وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مترو الرياض    إن لم تكن معي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبناء وأحفاد الفيصل يشكرون القيادة على تخليد ذكرى القائد العظيم
(الندوة) تواصل قراءة حياة الفيصل على لسان نجله الأمير تركي فيصل وعفت وضعا خطوط تعليم البنات العريضة خبرات عميد الدبلوماسيين صقلت شخصية سعود الفيصل

نواصل اليوم قراءة حياة الملك فيصل بن عبدالعزيز على لسان نجله الأمير تركي الذي تحمل أسئلتنا الكثيرة بكل رحابة صدر ولعل هذه الحلقة الرابعة ستكون آخر وقفاتنا الحوارية مع صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل إلا أننا سنستمد من حديثنا الطويل معه إضاءات نستنير بها في سيرتنا عن الفيصل التي سنواصل الغوص بين حنياها في قادم حلقات هذه السلسلة ..
ولعل وقفاتنا الحوارية مع الأمير تركي الفيصل ستتشعب اليوم إلى كثير من النقاط المهمة في حياة الفيصل بدءاً من فيصل الإنسان إلى فيصل الزوج ووصولاً إلى استشهاده فإلى التفاصيل :
| سمو الأمير لطالما ذكرنا اهتمام الملك فيصل بتعليم المرأة لابد لنا أن نذكر الدور الكبير والواضح الذي قامت به والدتكم سمو الأميرة عفت الثنيان في هذا الجانب فهل لنا أن تحدثونا عن إسهاماتها في تعليم المرأة ....؟
|| قبل أن نتحدث عن إسهامات الفقيدة رحمها الله الرائدة في تعليم المرأة ودعمها المتواصل لجهود الجمعيات الخيرية على مستوى المملكة دعني أوضح شيئا عن نسبها فقد كان لعمها الأمير احمد بن ثنيان وهو من أبناء العمومة رواية مشوقة مفادها أنه سليل عبدالله بن ثنيان الذي خلف عبدالله بن تركي بن ثنيان آل سعود الذي حكم الرياض عندما أسر المصريون الإمام فيصل وأخذوه إلى مصر فقام ابن عمه عبدالله بن ثنيان بإعلان حكمه في الرياض وبايعه على ذلك أهل الرياض في غياب الإمام فيصل ..
وبعد هروب الإمام فيصل من سجنه في مصر وعودته إلى الرياض أراد أن يسترجع حكمه فرفض عبدالله بن ثنيان ذلك لتنشب بينهم حرب ضروس انتصر فيها الإمام فيصل على عبدالله بن ثنيان وأودعه السجن حتى توفي خلف قضبانه وصادف في يوم وفاته أن أنجبت إحدى زوجاته ابناً له سمي باسمه عبدالله بن عبدالله بن ثنيان .. الذي ترعرع وشب في عهد الإمام فيصل بن تركي بالرياض وحين بلغ السابعة عشرة من عمره أراد أن يمارس التجارة فتوجه إلى الهند بغرض المتاجرة وعند وصوله إلى بومباي ألقى حاكمها الإنجليزي القبض عليه نظراً لورود اسمه في كشوفات القادمين إلى الهند من المطلوبين لدى الحكومة الإنجليزية ظناً منه أنه عبدالله بن ثنيان “ الأب “ المطلوب من قبل العثمانيين فتم التحفظ عليه وإرساله مخفوراً إلى اسطانبول فاستقبله السلطان وأحسن استقباله وأبقاه هناك ثم عينه في مجلس الأعيان وزوجه لينجب أبناءً وبناتاً في اسطانبول كان منهم أحمد بن ثنيان وأشقاؤه محمد سعود( والد الأميرة عفت ) وعبدالقادر وسليمان وعبدالرحمن والجوهران بن ثنيان ولما كبر أحمد بن ثنيان بدأت الصحافة التركية تتناقل أخبار الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي ذاع صيته في ذلك الحين فتراسل أحمد بن ثنيان مع الملك عبدالعزيز وبعث له خطاباً أخبره فيه أنه ابن عمه ومقيم في تركيا وعرض خدماته عليه راغباً بالعودة إلى الوطن ومساندة المؤسس وكان أحمد بن ثنيان بحكم ولادته ونشأته في تركيا قد تعلم اللغتين التركية والفرنسية فضلاً عن لغته العربية فاستدعاه الملك عبدالعزيز واعتبره مستشاراً له حتى عندما بدأت رحلات الملك فيصل الخارجية الأولى رافقه فيها أحمد بن ثنيان كمستشار ومترجم أيضاً وأخ أكبر له كونه متمرساً ومطلعاً على عادات وتقاليد وبرتوكولات الغرب فضلاً عن إلمامه بلغاتهم .
