المصاب الجلل الذي ألمّ بالمملكة العربية السعودية، منذ أيام، بوفاة فقيد الوطن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، يرحمه الله، أعاد التأكيد على حقيقة راسخة تتجلى في الملمات والأحداث الكبرى التي يتعرض لها الوطن، وهي أصالة الشعب السعودي وقوة تماسكه وترابطه والتفافه حول قيادته، وقد تجسد ذلك في مشاعر الحزن والأسى التي عمت كل بيت سعودي على امتداد رقعة وطننا الكبير بوفاة ولي العهد الأمين، فقد كان الإحساس بمرارة الفقد عاماً يشترك فيه جميع أبناء الوطن، الذين رأوا في الراحل الكبير أباً أو أخا ًأو قريباً، فهو في قلب كل فرد منهم، والفجيعة فجيعة كل أسرة سعودية وجدت الطمأنينة والأمان في ابتسامته التي لم تكن تفارقه، فكان، يرحمه الله، يزرع الأمل أينما حل، وينشر روح الثقة والتفاؤل في كل مكان يذهب إليه. الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز أكبر من كل الكلمات التي يمكن أن تقال في رثائه، وسيرته أضخم وأعظم من أن تلم بها أو تتحدث عنها مقالات الكتاب مهما بلغت فصاحة عباراتها، فهو يحتاج إلى مجلدات يركز كل واحد منها على جانب من جوانب شخصيته الفريدة المتميزة، فقد تقلد الراحل الكبير العديد من المناصب المهمة والمؤثرة في خدمة الدولة، وشغل العديد من المواقع على المستوى الرسمي بدءاً من توليه، يرحمه الله، إمارة الرياض قبل أربعة وستين عاماً، ثم إسناد عدد من الحقائب الوزارية إلى سموه، ومن بينها حقيبة وزارة الزراعة، وحقيبة وزارة المواصلات، وحقيبة وزارة الدفاع والطيران، وأخيرا تعيينه وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى مسؤولياته كوزير للدفاع والطيران والمفتش العام. كما تولى الأمير سلطان بن عبد العزيز، يرحمه الله، الكثير من المسؤوليات والأدوار الإنسانية في الداخل والخارج كان أبرزها دوره في الاهتمام بالبيئة والحياة الفطرية، ومبادراته الرائدة لدعمها، وتطوير منظومة العمل البيئي والإحيائي وما يتصل بها في المملكة، حتى استحق، يرحمه الله، لقب رجل البيئة العربي الأول من العديد من المؤسسات التي تعنى بالبيئة وشؤون الحياة الفطرية، كما اختير واحداً من أبرز عشرة رجال على مستوى العالم يعملون من أجل الحفاظ على بيئة كوكب الأرض من قبل وكالة "ونتس" الدولية. داخلياً كان الأمير سلطان عبد العزيز، يرحمه الله، يعمل بكل ما يملكه من خبرة وحنكة سياسية وإدارية على خدمة وطنه في كل المواقع التي تولى مسؤوليتها، وقد استطاع أن يحقق من الإنجازات ما سوف يبقى شاهداً على نبل الغاية وعلو الهمة وضخامة العطاء، ليس بتطويره قدرات القوات المسلحة السعودية فحسب، بحكم مسؤوليته المباشرة عنها، بل بالنسبة للأدوار الأخرى العديدة والمهام الوطنية التي نهض بها، ومن أبرزها إنجازه في الجانب الإداري من خلال رئاسته اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري، التي أحدثت نقلة في مجال التطوير والتحديث الإداري للجهاز الحكومي ، وكانت القرارات التي اتخذتها اللجنة بإعادة هيكلة أجهزة الدولة البداية الحقيقية لسعي المملكة للحاق بركب العصر. يروي أحد الذين عملوا مع فقيد الوطن، وهو الرئيس التنفيذي لمدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية، أن الراحل الكبير كانت له وصية يشدد عليها، وكان يقول له:""ترى المدينة الإنسانية من ذمتي لذمتك"، فيما لفت مسؤول آخر، هو الرئيس التنفيذي لهيئة الغذاء والدواء، إلى الوصية التي دونها الأمير سلطان بخط يده وهو يشدد على دور الهيئة في وقت سابق "رجاء الحرص على صحة الإنسان مهما كانت الأحوال". هذا هو فقيد الوطن الكبير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، الإنسان الذي بكاه كل بيت سعودي، والسياسي المحنك والقائد الإداري الذي شارك في قيادة أمته ووطنه نحو الرقي والتقدم. رحم الله الفقيد الغالي وأسكنه فسيح جناته، وخالص التعزية والمواساة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وإلى الأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي الوفي، مبتهلاً إلى الله أن يلهمنا جميعاً الصبر والسلوان، ويشد من أزر ولاة أمورنا في هذه اللحظات العصيبة، فالمصاب جلل، والفجيعة كبيرة. * مدير عام جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج