من المؤكد أنه لو تم تمديد زمن مبايعة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز على ولاية العهد لأيام ولأسابيع أو حتى لأشهر في عموم مناطق المملكة فإن المشهد خلال هذه الأيام سيكون كما كان في يومه الأول .. هذه حالة طبيعية ومتوقعة بين قيادة وشعب .. ليست وليدة اليوم .. أو الأمس .. بل هي صورة طبيعية منذ أن تأسست هذه الدولة على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز رحمه الله .. وهي حالة ستبقى إن شاء الله مابقيت الحياة .. هذه المشاهد التي رأيناها في الرياض وفي جدة وفي مكة وفي الدمام وفي كل مناطق المملكة .. بكل حضورها وبكل تلقائيتها وبكل معانيها .. رغم حرارة الطقس .. ورغم مصاعب السفر ورغم مشاق التنقلات والازدحام إنما هي أيضاً رسائل تحمل أبلغ المعاني وأصدق الحقائق للعالم الخارجي ولكافة مجتمعات العالم عن الأسلوب المثالي الذي يتبعه هذا المجتمع في طريقة اختياره لقيادته بكل رضىً وقناعة .. من خلال أبلغ الصور التي تحكي للعالم نوعية ودرجة العلاقة بين القيادة والشعب .. وعن مدى خصوصية هذا الشعب في إدارة شؤونه وفق نهج إسلامي تاريخي متأصل ومثالي .. أشياء كثيرة تميز بها الشعب السعودي في مثل هذه الظروف والمواقف الصعبة جداً .. ولكن الأكثر تميزاً بين كل هذه الأشياء هو " الولاء " للقيادة وهو ولاء متوارث بكل تلقائية وبكل صدق .. ولاء لم يبن على أي أطماع أو على أي مكاسب مادية أو على أهداف دنيوية فهو نهج متوارث ليس له مثيل بين كل المجتمعات .. هذا المجتمع الذي تمكن أجداده وأبناؤه بكل شجاعة .. وبكل صبر .. وبكل كفاح .. أن يطوعوا خشونة هذه الصحراء .. وجفاف هذه الأرض التي يعيش عليها من خلال تجسيد الوطنية في هذه الأرض .. فاستطاع مزيج " القيادة والشعب " بتوفيق من الله سبحانه وتعالى أن يصنع من هذه الصحراء الجافة دولة لها شأن .. ولها كلمة .. ولها قرار في كل شؤون العالم السياسية والاقتصادية والأمنية وهذه حقائق اعترف بها عالم اليوم من مشرقه إلى مغربه .. العبرة الأهم في كل هذه المشاهد التي تجسدت كعادتها في قلب الوطن منذ إعلان نباء وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وحتى قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله باختياره صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً لعهده وخلفاً للأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز .. شاءت إرادة المولى العزيز القدير سبحانه وتعالى أن تحضر كل هذه المشاهد وهذه المراسيم في ظل ظروف زمنية ساخنة جداً عربياً وإقليميا وعالمياً .. وهي ظروف غامضة في كل أهدافها يتزاحم أبطال هذه الظروف على شارة " القيادة " !! في تلك المجتمعات وتتصارع قيادات ومذاهب وجماعات وأحزاب إما دينياً أو سياسياً أو مادياً أو اقتصادياً على كراسي " الرئاسة " في كثير من المواقع، وفي كل المجتمعات !! فقد رأينا وشاهدنا كيف هي صور هذا الصراع .. وكيف هي مشاهد الأحداث المؤلمة والمحزنة في وقت ينعم فيه هذا الوطن وشعبه وقيادته بحمد الله وتوفيقه بسلاسة أسرية واجتماعية ووطنية في إدارة شؤون وطنهم من خلال أسلوب اختيار القيادة وفي توارثها وفي قبولها الشعبي بأعلى درجات الرضا والقناعة وعلى كافة المستويات الاجتماعية .. عندما يشاهد العالم ويتمعن في كل لحظات هذا " الولاء" من خلال الصفوف الطويلة والطوابير المتكررة من المعزين والمهنئين والمباركين من خلال هذه التجمعات المكتظة من المواطنين وحتى الإخوة المقيمين .. نساءً ورجالاً .. كباراً .. وصغاراً .. وحتى ذوي الإعاقة البصرية والجسدية كان هؤلاء جميعاً حاضرين بكل إراداتهم من أجل المشاركة في هذا " القرار " الاجتماعي الطبيعي والتلقائي .. لذلك فإن العالم أدرك بكل قناعة تامة أن ما شاهده في الرياض وفي جدة وفي كل مناطق ومحافظات المملكة هو حقائق راسخة تفي وتغني عن كل صور الانتخابات التي تشكلها كثير من الدول في اختيار قياداتها .. كلمة سماحة المفتي .. خلال يوم المبايعة في الرياض ألقى سماحة مفتي عام المملكة كلمة معبرة جداً أمام سمو ولي العهد جاء فيها : (عندما قرر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وفقه الله وبارك في عمره وعمله أن اختاركم لتكون ولي عهده لتشدوا أزره وتعينوه على النوائب كلها ، اختاركم لما يعلم أنكم أهل لذلك ولقد عاصرتم إخوانكم الملوك بدقة وأمانة وإخلاص فساهمتم في بناء هذا المجتمع فجزاكم الله عما فعلتم خيراً .. "صاحب السمو: هؤلاء علماء الأمة وكبارها جاءوك ليبايعوك على السمع والطاعة في عسرهم ويسرهم ومنشطهم ومكرههم طاعة لولي أمرهم الذي اختارك لهذا الأمر رضاً وقناعة فيما اختاره ، ونحن فيما اختاره راضون ، وبما رضيه لنا مسلمون "). حقيقة كلمات معبرة جداً عن كل مايكنه علماء الوطن وأبناؤه في هذه المناسبة .. .. كلمات تغني عن كل الكلمات والخطب التي من الممكن أن تقال في حضرة ولي العهد في مثل هذا الموقف .. حفظ الله هذا الوطن بدينه وبقيادته وبعلمائه وبأهله وبخيراته .. وأدام عليه نعمة الأمن والاستقرار ..