أكد الشيخ سعود بن سعد الرشود خطيب جامع العبداللطيف بالرياض والمستشار بوزارة الشؤون الإسلامية على أهمية نعمة الأمن في الأوطان وأنها من النعم العظيمة ومن الضروريات الإنسانية ومن مقاصد الشريعة، مشيراً في خطبته ليوم الجمعة أن الحياة تستقيم وتستقر بالأمن. وقال في خطبته إن الإسلام نقل أقواماً من حالة الخوف والذعر والفوضى والاضطراب إلى حالة الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار وهناك شواهد على ذلك من الماضي والحاضر فمن الشواهد في الماضي حالة العرب خاصة والعالم عامة قبل مجيء الإسلام فقد كانوا في جاهلية جهلاء وفي ضلالة عمياء وكانت جزيرة العرب بالذات مسرحاً للفتن والاضطرابات، والسلب والنهب والحروب فلما جاء هذا الدين ودخلوا فيه تحولوا إلى مجتمع مثالي يسوده الأمن ويحكمه الوحي وتوجهه العقيدة السليمة تحولت فيه العداوة إلى محبة والقطيعة إلى أخوة، كما تحولت الأثرة إلى إيثار ومواساة قال تعالى مذكراً عباده بهذه النعمة {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً}. وقال تعالى {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون} ومن الأمثلة في الحاضر ما نشاهده ونلمسه في تاريخ هذه البلاد فقد كانت تعيش في حالة من الفوضى والخوف والسلب والنهب وقطع الطريق والتناحر بين البادية والحاضرة من ناحية. وبين الحاضرة بعضها مع بعض من ناحية أخرى فقد كانت كل قرية تغير على القرية الأخرى وكان كل فرد يسطو على الآخر. ومضى قائلاً إنه عندما منّ الله على أهل هذه البلاد بظهور دعوة التوحيد على يد الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رحمة واسعة وهي الدعوة إلى العقيدة الصحيحة والتمسك بهذا الدين. وقيام الإمام محمد بن سعود رحمه الله بمناصرته ومؤازرته واستجاب الناس لهذه الدعوة المباركة وناصروها لما فعلوا ذلك توفر لهم الأمن وقامت لهم دولة إسلامية تحكم بشريعة الله وتطبق حدود الله فكانت ولا تزال بحمد الله تحت قيادة آل سعود أيدهم الله بنصره وتوفيقه مضرب المثل في توفر الأمن والاستقرار في العالم مما لم تظفر به أمةٌ من الأمم التي تملك السلاح والقوة الفتاكة حتى شهد لها بذلك القاصي والداني وأصبحت ولله الحمد محل الإعجاب والتقدير من المهتمين بالأمن في العالم وذلك لتوفر الأمن والاستقرار وانخفاض نسبة الجرائم الأمنية فيها ولله الحمد. وماتزال هذه البلاد بحول الله وقوته بقيادة خادم الحرمين الشريفين واخوانه الميامين أيدهم الله بنصره وعونه بخير وأمان ما دامت متمسكة بعقيدة التوحيد ومحكمة لشريعة الله ولكنّ هذه الفئة الضالة ومن سار في ركابها وقام بمساندتها ودعمها لمواصلة إجرامها وتحقيق مآربها الخبيثة لا تريد لهذه البلاد المباركة أمناً ولا استقراراً ولا رخاءً ولا ازدهاراً فهي تسعى لزعزعة أمنها وتدمير مقدراتها وتقتيل رجال أمنها وتحقيق مطالب أعداء الإسلام والمسلمين ولكن الله لهم بالمرصاد وَسَيُقْضى على البقية الباقية منهم بإذن الله وتوفيقه ثم بجهود المخلصين من قادة ومسؤولين ورجال أمن ومواطنين. إن هذه الفئة الباغية قومٌ غُرِّرَ بهم وسفهاء أحلام تلاعب بهم الأعداء حتى جعلوهم وقوداً لنار الفتنة.. وما أفعالهم المتتابعة وجرائمهم المتعددة على ثرى هذه الأرض الطاهرة بين الفينة والأخرى إلا دليلٌ واضح على خبث طويتهم وتجردهم من إنسانيتهم وضربهم بنصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة عرض الحائط ولا حول ولا قوة إلا بالله ومن ذلك ما قاموا به قبل بضعة أيام من أفعال منكرة وجرائم بشعة يندى لها جبين كل مسلم غيور على دينه وأمته فقد اتجهوا الى مكةالمكرمة لتنفيذ مخططهم الإجرامي. ودخلوا متنكرين لشخصيتهم بعضهم متستراً بلباس الإحرام وبعضهم متخفياً بزي نساء والعياذ بالله موهمين