القصائد في أذهان الناس مما يُصعب من مهمة تصحيح ما ترسخ وأصبح في حكم الحقائق التي لا يمكن زحزحتها أو تغييرها. وعزا الغسلان تداخل القصائد إلى أسباب مُختلفة منها: تشابه مواضيع القصائد وتقارب مستوى الشعراء الذين تتداخل قصائدهم وعيشهم في عصر واحد مُضافاً إليها السبب الرئيس وهو تشابه بحور وقوافي القصائد المتداخلة، وأورد العديد من النماذج للقصائد المتداخلة للكثير من الشعراء المشهورين والمغمورين، وأشار إلى أنماط متنوعة من التداخل أقلها تداخل قصيدتين وأكثرها تداخل مجموعة من القصائد قد تصل إلى خمس قصائد لشعراء مختلفين، وقد يحصل التداخل بين قصيدتين بسبب إدخال بيت من إحداهما في الأخرى كما حدث في قصيدتي مسعود عبد ابن هذال وبصري الوضيحي، أو إدخال مقطع مكون من عدد من أبيات قصيدة شاعر مغمور قد تبلغ 12 بيتاً في قصيدة شاعر مشهور كما حدث في تداخل قصيدتي ابن فريجان المري وابن ريفه القحطاني. ومع أن هناك جهودا سابقة للباحثين في طرق هذه المسألة المهمة أبرزها جهد الأستاذ أحمد فهد العريفي في كتاب (بعض المتشابه من القصائد الشعبية)، إلا أن إصدار الغسلان (القصائد المتداخلة) تميّز بأسلوبه الجميل في رواية القصص والأشعار وباستطراداته وإضافاته المثرية، وقد ذكر في ختام هذا الإصدار إلى أنه لا يسعى إلى الاستقصاء ولكنه رغب في الإشارة إلى أشهر نماذج القصائد المتداخلة التي يتجدد الخلط فيها والخلاف حولها، وأشار إلى إمكانية متابعة جهده في الحديث عن هذا الموضوع المهم في إصدارات لاحقة.