وعودة للحديث عن نسب الأميرة عفت فهي ابنة محمد سعود بن عبدالله بن عبدالله بن ثنيان آل سعود التي ولدت في عام 1336ه و تزوجها الملك فيصل بن عبدالعزيز حين قدمت إلى الحجاز مع والدها عام 1350ه وكان في تلك الفترة نائباً للملك في الحجاز ووزيراً للخارجية وأنجبت له سمو الأميرة سارة، وسمو الأمير محمد وسمو الأميرة لطيفة وسمو الأمير سعود وسمو الأمير عبدالرحمن وسمو الأمير بندر وسمو الأميرة لولوه وسمو الأميرة هيفاء ومحدثكم .
وقد أنجب محمد سعود بن عبدالله بن عبدالله بن ثنيان آل سعود الأميرة عفت في عام 1336ه وقد تزوجها الأمير فيصل بن عبدالعزيز حين قدمت إلى الحجاز عام 1350ه وكان في تلك الفترة نائباً للملك في الحجاز ووزيراً للخارجية وأنجبت له سمو الأميرة سارة، وسمو الأمير محمد وسمو الأميرة لطيفة وسمو الأمير سعود وسمو الأمير عبدالرحمن وسمو الأمير بندر وسمو الأمير تركي وسمو الأميرة لولوه وسمو الأميرة هيفاء.
واتخذت الوالدة رحمها الله مواقف عدة تسهم في خدمة المرأة فقد كانت تحل مشكلات بعض النساء في مجلسها المفتوح وتعين من يحتاج إلى العون وترفع إلى الملك فيصل بعض الأمور التي تحتاج إلى أن ينظر فيها.
| وماذا عن إسهامات الفيصل بن عبدالعزيز وعنايته واهتمامه بالفتاة السعودية وما هي النظرة التي كان رحمه الله يرى من خلالها المرأة السعودية والمستقبل الذي كان يأمله لها ؟
|| دعني أذكر لكما شيئاً مهماً عن الملك فيصل وكما سبق أن ذكرت فإن الفيصل فقد والدته في سن مبكر من عمره الأمر الذي أكسبه قدراً كبيراً من الحنان والاحترام تجاه المرأة كإنسانة طالما آمن بأنها هي الأم والمدرسة وكثيراً ما ردد بيتاً شعرياً لأمير الشعراء أحمد شوقي نصه :
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
وكذا كان تعامله مع الوالدة الأميرة عفت رحمها الله حيث كان يعتبرها شريكة حياته التي طالما استعان بآرائها في المجالس العائلية وكان يشجعها ويأخذ بمقترحاتها كثيرا.
أما فيما يخص الفتاة السعودية فأكبر دليل على تقديره واهتمامه بها يتجلى في عبارة خطت على لوحة علقت على بوابة المدرسة النموذجية الداخلية بالطائف للبنين والبنات حيث كان في تلك المدارس قسم خاص بتعليم الفتاة وكانت أخواتي وشقيقاتي الأميرة سارة والأميرة لطيفة ومعهن عدد من الطالبات من بنات العاملين والمرافقين للملك سعود يدرسن بذلك القسم النسائي وكانت تلك المدرسة بمثابة حلم للوالدة حققه الفيصل رحمهما الله نظراً لإيمانهما بضرورة تعليم البنات لينلن نفس القدر من التعليم الذي يناله البنين فأيد الفيصل الفكرة في وقت كان تعليم البنات في المملكة أمراً غير مرغوب فيه ، وأذكر استخدام الفيصل للأجهزة الأمنية في بعض المناطق لحماية المدارس والعاملين فيها من المعلمات وكذلك الطالبات من أي اعتداء أو تهديد يعترض سبيلهم ويعيق الحركة التعليمة في عهد الملك سعود عندما صدر قرار افتتاح مدارس خاصة بتعليم البنات كما أذكر أن بعض مشائخ وأعيان بعض المناطق والقرى ذهبوا إلى الملك فيصل مطالبين بإغلاق تلك المدارس الواقعة في مناطقهم فرد عليهم رحمه الله قائلا :
(أنتم لا تريدونها ولكن غيركم يريد أن يعلم بناته بها وأنا سأحمي أي بنت أو عائلة تريد أن تعلم ابنتها في تلك المدارس) وبعد عام حضر إليه نفس الذين طلبوا منه إغلاق تلك المدارس مطالبين بافتتاح مدارس أخرى للبنات حتى تطور تعليم البنات في المملكة وتم افتتاح كلية التربية للبنات ثم قامت جامعة الملك سعود بافتتاح قسم خاص للبنات وكذلك جامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة الملك عبدالعزيز إلى أن تطورت الحركة التعليمية وأصبح لدينا العديد من الكليات المتخصصة في تعليم البنات فكان الملك فيصل حريصاً على إعطاء المرأة حقها المشروع ليس في التعليم فقط بل كي تصبح هي مدرسة لذريتها.
