سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحسيني: «سياسة الاحتواء» نجحت مع «المعارضين» و«نور العلم» بدد ظلام التشدد روى قصة تعليم المرأة في المملكة منذ بداية التأسيس ومواقف التباين بين القبول والرفض
واجه تعليم المرأة في المملكة منذ بداية التأسيس عدة تحديات، وتحولات، ومواقف متباينة بين القبول والرفض، وانتهى الأمر إلى المضي نحو التعليم دون تردد.. فكانت القرارات حاسمة، والدعم كبير، و»سياسة الاحتواء» للمعارضين رفعت شعار الاختيار في التسجيل وليس الإلزام، وهو ما دفع الغالبية إلى تغيير مواقفهم، ولكن بقيت فئة أخرى اقتنعت متأخرة، ولكنها اقتنعت في النهاية أن مواقفها المتشددة لم تكن مبررة، ولا تستجيب لواقع مجتمع حديث التكوين يرغب النهوض بكافة أفراده من الجنسين؛ دون أن يحدث فجوة بينهما. «الرياض» تحاور رجل التعليم المربي الأستاذ «عبدالله بن محمد الحسيني» أحد مسؤولي الرئاسة العامة لتعليم البنات (سابقاً) والمندوب الذي تولى وشارك في افتتاح عدد من المندوبيات في المملكة؛ للحديث عن هذه المرحلة من تاريخ تعليم البنات، وتوثيقها، والخروج منها بدروس تربوية مهمة، وفيما يلي نص الحوار: تعليم المرأة * عايشتم بداية تعليم المرأة في المملكة، فما أبرز ملامح تلك البدايات؟ - تعليم المرأة في بلادنا كان مفاجأة منذ إعلان ولاة الأمر عن ذلك؛ فصار الناس ثلاث فرق، ولكل فريق وجهة نظره: فريق يرى تعليم المرأة، وأن ذلك لا يخالف الشرع الذي يدعو إلى طلب العلم، بل يحث عليه في أمور الدين وما يخص المرأة في شؤون دنياها، وفريق لا يمانع من تعليم المرأة بشرط أن يكون محصوراً في «كتاتيب النساء» المعروفة في القرى، وليس التعليم المنهجي الرسمي، وفريق ثالث رفض بقوة تعليم المرأة، وبلغت غيرة بعضهم حدود العنف مع المنتدبين لفتح المندوبيات والمدارس لبلدانهم، ووجهة نظرهم هو الخوف من الاستجابة لتحديات المدنية الحديثة، كما كان سائداً في التعليم النسائي في البلاد العربية والإسلامية، وما يحدث فيه من اختلاط وسفور، وشح الوظائف، ومزاحمة المرأة للرجل في الوظيفة مما هو خارج طبيعتها الأنثوية، وما يعانونه من نتائج سيئة من تهدم بناء الأسرة، وضعف وازع الدين، وتحجيم دور القوامة للرجل التي أعلى الشرع من شأنها.. ولكن الدولة مضت مع الخيار الأول، وسارت على نهج صحيح في تأسيس البدايات على يد علماء أجلاء يتقدمهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- ومن اختاروه لرئاسة تعليم البنات بعد ذلك، حيث كان شعار «القبول اختياري» وهو ما أقنع الكثيرين، وبعد أشهر قليلة تدارك الجميع مواقفهم الرافضة وأحضروا بناتهم إلى المدارس، والحمدلله النتائج أمامنا مذهلة، حيث استطاعت المرأة أن تنافس الرجل في كثير من المواقع والتخصصات، بما يعلي من شأن هذا الوطن. شعار «القبول اختياري» أقنع الكثيرين وبعد أشهر قليلة تدارك الجميع مواقفهم وأحضروا بناتهم إلى المدارس مدارس البنات * أسهمتم في تأسيس كثير من مدارس البنات حبذا لو ألقيتم الضوء على تلك البدايات؟ - تلقيت خطاب سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- عام 1381ه باعتماد تعييني مندوباً لرئاسة تعليم البنات في شقراء، وكنت قبلها كاتباً لدى فضيلة الشيخ صالح بن غصون -رحمه الله- لمدة ثلاث سنوات؛ فلم يعارض انتقالي إلى الرئاسة كما أمر سماحة المفتي، واستعنت بالله وباشرت العمل.. وكانت المندوبية بشقراء من أوائل المندوبيات، وكان الأهالي يرحبون بذلك، ثم بعد مدة جاءني انتداب فتح عدة مندوبيات، فقد كنت أحد الأعضاء باللجنة التي تضم «عبدالعزيز العقيلي» والشيخ «رشيد الناصر الرشيد»، وفتحت مدارس كثيرة أذكر منها مدرستي الرس وحائل.. ثم تلقيت بعد ذلك برقية من الرئيس العام لتعليم البنات تنص على انتدابي إلى كل من جازان وصبياء وأبي عريش والقنفذة، فتوجهت إلى الرياض، وطلبت من سماحة الرئيس العام إعفائي من ذلك لظروف خاصة، فسمح لي، وعمد الشيخ إبراهيم الإبراهيم قاضي الطائف بافتتاح تلك المدارس. افتتاح المندوبيات * نلاحظ لأجل افتتاح مندوبيات البنات في المناطق أن تتوفر لديك ثلاث خطابات داعمة للعمل..لماذا? - من الطبيعي لإضفاء الشرعية على افتتاح المدارس بطريقة نظامية كان لابد أن تتوافر لدي خطاب من الأمارة وخطاب من المفتي وخطاب من هيئة الأمر بالمعروف, ماعدا إحدى المندوبيات القريبة من الرياض لم تقبل افتتاح المندوبية والمدارس بالرغم من هذه الخطابات وحدث فيها اعتراض من قبل أهل المدينة الذين رفضوا رفضاً قاطعاً، ولم يفلح معهم سوى تدخل الأمير فيصل بن عبدالعزيز -آنذاك- شخصياً عندما سن نظام أن تعليم البنات (اختيارياً وليس إلزامياً) وهكذا هدئت الأمور هناك. ليست مشكلتنا في «رفض الجديد» وإنما في «اختطاف العقول» التي قد ترتكب حماقات باسم الدين! تحدٍ مختلف * ما حكاية افتتاح إحدى المندوبيات في احدى المددن؟ - اعتمدني الرئيس العام عام 1383ه لافتتاح مدرسة البنات في احدى المدن، وتسلمت ثلاثة خطابات: خطاباً من سمو أمير منطقة الرياض لأمير البلدة، وخطاباً من سماحة المفتي لرئيس المحكمة، وخطاباً من الرئيس العام لرئيس الهيئة.. واستأجرت الرئاسة سيارة، وحملوا فيها أثاثاً كاملاً للمندوبية، وتوجهنا ظهراً، وبعد المغرب وصلنا حدود البلدة.. ويبدو أن السائق كان يعلم أن هناك معارضة بين الأهالي؛ فأشار عليّ أن نبيت وندخل صباحاً.. وفعلاً دخلنا بعد صلاة الفجر، وأفرغ العفش في بيت أحد مرافقي الأمير، وسافر حالاً.. وعند طلوع الشمس توجهت للأمير، وسلمته خطابه، وخطاب رئيس المحكمة، ورئيس الهيئة، ثم كتبت إعلانين: أحدهما لمن يرغب تسجيل ابنته، وذكرت أن العدد محدود.. والإعلان الثاني لمن يرغب في تأجير عقاره إذا كان