رجال الأمن بهذه الألبسة ولكن الله فضحهم وهتك سترهم ووقعت بينهم وبين رجال الأمن وللأسف مواجهة دامية حصل فيها سفك دماء بريئة في أقدس بقعة على وجه الأرض مع ما في ذلك من ترويع للأطفال والنساء واحتجاز للآمنين في بيوتهم لبضع ساعات واستحلال لهذه البقعة الطاهرة لتكون مسرحاً لإشعال نار الفتنة واطلاق للأعيرة النارية والقنابل اليدوية واحراق لعدد من السيارات فحسبنا الله ونعم الوكيل. ايها المسلمون: لقد استنكر المسلمون هذا الحادث الأليم واعتبروه جريمة عظيمة ومنكرا شنيعا لما فيه من زعزعة للأمن وانتهاك لحرمة البلد الحرام وظلم لعباد الله وازهاق لأرواح بريئة.. وقد حرم الله سبحانه وتعالى البلد الحرام الى يوم القيامة كما حرّم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم الى يوم القيامة وجعل انتهاك هذه الحرمات من أعظم الجرائم وأكبر الذنوب وتوعد من هم بشيء من ذلك في البلد الحرام بأن يذيقه العذاب الأليم كما قال تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} فإذا كان من أراد الإلحاد في الحرم متوعداً بالعذاب الأليم وإن لم يفعل فكيف بحال من فعل؟! فإن جريمته تكون أعظم ويكون أحق بالعذاب الأليم.. فقد جعل الله مكة مثابة للناس وأمناً قال تعالى {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس وأمنا} فالإنسان فيها آمن والطير فيها آمن والحيوان فيها آمن وحتى الشجر فيها آمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم »لا يُختلى خلالها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها» فإذا كان الشجر لا يجوز قطعه في مكةالمكرمة فكيف بإراقة دم مسلم مؤمن موحّد آمن في بيته أو يحرس أمن الناس فلا حول ولا قوة إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل. أحبتي في الله: إن من تصوّر حل دماء المسلمين وأن دماءهم أمرها يسير فقد ارتكب أمراً عظيماً وجرما كبيرا {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً» ويقول عليه الصلاة والسلام «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم». مفاسد عظيمة وشرور كثيرة وإفساد في الأرض وترويع للمؤمنين والآمنين ونقض للعهود وتجاوز على إمام المسلمين، جرائم نكراء في طيها منكرات، أعمال سيئة شريرة تثير الفتن وتولّد التحزب تدمير للطاقات وتشتيت للجهود. أعمال تهد المكتسبات وتؤخر مسيرة الإصلاح وتخذل الدعوة والدعاة وتفتح أبواب الشر أمام ألوان من الصراعات بل ربما هيأت فرصاً للتدخلات الأجنبية فلا حول ولا قوة إلا بالله. إن الموقف الصريح الذي لا لبس فيه ولا يختلف عليه إنكار هذا العمل الشنيع واستنكاره ورفضه وتجريمه وتحريمه وما سبقه من أعمال وتفجيرات آثمة على ثرى هذه الأرض الطيبة الطاهرة وليحذر من أراد الخير لنفسه من عمى البصيرة وتزيين الشيطان فيرى الحق باطلاً والباطل حقاً عياذاً بالله. وإن واجبنا مواطنين ومقيمين أن نكون يداً واحدة وصفاً واحداً في وجه من يريد العبث بأمن هذه البلاد المباركة وأن نتعاون مع رجال أمننا البواسل في الكشف عن مكان الجريمة وأوكار المجرمين حفاظاً على الأمن وصيانة للأمة من الفساد وقطعاً لدابر المفسدين امتثالاً لقول الله تبارك وتعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}. وفي خطبته الثانية قال الشيخ الرشود: لقد امتن الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد المباركة - وله الفضل والمنة - بمنن عظيمة فهي بلاد العقيدة الصافية، بلاد فيها شعائر الإسلام، وحكمت فيها شريعة الإسلام، بلاد العلم والتعلم، بلاد لا ترى فيها - ولله الحمد - معابد لغير الله فلا ترى كنيسة ولا صومعة وإنما مسجد ومدرسة ومعهد وجامعة، بلاد الخيرات هي بحمد الله ومنته مأرز الإسلام ومنبع الدعوة إلى الله وأمان الخائفين وعون المستضعفين يد حانية تداوي جراح المسلمين تنطلق منها أعمال الإحسان وأنواع البر. بلاد حوت مئات الآلاف من المسلمين عاشوا في ظلها في أمن وأمان وطمأنينة واستقرار. بلاد يفد لها الحجاج والمعتمرون فيجدون حرماً آمناً رغداً سخاء من كل نعمة - فضلاً من الله ورحمة - بلاد هيأ الله لها قيادة حكيمة واعية ترعى شؤونها اسأل الله لها المزيد من التوفيق والهداية والسداد والرشاد والعون على كل خير. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه كيف نحافظ على هذه النعم وهذا الأمن وارف الظلال؟ نحافظ على هذه النعم وعلى هذا الأمن أولاً بشكر الله تبارك وتعالى بألسنتنا، بقلوبنا بجوارحنا وأن نتصور عظم هذه النعم ونعلم عظمة من تفضل وجاد بها وهو ربنا جل وعلا فنرفع الشكر والثناء لرب العالمين على هذه النعم نعتقدها في قلوبنا وأنها من الله فضلاً وإحساناً وجوداً وكرماً فنقابلها بشكره. وشكره يزيد النعم {وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) نأخذ على يد كل من يريد زعزعة نعمة الأمن وتكديرها. نأخذ على يده حتى لا يتمادى في شره وطغيانه فإن ترك أولئك كُفْرٌ بهذه النعمة التي أنعم الله بها. وأن نعلم علم اليقين ان المحافظة على نعمة الأمن ليست مسؤولية رجال الأمن فحسب بل مسؤوليتنا جميعاً لأن الأمن ينتفع به الجميع وإذا اختل الأمن والعياذ بالله تضرر الجميع فلما كان الانتفاع به عاماً والضرر منه عاماً كانت مسؤولية كل فرد مسلم ان يسعى في تحقيقه وأن لا يتعاطف مع أي مجرم ومفسد كائناً من كان فعلى جميع طبقات المجتمع النهوض بمسؤوليتهم والوقوف أمام مزعزعي الأمن والمفسدين في الأرض بقلوب ثابتة ونفوس مطمئنة. وصدق وأمانة وإخلاص في تحمل أعباء هذه المسؤولية. وعلى الدعاة إلى الله والمعلمين والمربين أن يتقوا الله في أنفسهم وان يجعلوا من منهج تدريسهم تبصير الشباب وتوعيتهم وإزالة ما علق بنفوسهم من شبه فلا غلو ولا إفراط ولا تطرق ولا إفراط وإزالة ما علق بأذهانهم من دعاة الإفراط والغلو ودعاة الفساد والضلال. وعلى خطباء المساجد وائمتها مسؤولية في توجيه الناس إلى الخير وتذكيرهم بنعم الله وضرورة التعاون والتكاتف للمحافظة على الأمن وحثهم على اجتماع الكلمة وتحذيرهم من دعاة الفتنة ودعاة الاختلاف. وعلى رجال الإعلام من صحافة وغيرها مسؤولية ايضاً في معالجة هذه الجرائم ومكافحتها على ضوء الكتاب والسنّة وليحذروا ان يزل اللسان بما يوقع الإنسان في التهلكة. وعلى عمد الأحياء وشيوخ القبائل وكل فرد من أفراد المجتمع أن يأخذوا حذرهم وأن يكون لديهم التوعية الصادقة لتحذير الأمة من أن تخدش كرامتها أو يزعزع أمنها. فإن الأمة إذا تكاتفت وتعاونت على البر والتقوى نجحت بتوفيق الله في المحافظة على أمنها. وليحذر الآباء والأمهات ان يؤتي شبابهم من حيث لا يعلمون وليراقبوا تحركاتهم ومن يصاحبون وليكونوا جميعاً على حذر من مكائد الأعداء ومن يتربصون بهذه البلاد ومواطنيها الدوائر عليهم دائرة السوء. وبعد أيها الاخوة: فإنه ما من شك أن للذنوب والمعاصي آثاراً في حصول ما حصل من فتن {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}. فالواجب على الجميع تقوى الله وإصلاح الأخطاء والسعي فيما يجمع الكلمة ويوحد الشمل وانه لا نجاة للأمة ولا سعادة لها في الدنيا والآخرة إلا إذا لجأت إلى ربها وتمسكت بدينها وعقيدتها الصحيحة علماً وعملاً وابتعدت عن كل ما يثير الفتن ويسبب المشاكل فإن التمسك بهذا الدين والاعتصام بهذا الدين سبب الخير والصلاح يقول صلى الله عليه وسلم «وإني تارك فيكم ما ان اعتصمتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله». فكتاب الله عصمة لنا من كل سوء وبلاء وفتنة وعون لنا على أعدائنا وسلاح ماض ضد أعدائنا.