| ذكرتم سمو الأمير في مستهل إجابتكم أن إنشاء المدرسة النموذجية كان بمثابة حلم للوالدة تحقق على يد الفيصل الذي أيد هذه الفكرة فهل لنا أن تحدثونا أكثر عن ذلك؟
|| بالتأكيد كان إنشاء تلك المدرسة حلم الوالدة الذي تحقق ويعود للملك فيصل رحمه الله الذي وافق على إنشاء المدرسة النموذجية في الطائف في أوائل الأربعينيات الميلادية والتي التحقت بها وأنا في سن الخامسة من عمري ودرست وتربيت بها وكذلك التحق بها جميع إخوتي وأخواتي إلى جانب آخرين من عامة الناس تلقوا فيها تعليماً نظامياً واذكر من المعلمات اللائي كن يتولين مهمات التدريس المعلمة (مفيدة الدباغ وسيسيل رشدي) والتي أصبحتا فيما بعد مديرتا لمدارس دار الحنان بجدة.
كما كان للأميرة عفت جهد بارز في تأسيس وافتتاح مدارس دار الحنان في جدة عام 1375ه والتي اقتصرت في بداية تأسيسها على تعليم البنات اليتيمات ثم بعد أن أراد بعض أهالي جدة تعليم بناتهم إذ إن التعليم النظامي لم يكن قد بدأ في تلك الفترة فقد ساد تعليم الكتاتيب للمرأة وبعض المدارس الأهلية التي لم تكن على مستوى متطور, وجاءت تلك المدرسة لتحدث نقلة نوعية في تعليم المرأة فوافقت الوالدة على ذلك بالتحاق بنات أخريات بهذه المدرسة من بنات عامة الناس متيقنة بسعادة الملك فيصل وسروره بذلك لتشجيعه لتعليم المرأة وأذكر أن اثنتين من أخواتي تخرجتا من تلك المدارس وهما الأميرتان هيفاء ولولوة
وبقدر ما حظيت نساء المجتمع باهتمامها فان ذلك لم يثنها عن الاهتمام بالمرأة وأسرتها الصغيرة فاعتنت عناية كبيرة بتربية أبنائها وأبناء الملك فيصل الآخرين ذكوراً واناثاً مركزة على غرس روح التواضع وحسن التعامل وطلب العلم في نفوسهم وقد أحضرت مدرسين خصوصيين لهم لتدريسهم اللغة العربية وعلوم الدين كما اعتنت بان يتحصلوا من خلال المدرسين على اللغة الانجليزية.
| هل يعني ذلك سمو الأمير أن تلك المدرسة التي أنشأتها الأميرة عفت هي النواة الحقيقية لتعليم الفتاة بالمملكة ؟
|| بالتأكيد أن تلك المدرسة التي تعتبر النواة الأولى لتعليم البنات كونها أسهمت في تخريج أجيال عديدة من الأمهات اللاتي تخرجن منها وهذا ما كانت تسعى إليه الأميرة عفت رحمها الله من اهتمام بالغ بتعليم المرأة وقد تحقق لها حلمها فكانت دار الحنان مدرسة متميزة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ولا تزال هذه المدارس قائمة اليوم تستقبل الطالبات من الحضانة إلى نهاية المرحلة الثانوية وقد كان في خطة الأميرة عفت رحمها الله عند تأسيس تلك المدرسة أن تستمر مراحل التعليم فيها إلى المرحلة الجامعية غير أن الظروف لم تساعدها في ذلك الوقت على تحقيق هذه الفكرة فقامت بفتح مركز للتدريب المهني وظلت فكرة التعليم الجامعي راسخة في داخلها حتى ظهرت من جديد في مشروع كلية عفت الأهلية في جدة.