يصلح للمدرسة.. وبعد دقائق من كتابة الإعلانين رجع مرافق الأمير قائلاً: انهم مزقوا الإعلانين، وبعد أن تداول الأهالي الآراء قرروا إرسال مندوب للرياض بمعروض لسماحة المفتي يطلبون عدم فتح مدرسة بالبلدة؛ فأجابهم سماحته بأنه ليس فيها ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأنه المشرف العام.. ومتى ما وجدتم خلاف ذلك تراجعوني، ولن يجبر أحد على إدخال ابنته.. وبعد ذلك رضوا، وتقدم كثير يطلبون تأجير بيوتهم.. وتم استئجاره بثلاثة آلاف وخمسمائة في السنة، ثم جاءتني برقية من الرئيس يستفسر عما تم؟.. فأجبته: إننا استأجرنا مقراً للمدرسة، وسيتم التسجيل رسمياً يوم السبت. تطورات مفاجئة * هل انتهى الأمر إلى هنا؟ - لا، ففي صباح يوم الجمعة جاءت سيارة مصندقة كالصالون «الجمس» وبها أربعة أشخاص توزعوا على عدة جوامع؛ فظننت أنهم أرسلوا من المفتي لتوضيح محاسن مدارس تعليم البنات ومزاياها، ولم أكن أعلم أنهم كانوا ضد ذلك؛ فسألت السائق، فقال: هؤلاء جاءوا من أجل المدارس، وبعد انتهاء صلاة الجمعة، إذا بأحد هؤلاء الأشخاص الذي كان يدرس آنذاك في السنة الثانية من كلية الشريعة يقف أمام المصلين بعد الصلاة وكان بليغاً؛ فاستهل خطبته قائلاً:(إخواني: والله ما عهدتم سعوداً ولا فيصلاً إلاّ على الكتاب والسنّة، وإن مدارس البنات بعيدة عنهما، وإنكم ستقولون في بلدي مدرستان، ولكن الذين يطلبون ذلك في بلدي كثير، والمعارضون قليل أما أنتم ولله الحمد فالذين يطلبونها قليل، والذين لا يرغبون فيها كثير؛ فاقضوا على الشر في مهده.. فتأثر المصلون مما قال حتى أنه قال: والله إن قضيتم على من جاء لفتحها فإنكم مجاهدون في سبيل الله فخشعوا، وتأثروا..). شاركت في تأسيس عدة مندوبيات وأنهينا «مهمة التنوير» بنجاح وكان على يميني رجل مُسن، وشمالي رجل مسن آخر؛ التفتوا يسألوني من هذا؟.. ولما كنت مهدداً حسب فتواه، أجبتهم: هذا رجل ناصح، والمرأة مكانها بيتها أفضل.. ومن ثم انصرفت مع أول المنصرفين، وأنا خائف بعد هذه الفتوى؛ لأن المشكلة ليست في «رفض الجديد» وهو تعليم الفتاة، وإنما في «اختطاف العقول» التي قد ترتكب حماقات باسم الدين. مسيرة خريجات جامعة الملك سعود للعلوم الصحية بالحرس الوطني «إرشيف الرياض» بعد ذلك وصلت بيت مرافق الأمير.. وبعد العصر حضر أهل الحسبة، وقالوا لي: أنت من أهل شقراء، وهم ناس طيبون، ولكنك جئت في مهمة لا تشرِّف فقلت لهم: اطمئنوا لن يتم فتحها حتى مراجعة ولي الأمر.. وفي المساء كان لديَّ أحد مستخدمي المعهد العلمي، كبير السن يتعتم معي، وقال: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك.. بعد ذلك رجعت ظهراً للأمير؛ فقال لي: إن بعض الأهالي اجتمعوا وأحضروا سيارات مملوءة بالبنزين، وطوَّقوا بيت المدرسة المؤجَّر للرئاسة، وإن المالك جاءني يستنجد ويطلب مني إلغاء العقد؛ فقلت: أنا ذاهب لبيت الخويا.. وحالاً جاء المالك يبكي، ويطلب إلغاء العقد؛ فقلت ليس من صلاحيتي فاكتب ما تريد؛ فكتب يطلب إلغاء العقد؛ فأبرقت للرئيس: إنه حضر مرشدون حثوا الأهالي ضد مدرسة البنات، ومندوبكم مهدد، وصاحب الدار مهدَّد فآمل نقلها لمن يرغبون فيها من البلدان الأخرى حتى يطلبوها.. وفعلاً أخذ الرئيس البرقية وذهب بها لسمو الأمير فيصل بصفته ولي العهد، وحوِّلت المعاملة لسمو أمير الرياض، فجاءت برقية من سمو أمير الرياض لأمير البلدة: نأسف لتمكينكم المرشدين فما أسماؤهم، وإلى أين اتجهوا؟.. اعتمدوا فتح المدرسة، ويكون الدخول اختيارياً لا إجبارياً.. ومن يعارض فيها أرسلوه مخفوراً.. فجئت للأمير بعد المغرب فوجدت عنده الكاتب؛ فقال لي: جاءتك برقية.. وكان بمجلسه معظم أهالي البلدة؛ فقلت: جاءتكم برقية، وفيها بركة. والآن انحلت من عنق الرئاسة إلى عنق الإمارة، وأنتم أبخص. اعتداء بالضرب * ماذا حصل بعد ذلك؟ - بعد العشاء رجعت إليه، ولديه الكاتب فقط، ولم يكن لديه آنذاك جنود ولا مرافقون سوى رجل كبير السن؛.. وقلت: أجلِّ البتَّ في فتحها، ويجاب سمو الأمير: إننا لن نستطيع فتحها إلاّ إذا زودنا بجنود ومرافقين أقوياء.. فأجاب: إن الذين تعرضوا للمدرسة يزازون ولا يلاقون.. قلت: أنت أبخص.. قال: ينبغي أن تحضر صباحاً.. فحضرت في الصباح؛ فاستدعى صاحب البيت؛ فلما جاء قال: سلم المفاتيح للمندوب لفتح المدرسة للتسجيل؛ فطلب إعطاءه أمراً خطياً.. قال: إجباري أو اختياري.. قال: إجباري بموجب برقية سمو أمير المنطقة.. فذهب واستنجد بالأهالي، وفعلاً حضروا؛ فامتلأت البرحة (الميدان الكبير، والحوش داخل الإمارة) وكنت جالساً جنب الأمير على الكنب لابساً مشلحاً، وما علمت إلاّ بمجموعة من الأهالي يقفون في باب المجلس، ظننت أنهم سيطلبون تأجيل فتح المدرسة: وإذا بهم يوجهون العتاب للأمير قائلين: يا أمير البلدة ستجعل عندنا خبية فساد؟ (وقد كانوا متأثرين بما سمعوه في الجامع بعد الصلاة)، ثم انقضوا عليه -رحمه الله- ضرباً حتى سقط من كرسيه مغمياً عليه؛ فظننت أنه ليس لهم عليَّ طريق، ثم أخذوا يضربوني من كل جهة في جسمي، ومزقوا ملابسي؛ فلما خرجت من المجلس وإذا الكاتب في المكتب، وشاهدت الميدان الخارجي مزدحماً؛ فاتجهت للغرفة، وأقفلت الباب بالمزاليج وسمعت الأصوات، وأخذوا يرموننا بكل ما يقع تحت أيديهم. الحسيني متحدثاً للزميلة نوال الراشد إقرار وتعهد! * كيف انجلت هذه المشكلة؟ - انتظرنا دقائق معلومة، ثم كلمتهم من النافذة، وقلت لهم: أليس منكم رجل رشيد؟.. أجابوا:»اقطع واخس يا عدو الله ورسوله.. يا «د...»، إلخ.. وبعد دقائق جاء شاب إليّ على النافذة، وقال لي بصوت خافت: احذر لا تخرج فإن الميدان فيه مؤامرة لقتلك.. قلت له: «سيكفيكهم الله وهو السميع العليم».. وبعد ذلك قلت: يا جماعة ما يحصل نرجع بالمدرسة، ونخبر الحكومة بعدم رغبتكم بها.. فصاح بعضهم لبعض: اتركوه اتركوه سيرجع بالمدرسة؟