أدت الطفرة الاقتصادية وتنظيم عمليات الاستقدام إلى أن يؤم المملكة حشود من جنسيات مختلفة بحثاً عن فرص عمل، وقد أدى حزم وصرامة الأنظمة في البلاد إلى توازن كبير في علاقة الكفلاء بمكفوليهم، سواء من السائقين أوالخدم أوالعمال، ولم تكن المملكة سوى بلد يوجد داخله فرص عمل كبيرة، لكنه لم يكن مكاناً مناسباً لمن يريد التمرد والعبث، جراء الأداء الأمني الصارم، الذي سيّر الأمور بشكل مثالي حتى بداية الألفية الجديدة، حيث بدأت الأنظمة الحازمة تتراجع في حزمها، مما كشف الجانب الهش في العلاقة العمالية بين المواطنين ومكفوليهم. وبالرغم من تعالي الأصوات في بعض الدول عن تعرض بعض مواطنيها من العاملين في المملكة لظلم أو اضطهاد، إلاّ أن المواطنين يصرخون جراء تعرض مصالحهم للضرر كنتيجة مباشرة لما يسمونه تمرد العمالة الوافدة، في ظل تراجع هيبة تطبيق الأنظمة في البلاد، حيث يبلغ اضطراب العلاقة العمالية في المملكة ذروته بين الكفيل والمكفول في هذه المرحلة التي يقترب عدد الوافدين فيها من ال (10) ملايين مقيم، فقد أدى عدم تطبيق الأنظمة والتشريعات بالشكل السليم إلى حالة من الفوضى، كان أهم نتائجها خسائر مادية وسلوكيات أمنية وجنائية خطيرة يعملها رجال ونساء من المقيمين، ممن لا يرغبون في العمل لدى مكفوليهم، حيث أطلقوا لسيقانهم الريح في عملية هروب كبيرة باتت حديث الناس، فيندر أن تجد مواطناً لم يهرب سائقه أو خادمته أو أحد عماله إن كان لديه مؤسسة أو شركة. "الرياض" تطرح الموضوع لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هروب بعض العمالة، مع مناقشة تراخي الأنظمة والأداء من قبل الجهات المسؤولة؟. عوامل كثيرة يصعب القول إن هناك سبباً واحدًا لاضطراب العلاقة العمالية اليوم في البلاد، لكن عدة أسباب جوهرية وواضحة هي من صعّد المشكلة وجعلها تصل إلى ما وصلت إليه، منها ما يخص الكفيل، وأخرى تخص العامل، ومنها ما يخص الجهات المعنية، لكن سوء إدارة الأجانب في البلاد إن صح التعبير، من خلال تراجع الأنظمة التي تكفل حقوقهم إن مسها سوء، وتلك التي تحاسبهم إن أساءوا، تشكل أحد أهم تلك الأسباب، مما جعل من يريد التمرد من العمالة أن يتمرد، وفي نهاية المطاف يُزف إلى بلاده حينما يريد معززاً مكرماً، كما أن من ظلمه كفيله وأحجم عن إعطائه حقوقه لن يكون بمقدوره الحصول على تلك الحقوق بيسر وسهوله، وإن كان ظلم الكفلاء النظاميين اليوم لمكفوليهم أقل بكثير من تمرد العمالة على كفلائهم من خلال الهروب، إلاّ أن هناك كفلاء ومكفولين يجب أن يفرزوا خارج المشهد، أولئك بائعو ومشترو التأشيرات، فالعلاقة بين أولئك غالباً ما تنتهي بمشكلة؛ لأن العلاقة العمالية بنيت أساساً على عمليات شراء وبيع، ولم تحكمها ضوابط العلاقة العمالية المعتادة. فيصل الجبير غياب الحزم وقد فشلت الأجهزة المعنية اليوم في إدارة الأجانب بشكل جعلهم يشكلون الجانب الأخطر على الأمن في الوطن، فلم تنتشر "مصانع الخمور" و"عمليات خطف الرهائن"، إضافةً إلى "تزوير الوثائق" و"انتحال شخصيات رجل الأمن"، إلاّ في المرحلة التي غاب فيها الحزم وتراجع فيها تطبيق الأنظمة المعمول بها في السابق، والتي استطاعت آنذاك أن تحكم الوضع بشكل جيد، هذا الفشل يأتي في رأي مراقبين ليس جراء غياب الأنظمة والتشريعات، إنما جراء عدم تطبيقها بالشكل الكافي، كما أن هناك فراغاً في مسألة العقوبات التي تخص المخالفين لنظام الإقامة، سواء العمال الهاربين من كفلائهم، أو أولئك المواطنين الذين يؤوونهم، حيث إن حجم تلك العقوبات لا تكفي لتحجيم ظاهرة هروب العمالة. لا يوجد تطبيق ورأى "فيصل الجبير" -محام ومستشار قانوني- أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم التطبيق السليم والفاعل للأنظمة، إضافةً إلى الكيفية والرؤية التي ما زالت تنتهجها الجهات المعنية القائمة على الرقابة والتحقق حيال تطبيق النظام على الوجه الصحيح، مضيفاً أن الهيئات العمالية التي وصفها ب"شبه القضائية" التي تتولي الفصل في المنازعات الناشئة بين أطراف الخصومة، كانت ولازالت هي الأخرى سبباً في تفاقم الكثير من تلك المشاكل -على حد قوله-، مرجعاً ذلك إلى تسببها ب"بيروقراطية" عقيمة في طول المدة غير المبرر في كثير من الأحيان، وكذلك عدم سرعة حسم ما يعرض عليها من قضايا، مشيراً إلى أن تراكم الكثير من القضايا والدعاوى العمالية دون بت أو حسم بشأنها، ترتب عليه قيام كثير