| وماذا عن إسهامات الوالدة الأخرى في غير المجال التعليمي؟
|| لم تقتصر اهتمامات وإسهامات الوالدة الأميرة عفت رحمها الله على تعليم الفتاة فقط بل امتد عطاؤها إلى دعم الجمعيات الخيرية النسائية فقد كانت أول رئيسة فخرية للجمعيات الخيرية في جدة ثم رئيسة فخرية لجمعية النهضة النسائية في الرياض وكانت اجتماعات مؤسسات الجمعيتين تعقد في قصرها في فترة التخطيط والإنشاء بالإضافة إلى الكثير من الأعمال الخيرية التي كانت تحرص على فعله فقد كانت رحمها الله في حياتها رمزاً للعطاء الإنساني ودعماً لتعليم المرأة إلى أن لاقت وجه ربها في يوم الخميس الموافق 11ذو القعدة 1420ه عن عمر يناهز الرابعة والثمانين عاما.
| يشاع أن الملك فيصل اختلف مع الشيخ محمد نصيف رحمهما الله في إحدى جلسات مجلس الوزراء في أحد الآراء التي تمسك فيها نصيف برأيه بشدة الأمر الذي دفع بالفيصل إلى توبيخه وطرده ثم ما لبث الفيصل بعد علمه بصحة ما ذهب إليه نصيف أن طالب أعضاء المجلس بالتوجه بصحبته إلى منزل نصيف بصحبته للاعتذار له.. ترى ما صحة هذه الرواية ؟
|| بداية لم أسمع بهذه الرواية وأؤكد عدم صحتها لعدة أسباب منها أن الملك فيصل رحمه الله لم يكن من خلقه أن يعنف أحداً أو يوبخ أحداً أو يؤنب أحداً أو حتى يرفع صوته على أي شخص فما بالكما إذا كان الأمر منوطاً بالشيخ محمد حسين نصيف حليف والد الفيصل جلالة الملك عبدالعزيز رحمهم الله جميعاً الذي تسلم منه مفتاح جدة عند افتتاحها ونزل ببيته طيلة فترة اقامته بجدة خلال فترة الصيف لمدة تصل إلى اثني عشر عاماً وكذلك الملك سعود والملك فيصل رحمهم الله الأمر الذي أكسب الشيخ محمد نصيف صاحب الصفات الكريمة والأخلاق الفاضلة مكانة كبرى ومنزلة عظمى في قلب الملك فيصل رحمه الله حتى وفاته فلا يمكن أن يكون قد تعرض له بأي كلمة فيها مساس بخلقه وقدره ومكانته وهذا لا يلغي إيقان الفيصل رحمه الله فضيلة العدول عن الخطأ والعودة إلى جادة الصواب لكن ذلك لم يحدث مع الشيخ محمد نصيف بتاتاً الذي حرص الملك فيصل على الاحتفاظ ببيته ومكتبه باسم نصيف بعد انتقال ملكيتهما إلى الدولة التي اشترتهما في عهد الفيصل بعد وفاة الشيخ نصيف وظل حتى يومنا هذا بمسمى بيت نصيف.
ولعلنا نستذكر ما تضمنته كلمته بعد توليه مقاليد الحكم من مطالبته رحمه الله للمواطنين من عبارات وجمل تحمل مدلولات واضحة وصريحة في الجانب تطالب بتصويبه عند الخطأ ولعل هذا يعد أكبر دليل على إيمانه بفضيلة العدول عن الخطأ دون أي حرج أو مساس بقدره ومكانته رحمه الله .
| ذكر محمد حسنين هيكل في إحدى الحلقات التي يقدمها على قناة الجزيرة إن الملك فيصل قبل توليه مقاليد الحكم صارح الرئيس عبدالناصر أثناء زيارته له في المملكة بكل وضوح عن موقف عبدالناصر من تجييش الشعوب ضد قادتها وكذلك موقف آخر مشهود للملك فيصل مع هنري كيسنجر ، ترى ما صحة هاتين الروايتين ؟
|| في الواقع أنا شخصياً حين أسمع أي حديث منسوب إلى هيكل أرتاب من التعليق عليه فهو شخص لم يصدق في كثير من أقواله حول ما ينسبه إلى الآخرين ولكن في هذه الحالة فالأمر مختلف فكون الملك فيصل رحمه الله يصارح عبدالناصر بموقفه فهذا أمر غير مستغرب عن الفيصل المعروف بصراحته في تعامله مع رؤساء حكومات كل الدول الأخرى حتى وإن اختلف معهم وبهذا سهل عليهم كيفية التعامل معه.