، مما يؤكد عدم وعيهم آنذاك، واتفقنا على التفاوض من خلال أربعة من كبارهم على أن أغادر البلدة مقابل إعطائهم العقود، وأن أرجع بأثاث المدرسة، وكتبت ما يريدون، وقلت أريد فقط أن أغادر، ثم ذهبنا إلى الشيخ لتصديق التعهد؛ فقال: ماذا تقول في هذا التعهد؟.. قلت: هؤلاء قوم أخيار (إرضاءً لهم).. اكتب ما يريدونه وزيادة.. فصدق على الإقرار، وأخذوه، وقالوا: يا الله اذهب.. وأحضرنا صاحب «ونيت»، وتوجهنا لبيت مرافق الأمير، وحملوا العفش رمياً في الحوض وأنا في الغمارة، ثم جاءني رئيس الهيئة، وقال: تريد توصينا على شيء.. قلت: أبداً سلامك..، ثم توجهنا إلى الرياض، فوصلناها الحادية عشرة ليلاً وكنا غادرنا البلدة ظهراً. تدخل رسمي * هل كان هناك تدخل رسمي لإنقاذ الموقف؟ - في الصباح ذهبت للرئيس ولم يكن عنده خبر عن أي شيء، فقلتُ له نجوت بقدرة قادر، وهذه السيارة فيها الأثاث، والأمير في بيته اعتدي عليه.. فأمر صاحب السيارة أن يذهب بالأثاث للرئاسة، وذهبت معه إلى سمو الأمير فيصل -رحمه الله- فوجدناه خارجاً من قصره لحضور جلسة لدى الملك سعود -رحمه الله- وتبعناه، ووجدنا الناس مزدحمين حوله؛ فقال الرئيس نطلع عند ابن سلطان وكيل الأمير.. ولما وصلنا مكتب الوكيل لم يكن عندهم علم بأي شيء مما حدث؛ فاتصلوا بمكتب سمو أمير المنطقة، فوجدوا أنه قد جاءته برقيتان من أمير البلدة، وبعد دقائٍق قالوا: جلس الأمير.. فذهبنا، وعند وصولنا قال سموه: أهذا مندوب البلدة؟.. قال الرئيس: نعم.. قال الأمير: ماذا حصل؟، فقلت له: لقد أشعركم أمير البلدة برقياً بما حصل.. قال: لكن ماذا تم؟.. فقلت له ما حصل بالضبط فقال لي: من الذين ضربوا الأمير، وضربوك؟.. فقلت: أنا جئت البلدة غريباً، وغادرتها غريباً لا أعرف الذين ضربونا، قال سموه: إن الأمير فيصلاً أمر بمائة جندي من الصاعقة ومعهم رئيس اخويانا العامري ترجع معهم.. قلت له: أعفني يا طويل العمر بعد ما رأيت ما رأيتُ، وحتى لا يفسر الموضوع بأنه انتصار لنفسي، وأنني جئت بقوة لذلك.. فابتسم سمو الأمير، وبنظرته الثاقبة قال: ما يكون إلاّ خير اذهبوا للأمير فيصل، ثم ذهبنا لسمو الأمير فيصل -رحمه الله- (وكان ذا فراسة عجيبة)، وقال: تذهب القوات، وتفتح المدرسة، ويكون الدخول اختيارياً لا إجبارياً.. تنقلات وظيفية * ماذا حصل بعد ذلك؟ - بعد ذلك عدت إلى مقر عملي بمندوبية تعليم البنات بشقراء التي تشرفت برئاستها وافتتاحها هناك، وهي أول مندوبية في شقراء وليس المملكة، ثم صدر بعد ذلك قرار الرئيس العام بتعييني مندوباً في الدمام، وباشرت وظيفة مفتش، وقمت بجولة على المناطق التابعة ومعي الأستاذ محمد الكنهل، وتجولنا في الأحساء والجبيل وسيهات والقطيف ورحيمة ودارين لمدة شهر ونصف، ورفعنا تقريراً