تستبدل عشرات النساء الجزائريات عشية قدوم شهر رمضان المعظم أواني الألمنيوم والسيراميك والحديد والزجاج بالأواني الفخارية التقليدية . قِدر وكساكس للشربة على اختلاف أصنافها وطاجينات للحم الحلّو والمثوّم وغُرفِيات وصحون وأقدحة للسحور وغيرها من الأواني الفخارية الأصيلة التي تطلّق بهن ربّات البيوت أواني المساحات التجارية العصرية ولا تعود لاستعمالها إلاّ صباح عيد الفطر حيث ترافق أطقمة القهوة الفرنسية الصنع خصوصا أشهى أصناف حلويات العيد . وتتحول الكثير من المطابخ الجزائرية كل عام إلى شبه متاحف مصغّرة للإبداعات الفخارية الأصيلة التي تصنعها أنامل " الفخّارجية " وهم صناع الفخّار كما يّسميهم العامة ، وهؤلاء تكبر تجارتهم وتنتعش خلال رمضان وقبله بكثير عندما تهّم الأسر الجزائرية عند محلات بيع الفخّار لاقتناء ما يلزمها من أوان وأطقمة فخارية بعضها يستخدم في الطهي والبعض الآخر في " احتضان " ألّذ الأطباق التقليدية الشهية التي تحضّر خصيصا في رمضان . ويستغل العائدون من المنتجعات السياحية والعطل الصيفية مرورهم على باعة الأواني والأدوات الفخارية المنتشرة محلاتهم على طول هامشي الطرق السريعة شرق البلاد وغربها لشراء ما يجعل أطباق رمضان من حيث نكهتها أكثر لذّة أو " بنّة " كما يقال في العامية ، ولا تفوّت النساء الجزائريات فرصة مرورهن رفقة العائلة على باعة الفخّار لاقتناء " الطاجين و " المرّي " اللذين يطهى فوقهما الخبز التقليدي من " خبز خمير " و " كسرة " و " مطلوع " حتى تكون متعة مائدة الإفطار كاملة . وتنفق بعض العائلات بالأخص تلك الميسورة أموالا كبيرة في شراء أطقم الأكل والشرب مختلف أشكالها ومتباينة أسعارها لكنها جميعها تضفي على مائدة رمضان رونقا خاصا وسحرا يخرجها عن روتين موائد بقية أشهر السنة ويجعلها من حيث الأطقمة الفخارية الموجودة فوقها والأطباق التقليدية التي تزدان بها تفوح بعبق الأصالة وعادات أيام زمان . وتعتقد جل الأسر الجزائرية بمن فيها تلك التي تقطن الحواضر وكبريات المدن التي تختلف في عاداتها وتقاليدها عن سكان القرى والمداشر التي ما تزال تستعمل بعض الأواني الفخارية في الطهي والأكل خارج الشهر الكريم ، تعتقد أن الطهي في الأواني الفخارية يمنح الأكل لذّة ونكهة لا يوفّرها الطهي في الأواني المعدنية ، ولهذا السبب تذهب بعض العائلات إلى حد اقتناء ما يسمّى محليا ب " النافخ " أو " الكانون " أي الموقد التقليدي المصنوع من الفخّار الذي كان زمانا فرن العائلة الوحيد ، على جمراته تطهى كل الوجبات اليومية ، بتوئدة وتأن ، وهو الجانب الذي تسعى ربّات البيوت إلى استرجاعه بكثير من الحنين عندما تصّر على أن " تتجمّر " شربة رمضان فوق " النافخ " أي أن تطهى بهدوء على جمرات الموقد لا فوق آلة الطبخ العصرية التي تعجّل في استوائها دون أن تمهلها الوقت الكافي لتخرج كل نكهاتها وسرّ بهاراتها . ولم تعد ربّات البيوت تعلّم بناتهن مثلما كان عليه الحال قديما بالأخص في القرى والمدن الداخلية صنع الأواني والأدوات المطبخية الفخارية بيدهن قبل زواجهن . لم تعد تكترث أمهات اليوم وكذا بناتهن بالأواني المصنوعة من الفخّار والطين بل لا تعبأ بهم ، ولم تعد الهدايا المنزلية المصنوعة من الفخّار تصنع دهشة أو اعتزاز المتزوجين الجدد ، هؤلاء صاروا ينتظرون هدايا البورسولين التي يتم جلبها من عواصم الغرب جيران الشمال المطلين على البحر المتوسط ، وتحكي الجدّات أن صنع الأواني الفخارية التي تزدان بها مطابخ العرسان الجدد كانت تجلب طينها وتعالجه وتصقله ثم تتفنن في صنعه المقبلات على الزواج من الصبايا ، فكانت الحرفة تورثّ جيلا بعد آخر ، تورّثها الجدة للأم والأم لابنتها وكانت الأخيرة تصحب مع " جِهَازها " كل مستلزمات مطبخها من الأواني والأدوات الفخارية المصنوعة بيديها ، القدر والطاجين والقصعة التي يحضّر فيها الكسكسي ، كان الأمر يشبه تباهي العائلات بإبداعات بناتهن ، أما اليوم فوحدها المحّلات صارت تؤّمن للعائلات احتياجاتها من أواني الفخّار مع قدوم شهر رمضان من كل سنة ، بفضل ثلة من الحرفيين الذين يقاومون صرعات العصر ويصرّون على إمداد صناعة الفخّار عمرا طويلا ، فهم منها يسترزقون فهي ما تزال تغري جيوب السياح الأجانب ، و بها يحافظون على موروث ثقافي وفني هو واحد من أهم خصوصيات منطقة المغرب العربي .