على الرغم من سعي معظم القطاعات الصحية إلى توفير الدم للمريض على وجه يتطلب السرعة في الحالات الطارئة، إلاّ أن «بنوك الدم» لا تزال تفتقر إلى تحفيز المتبرعين، وترك ذلك إلى خيار الفرد، ومبادراته التطوعية. وتظهر هنا تساؤلات تجاه قلّة وعي كثيرين بأهمية التبرع بالدم، ساهم فيها غياب المحفزات للمتبرعين، في ظل تردد البعض أمام مهمة إنسانية وخيرية، مما أفرز ظاهرة تكثيف الاتصالات لدى أسرة المريض المحتاج إلى «دم» على وجه السرعة، وربما تنجح «فزعة» الأقارب والأصدقاء، وربما تحول «فصيلة الدم» دون ذلك؛ فيبقى المريض رهينة لتوسلات أقاربه بنشر أرقام هواتفهم، ورقم ملفه الصحي حتى لا يذهب الدم المُتبرع به إلى مريض آخر!. تحفيز ديني وأكد "د.يوسف الجهني" -المستشار والمشرف على المعرض الدولي بوزارة التعليم العالي- على أن الفرد في العالم العربي يفتقر إلى ثقافة التبرع، دون أن يوجد تقبّل لمفهومه التطوعي، على الرغم من الحاجة الماسة للتبرع بالدم، مشيراً إلى أن التبرع يشكل صورة ضبابية لدى كثيرين يعلمون عن فوائده ومحاسنه، إلاّ أن الإدراك ينقصهم تجاه المساهمة في إنقاذ مريض أو أكثر. وقال:"الحملات التوعوية والتعريفية بأهمية التبرع بالدم محدودة جداً، بل حتى فوائد التبرع بالدم غير مُعلنة كما يجب، حيث يخفى على كثيرين ان التبرع بالدم يسهم في تجديد الخلايا من خلال التبرع بالدم مرة كل شهرين على أدنى تقدير"، مبيناً أن حملات التبرع بالدم لا تتجاوز فعاليات "الجنادرية" والمعارض الكُبرى، مطالباً بعمل حملة وطنية للتعريف بالتبرع بالدم قبل فكرة مكافأة المتبرع بالدم، وتنويع الحملات عبر كافة وسائل الإعلام التقليدي والجديد وعدم اقتصار الحملات في مقار المستشفيات، إلى جانب غرس ثقافة التبرع قبل تحفيز المتبرع، محمّلاً مسؤولية التوعية على كاهل وزارة "الصحة"، بحيث تتّخذ كافة السُبل المُمكنة لإنجاح حملاتها، لاسيما أن المواطن مِعطاء بطبيعته. حملات التبرع بالدم التوعوية تعزز في الناشئة أهمية العمل الإنساني وقاية المتبرع وذكر أن التبرع بالدم يعتبر أمراً حساساً كونه جزءاً من الجسم، مما دفع البعض إلى التوقف عن التبرع خشية انتقال بعض الفيروسات أو الأمراض أثناء التبرع؛ خوفاً من انتقالها عبر الأدوات الطبية إن لم تتخذ إجراءات الوقاية اللازمة، مما يستدعي توضيحا رسميا أن السُبل آمنة للتبرع، وذلك من خلال أدوات مُعقّمة بما يضمن سلامة المتبرع والمريض. حملات توعوية ولفت إلى عدة عوامل يجب أن تُصاغ عبر حملات توعوية طويلة الأجل قبل الانتقال إلى الجانب التحفيزي، موضحاً أن الحاجة إلى الدم بشكل كبير دعت إلى شراء الدم من الخارج، مطالباً بالتركيز على الجانب "الديني" خلال الحملات؛ كونه العامل الأنجح بالكلمة والمشاهدة، من خلال الاستدلال بالآيات القرآنية، وأجدى من تقديم هدايا عينية، حيث ان المادة لا تساوي إدراك القيمة والتحفيز المعنوي، مبيناً أن الحملات الناجحة سابقاً ركّزت على الجانب الديني أكثر منه في الجانب المادي، خصوصاً عند ذكر قصة إنقاذ ناجحة. د.سامي السلمان واجب التبرع وطالبت "د.فاطمة الملحم" -أستاذة ورئيس قسم الأشعة بمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر- بضرورة تكثيف حملات التحفيز الدائم للتبرع بالدم؛ لأن الأفراد ينقسمون إلى قسمين، إما أن يكونوا متطوعين بالتبرع، أو بعيدين تماماً عن التبرع بالدم، داعية إلى ربط التبرع شريطةً لإنهاء المعاملات الحكومية، مثل تجديد الرخص وغيرها؛ نظراً لصعوبة توفير الدم في المستشفيات أثناء نقل المريض، وذلك يحتم أن يكون التبرع بالدم مفروضاً على كل مواطن، وليس أمراً اختيارياً يحتاج إلى تحفيز. وأرجعت أن تخوف البعض من التبرع يعود إلى قلّة التوعية، داعيةً وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة أن يتولوا مهمة التوعية بتبرعات الدم وفوائده، إلى جانب إيضاح أن الفائدة تعود للمتبرع قبل المستفيد، مما يستدعي إجراء حملات توعوية تنطلق في المدارس والجامعات. د.