من أصحاب تلك الدعاوى من العمال بالهروب من كفلائهم والبحث عن عمل بديلا يؤمن من خلاله قوت يومه لحين البت في دعواه بشكل نهائي، مبيناً أن بعض القضايا قد تستغرق سنوات طويلة ما بين النظر فيها من مكتب العمل والهيئة الابتدائية والهيئة العليا وإدارة تنفيذ الأحكام وغيرها من الإجراءات الطويلة. محاكم عمالية واقترح "الجبير" حزمة من الأفكار التي يرى أنها قد تساعد في تنظيم عملية الفصل في المشكلات العمالية، من خلال إنشاء محاكم عمالية متخصصة مدعومة بكفاءات متميزة من القضاة والمستشارين المؤهلين بكافة مناطق ومحافظات المملكة، تتولى سرعة البت في القضايا التي تعرض عليها؛ لتطبيق مبدأ القضاء العادل؛ ولتفويت الفرصة على المتلاعبين من جراء التطويل سواء من أصحاب العمل أو مكفوليهم، مشدداً على أهمية تفعيل وتطبيق نظام العمل الحالي على الوجه الصحيح والكامل، إلى جانب تنشيط دور الرقابة الفاعلة على المؤسسات والمنشآت التي تستخدم العمالة، مطالباً بإعادة النظر في نظام الكفيل الحالي من خلال تشكيل لجان متخصصة في كافة الجوانب القانونية والعمالية والأمنية والاقتصادية المختلفة، بشكل يحول دون إفادة بعض ضعاف النفوس من ثغرات هذا النظام، وبما يحفظ كذلك الأولوية للعمالة الوطنية المؤهلة والمدربة في التوظيف، إضافةً إلى حماية الأمن الداخلي للبلاد، وعدم العبث به من خلال الاستخدام العشوائي للعمالة الوافدة، مشيراً إلى أنه بخصوص حقوق الكفيل في حالة هروب العامل فإن المنطق والعدالة يقتضيان تعويضه بعامل آخر إذا ثبت أن لا ذنب له في هروب العامل، بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لمثل هذه الحالات لدى الجهة المختصة. عبدالعزيز الزامل ربح تجاري وقال "عبدالعزيز بن عبدالله الزامل" -محام ومستشار قانوني-: إن أكبر الإفرازات السلبية في مجال العلاقة العمالية في المملكة بين الكفلاء ومكفوليهم، قد أتت جراء استغلال وإساءة استخدام النظام المعني من قبل الكفلاء، واضعين في الاعتبار الربح التجاري ولا شيء سواه، وهذا ما يجعل صورة العلاقة تشوبها الكثير من الشوائب، مضيفاً أن النتائج السلبية تدعو إلى تلاعب العامل وخداع مكفوله وهروبه في الكثير من الأحيان، ذاكراً أنه يجب ألاّ ننسى من يسيئون استخدام النظام، وأن العامل لم يأتِ من بلده إلاّ بحثاً عن الكسب والمال، فعندما لا يجد الأرضية المواتية يبدأ في البحث عن الأفضل، مدفوعاً بالمعاملة السيئة التي يجدها من كفيله، إلى جانب عدم توفير حقوقه، لافتاً إلى أن هناك من يعمل على دفع المكفولين للعمل على حسابهم شريطة إعطائه مبلغاً شهرياً لا يتنازل عنه نهائياً، بغض النظر عن الأعمال التي يمارسها المكفول، وهذا ما أسهم في تفشي الكثير من الظواهر السلبية والممارسات غير النظامية من قبل العمالة بمختلف جنسياتهم، مؤكداً على أن إساءة استخدام الكفيل للنظام لا تبرئ ساحة الكثير من المكفولين الذين يتعب معهم كفلاؤهم، فعلى الرغم من المعاملة النظامية والجيدة التي يجدها بعض المكفولين، إلاّ أنهم يميلون إلى الانحراف عن النظام، بل ويمارسون أعمالاً غير نظامية من دون علم كفلائهم. راكان الدوسري مراجعة الأنظمة وأوضح "الزامل" أن تسارع التطورات في ظل الانفتاح الاقتصادي وارتفاع وتيرة المنافسة، إضافةً إلى دخول المستثمرين غير المواطنين، مهد إلى دخول الكثير من المفاهيم عن علاقات العمل لم تكن موجودة من قبل، خصوصاً في مسألة التعامل بين الكفيل والمكفول، الأمر الذي أثر تأثيراً مباشراً في هذه العلاقة، حيث خرج بها إلى نطاق المهنية الخالصة في ظل جعل الكسب المادي أول الأولويات، حيث كان سبباً في تدني الحرص على العلاقة الإنسانية والارتباط المجتمعي، الشيء الذي لم يكن معروفاً بهذا الشكل الواسع من قبل، مشدداً على أن مراجعة الأنظمة بصورة دورية يؤدي إلى مواكبة التطورات في المجالات التي تحكمها مؤكداً على وزارة العمل بحكم أنها الجهة ذات العلاقة المباشرة بأنظمة الكفالة في المملكة، أن تراجع جميع الأنظمة واللوائح المتعلقة بهذا الموضوع ،من أجل ضمان شموليتها لكافة الجوانب التي تحكم العلاقة بين الكفيل والمكفول، مشدداً مرةً أخرى على أن التوعية المستمرة للكفيل والمكفول معاً حول الحقوق والواجبات التي يفرضها النظام، تجعل من عملية التعايش أكثر سهولةً، مما يجعل كل طرف يعلم حقوقه وواجباته. غياب الحزم أدى إلى ممارسة البعض تزوير الوثائق الرسمية