باحتياجاتنا من المدارس للرئاسة.. ثم صدر قرار الرئيس العام بتعييني مساعداً لمدير التعليم بالدمام للشؤون الإدارية. بعد ذلك صدر قرار الرئيس بتعييني مديراً لتعليم البنات بمنطقة المدينةالمنورة عام 1385ه التي كانت تتبعها حينذاك ينبع جنوباً وتبوك شمالاً، ثم جاء انتدابي للجنة التعاقد العليا للسودان وسوريا والأردن، وذلك عام 1387ه، ثم استمريت بالعمل في المدينةالمنورة حتى عام 1395ه، وصدر قرار مجلس الوزراء بتعييني مديراً عاماً للتعليم بالمنطقة الشرقية بناء على توجيه الرئيس الذي جاء في نص التوصية أن «المكان المناسب للشخص المناسب»، وأن مدير تعليم البنات بالمدينةالمنورة عبدالله الحسيني من خيرة مديري التعليم؛ لذلك سافرت وباشرت العمل هناك. تفاوت المناطق *هل كل منطقة تختلف مفهومها عن تعليم البنات أم أن الجميع يعارض تعليمها? - نعم تختلف المناطق عن بعضها، وهناك من يعي بأهمية التعليم المرأة، وهناك من يرفض بتشدد، وهي في الواقع عقليات تتفاوت، وهذا ما لاحظته في مشواري الوظيفي في التعليم طوال 35 عاماً. المدارس النظامية * تعرفنا على مرحلة تأسيس المندوبيات، ولكن ماذا عن افتتاح مدارس البنات النظامية وتعيين المعلمات وإدراج المناهج الدراسية وتوحيد الزي للطالبات? - نعم افتتاح مدارس البنات يعني الانتقال من مرحلة الكتاتيب إلى مرحلة تعليمية رسمية بكل ماتعنية الكلمة؛ من استئجار المباني المناسبة وتحويلها إلى مدارس حكومية، والتعاقد مع معلمات من الدول العربية عن طريق الرئاسة العامة لتعليم البنات؛ ليتم تعينهن كمعلمات وتوزيعهن في المدارس ضمن شروط محددة يجب توافرها في المعلمه وأهمها ديانة المعلمة يجب أن تكون مسلمة. تسجيل الطالبات * كيف يتم تسجيل الطالبات في المدارس؛ هل تدخل ضمن شروط محددة? - تسجيل الطالبات في المدارس مفتوح للجميع، ويحق لكل طالبة أن تدرس حتى لو كانت فوق السن النظامي الستة سنوات لم نمنع قبول أي طالبة بسبب السن. * هل كان نقل وتوصيل الطالبات في ذلك الوقت ضمن أولويات الرئاسة في تخطي عقبات تعليم البنات? - نعم كان من ضمن أولوياتها توصيل الطالبات من منازلهن والى المدرسة، وبالعكس وتحضرني حادثة طريفة بهذه المناسبة، وهي أن إحدى المندوبيات طالبوا بوجود (حافلة لتوصيل الطالبات )، ولكن وضعوا مع الطلب شرط أساسي في تعيين السائق وهو أن يكون سائق الحافلة ( ضرير) أعمي حتى يأمنوا شره في أن لايرى بناتهم. وزارة التربية * افتتاح مندوبيات التعليم كانت مرحلة أولى لتعليم البنات بعد هذه السنوات.. كيف ترى اندماج (وزارة المعارف مع الرئاسة العامة لتعليم البنات) تحت مظلة وزارة التربية والتعليم؟ - اعتقد أنها مرحلة ثانية ومرحلة مفصلية في تاريخ تعليم البنات الذي حققت نتائجه في تعليم المرأة السعودية، والحمد لله الآن مراحل تعليم البنات لدينا وصلت إلى مستويات متقدمة بفضل الله ثم بدعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي وقف بقوة وراء كل الجهود، ووضع كافة الإمكانات وسخرها لصالح التعليم في المملكة بمراحله المختلفة. والحمد لله الآن تعليم البنات يواصل حصد الثمار، ويواصل توسعه عبر أنحاء وطننا الحبيب، و-إن شاء الله- سيواصل هذا البلد عطاءه في كافة الميادين مسترشدين بنهج ديننا الحنيف وسنّة نبينا الكريم وانتقال الطالبة من رحاب التعليم إلى سدة المناصب يعتبر من الانجازات، فمعالي الأستاذة «نوره الفايز» نائب وزير التربية والتعليم لتعليم البنات، ومعالي مديرة جامعة الأميرة نوره الأميرة الدكتورة الجوهرة بنت فهد وفي مجالات أخرى كحياة سندي ود. نورة الجميح ومنيرة الغصون وبناتي كلهن وغيرهن من القيادات النسائية السعودية اللاتي خدمن بلادهن ومجتمعهن، من خلال توليهن لمناصب قيادية أو حتى وظائف مختلفة في الوزارات، والتأكيد على أهمية رؤية الدولة تعليم البنات ودورها في المشاركة في خطط التنمية في بلادها. نوره السبيهين * من هي أول طالبة سجلتها؟ الطالبة نوره السبيهين أول طالبة يتم تسجيلها في مندوبية التعليم بشقراء، ولتسجيلها قصة تذكرها لنا الأستاذة نورة من خلال مشوارها التعليمي والوظيفي، وتقول:»بدأت التعليم من خلال التعليم النظامي للبنات في شقراء عام 1380ه، وكنت أول طالبة مسجلة على مستوى التعليم في شقراء، وذلك له قصة كنا نعيش في قرية تبعد عن شقراء عدة كيلوا مترات أسمها (القراين)؛ فكان لي أربعة أشقاء ذكور كانوا يذهبون إلى المدرسة، وكنت وقتها عمري خمسة أعوام فكنت أهرب من المنزل واذهب إلى أشقائي في المدرسة، وكانوا يخرجوني من المدرسة وكنت اتسائل لماذا يذهب أشقائي إلى المدرسة وأنا لا؟، وبعد أن انهوا أشقائي المرحلة الابتدائية انتقلنا من القراين إلى شقراء؛ وقتها سمع أشقائي عن النية في افتتاح مدرسة للبنات في شقراء، وان الأستاذ عبدالله الحسيني سوف يكون المسؤول عن المندوبية فيها؛ فذهب أخي إلى الحسيني وطلب منه تسجيلي كأول طالبة قبل ما يبدأ التعليم هناك، وكان يقول لشقيقي بعد استلامه للملف نريد أن نعرف ماذا ستصبح شقيقتك مستقبلاً؟. الجامعة الإسلامية * كيف انتقلتم من رئاسة البنات إلى الجامعة الإسلامية؟ - توجهت إلى المدينةالمنورة وكان سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - رئيساً للجامعة الإسلامية؛ فتقدمت إليه بطلب نقل عندهم في الجامعة فرحب وكتب حالاً للرئيس بطلب ملفي ونقل خدماتي على وظيفة مدير عام بالجامعة رقم (1) بنفس مرتبتي الحادية عشرة، وعارض الرئيس، ثم تم النقل، واستمررت في الجامعة عشر سنوات حتى 1405ه بعدها آثرت التقاعد بعد خدمة للوظيفة قرابة 34 عاماً قدمت خلالها عصارة جهدي، فتقدمت بطلب تقاعد مبكر، وكنت في المرتبة الحادية عشرة، حيث آثرت الراحة والتفرغ لأسرتي وأعمالي الخاصة.