يوسف الجهني وأضافت:"لا أحبّذ وضع المحفزات المادية للتبرع؛ كونه لابد أن يكون عملاً منفصلاً عن الماديات، ولابد من التحفيز للعمل التطوعي الخيري، ولكن لا يمنع أن يمنع الطالب على سبيل المثال من التخرج دون أن يمنح شهادة تفيد أنه أدى أعمالاً تطوعية كالتبرع بالدم، كما أن الدين حث على عمل الخير"، مقترحة أن يُمنح المتبرعون إفادات تعطيهم الأولوية في التوظيف والقبول الجامعي، وكذلك الترقية الوظيفية، موضحةً أن التبرع لابد أن يخرج من مفهوم الاختيار إلى مفهوم الواجب. جمعيات خيرية وترى "نعيمة الزامل" -رئيسة جمعية ود بالخبر- أن للجمعيات الخيرية دوراً كبيراًً في إقامة الحملات التوعوية الداعمة لمفهوم التبرع عند المواطن، كناحية خيرية تهتم بها الجمعيات، دون أن يقتصر عملها على الدعوة نحو جمع المال للفقراء، موضحة أن تبرعات مسيري الجمعيات الخيرية يدعو الأفراد نحو التبرع بالدم، حيث شهدت الحملات إقبالاً كبيراً خصوصاً من فئة الشباب، حيث لم تعد المستشفيات المُستقبل الوحيد للتبرع، بل ان الجمعيات تعمل دور المبادر للتحفيز بالتبرع، من خلال التحفيز الديني، مبينةً أن الوعي مهم جداً للتبرع بالدم في ظل حاجة المرضى إليه.وطالبت بتحفيز النشء ابتداءً من المدارس، كونها الخطوة الكفيلة بنجاح التبرع، وذلك من خلال وضع برامج مرتبطة بالمناهج الدراسية، إلى جانب دور المسجد في الحديث عن أهمية التبرع بالدم عبر خطب يوم الجمعة وإقامة المحاضرات التوعوية، مؤكدة على أن الصلة غير وثيقة بين وزارة "الصحة" وبين الجمعيات بتحديد مدى الاحتياج للتبرع بالدم، أو التنسيق معها في إقامة حملات تحفيزية مُغرية لدفع المواطن للتبرع من خلال الجمعيات الخيرية، إذ أن العلاقة بينهما تقتصر على بعض التعاميم البسيطة الصادرة من الوزارة، متمنيةً أن يوجد تنسيق أكبر بين المستشفيات والجمعيات الخيرية؛ من أجل بدء حملات توعوية وتحفيزية للتبرع بالدم. تكرار التبرع وذكر "د.سامي السلمان" -طبيب نائب وبائيات في الشؤون الصحية بالأحساء- أن المحفزات موجودة للأشخاص المتبرعين باستمرار، حيث يُمنح درعاً تكريمياً من قبل وزارة "الصحة" لجهوده الخيرية، مبيناً أن المحفزات المادية ذات أثر أعمق وأكبر في حالة تقديمها للمتبرع، مما سيزيد أعداد المتبرعين، أو ربط التبرع بمنح خصومات من خلال اتفاقيات مع مجمعات تجارية وشركات الاتصالات، وذلك للمساهمة المجتمعية والمبادرة في تحفيز الأفراد نحو التبرع. وذكر أن التبرع بالدم لم يترك عشوائياً واختيارياً للأفراد، دون تحفيز وتوعية، قائلاً ان هناك برامج وخططا وحملات تحفيزية للتبرع من خلال استغلال مناسبات صحية محددة، وكذلك من خلال تجديد رخصة القيادة حيث يُؤخذ من المتقدم عينة من دمه ويتم تحفيزه على التبرع، مشيراً إلى ضرورة أن يتم تكثيف البرامج المُحفزة للتبرع خاصةً في المناطق المنتشر فيها أمراض الدم الوراثية، أو تكثُر فيها حوادث السيارات، مما يستدعي الحاجة بشكل أكبر إلى التحفيز بالتبرع. وأوضح أن معظم المتبرعين يستشعرون أهمية التبرع بالدم، إلاّ أن البعض لا يدرك مقدار حاجة المستشفيات للدم المُتبرع به، مما يستوجب تنبيه المتبرعين إليه بتكرار التبرع أكثر من مرة في العام الواحد.