قد يخطئ البعض عندما يظنون أن النجاح والمسؤولية تعنيان العمل، والعمل فقط، بل إن البعض يرى الراحة أو الإجازة شيئاً لا يتفق مع المسؤولية أو النجاح في العمل، ولكن الحقيقة التي تأكدت لدى العالم أجمع، خصوصاً المجتمعات الاقتصادية الناجحة، مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدة، أن الإجازة القصيرة والسنوية التي تخرج بالموظف، أو المسؤول، أو رجل الأعمال، من أجواء العمل، وتنقله بعيداً من الشد العصبي والذهني، هي بمثابة تجديد لقدرات هذا الشخص وانتعاشه، واسترخاء وتجديد نشاط، وهي ضرورة لكل من يبحث عن الابتكار والإبداع والتغيير. وأكدت الدراسات الميدانية والإحصاءات، التي أجرتها مؤسسات العمل في طوكيو، أن حجم إنتاج العامل يتضاعف بعد عودته من الإجازة، وأن قدرته على استيعاب الأفكار والأطروحات الجديدة تتضح بعد نيل قسط مناسب من الراحة والاسترخاء. ما دفعني للحديث عن هذا الموضوع هو ما نلاحظه على البعض من ضغط العمل المتواصل، وحرصهم على البقاء في مكان العمل أطول فترة ممكنة، بل ونقل أجواء العمل والتزاماته إلى المنزل، والتغاضي تماماً عن حاجة الجسم والذهن للراحة والاستجمام، مما يعرض الرؤساء والمرؤوسين للإرهاق الجسدي والذهني والعصبي، الذي بدوره ينعكس سلباً على جودة الإنتاجية وفن التعامل مع الآخرين، وليس هذا فحسب بل إن ضغوط العمل هي أبرز أسباب زيادة الأمراض لدينا بنسبة عالية ومخيفة، منها السكر والضغط وأمراض القلب والكوليسترول والدوالي والعمود الفقري وغيرها. والمتأمل في طبيعة الموظفين يدرك الدور الفاعل الذي تلعبه الدورات والإجازات في تنمية وتنوير العقول البشرية، ولا نبالغ إذا قلنا إن النجاحين الاقتصادي والإداري اللذين حققتهما شركتا "أرامكو" و"سابك"، وغيرهما من الشركات الناجحة، يعود إلى تميز منهجية الإدارات البشرية واهتمامها بقطاع التدريب ومنح الإجازة والحوافز. وهناك أسباب أخرى قد تعود إلى الموظفين أنفسهم الذين، من وجهة نظري، ينقسمون إلى ثلاث فئات متباينة في طباعها ورغباتها، الأولى: الانعزالية: وهي فئة تعشق البقاء في الدوام عشقاً جماً وتكره الإجازات والدورات، ولا ترغب في البحث عن التطوير الذاتي أو العملي، بل يمضي عليهم سنوات طويلة وهم على رأس الخدمة لم يتغير فيهم شيء، المنهجية نفسها و"الكراكتر"، وأسلوب التعامل نفسه (حقن)، لا يقنعون ولا يقتنعون بسبب تشبثهم الشديد بالبيروقراطية والروتين، وإن صح التشبيه فهم أقرب إلى مفتاح "الصلصة"، الذي لم يطرأ عليه أي تطوير أو تغيير بين الأجهزة المنزلية كافة، بل ظل بشكله العتيق وطريقة استخدامه الوحيدة منذ زمن "جدي"، وهذا الأمر نفسه ينطبق على حالة موظفين مكانك راوح!! أما الفئة الثانية، فنجدها عكس ذلك تماماً، فهي تهرب من أجواء العمل المتواصل، وتعشق الحياة والإجازة والسفر، وتطوير الذات، حتى لو كان رصيدهم مفلساً من الإجازات، إلا أنها تبحث عن الإجازة والدورات ب "أشيك" الوسائل والالتفاف، بسبب أنها في أكثر الأوقات متاحة للمحسوبين فقط على السيد فيتامين "الواسطة"، والترشيح للتدريب والإجازة يتم من تحت الطاولة، كما يقولون؟ التي عادة يتم التكتم عليها من المديرين، إما بسبب الخوف من التزاحم عليها، أو بسبب الاعتقاد بأنها "هد تدريبي". أما الفئة الثالثة، فيمكن أن يطلق عليها "مكسورة الجناح"، فهي ترغب في كل وجود واهتمام، ولكن الفرصة لهم بالذات غير متاحة، بمعنى أنهم ليس لهم في الطيب لا حظ ولا نصيب!! وقفة: تشير الأبحاث والدراسات إلى أن التدريب يسهم بشكل فاعل في زيادة مدخول الفرد، إذ أدى إلى زيادة أجور الموظفين بنسبة تصل ما بين 4 في المئة و11 في المئة، كما بيّنت الأبحاث أن الشركات حققت أرباحاً تفوق نسبة الزيادة التي حصل عليها الموظفون بأكثر من ضعفين. وفي دراسة أخرى بيّنت أن زيادة نفقات التدريب بنسبة 10 في المئة حققت نسبة تحسن الإنتاجية بنسبة 3 في المئة. ويؤكد خبراء التدريب على أهمية اتباع المنهجية العلمية والأسس السليمة البعيدة من "المحسوبيات" والمجاملات الشخصية التي تعود بالنتائج السلبية وتحد من الارتقاء بجودة العمل. أخيراً: أحد الإداريين المدللين في قطاعه طلب إجازة شهرين لقضاء شهر العسل بإحدى الدول، فكان رد فعل المدير العام ببساطة هو إلغاء طلب الإجازة وتحويلها إلى انتداب ودورة تدريبية خلفاً للإجازة وعينية الزواج. "يا هنياله"... عقبالكم أيها العزاب.