ولنا في حادثته مع هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي أكبر شاهد على ذلك فجلالة الملك فيصل رحمه الله كان يعتبر السياسة هي الصدق في القول والفعل فكان يقول دائما ان الصراحة والصدق هما السبيل الوحيد لبلوغ الأهداف المطلوبة وليس بالدهاء والمكر والدسيسة والتآمر وغيرها من الصفات التي يتعامل بها بعض الساسة والدبلوماسيين اليوم وكان جميع الرؤساء والزعماء يدركون تماما أن الفيصل كان رجل مبادئ وليس رجل مصالح فلم يكن أبدا مسخرا مبادئه لخدمة أغراض أخرى ولم يكن يتاجر بهذه المبادئ أبدا وبالتالي استطاع الملك فيصل أن يكسب احترام الصديق والعدو.
وقد أكد تلك الحادثة كيسنجر نفسه في مذكراته وعندما طالب كيسنجر الملك فيصل برفع حظر البترول عن أمريكا رد عليه الفيصل أن هذا أمر مرتبط بشأن احتلال إسرائيل للأراضي العربية ولنا موقف آخر يؤكد صراحة الفيصل والمتمثل في صراحته مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عندما استقبله في البيت الأبيض عام 1391م وألقى كلمة ترحيبية استشهد فيها بحكمة الملك فيصل فرد عليه الفيصل في كلمته بصرامة وصراحة إن كان هناك شيء قد يؤثر على علاقة المملكة بأمريكا فهو أمر احتلال إسرائيل لأراضينا العربية وتشريد شعبنا ... الخ .
وبعد ذلك شرع الفيصل في تحذير وتنبيه أمريكا أن سياستها في الشرق الأوسط ستؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها ، وذكر أيضاً أن ما يخص البترول سوف يتأثر بهذه السياسة المنحازة إلى صف إسرائيل حتى أن الفيصل عندما اتخذ قرار حظر البترول كان قد سبق وأنذر أمريكا من قبل.
| هل كان ذلك القرار مخططاً له ومدروساً من قبل ؟
|| نعم بالتأكيد كل شيء كان يتخذه الفيصل كان مدروساً دراسة مستفيضة ولم تكن قراراته عشوائية أو ارتجالية ، حيث كان رحمه الله دائماً يحب أن يشاور ويسمع آراء الآخرين وقناعاتهم وبالتالي يزن كافة الأمور بصورة صحيحة وقرار حظر البترول وقطع إمدادات النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية صدر بتوافق تام وتنسيق كامل مع بعض الدول العربية الأخرى وهذا ما جعله يحقق المطالب المرجوة فقد طلب من والده الملك عبدالعزيز قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية لموقفها المنحاز مع إسرائيل وتقسيم فلسطين .
| سمو الأمير يقال إن الملك فيصل عقب ذلك القرار رفض أن يسافر إلى أمريكا فما صحة ذلك؟
|| صحيح فقد حلف الملك فيصل أن لا يزور الولايات المتحدة الأمريكية إلا بعد أن يتنحى الرئيس ترومان من رئاسة الولايات المتحدة وبالفعل لم يقم بزيارة الولايات المتحدة إلى أن استلم الرئيس ايزنهاور منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
| لماذا وقف الفيصل رحمه الله ضد فكرة تأميم الشركات الأجنبية ؟
|| كان رحمه الله ضد هذه الفكرة رغم مشروعيتها حيث فضل شراء أسهم تلك الشركات الأجنبية حتى لا ينتج خلافاً وصراعاً بسبب اتخاذ الرأي من جهة واحدة ولنا في الخلاف الذي نشأ بعد تأميم قناة السويس والعديد من الخلافات التي ولدت بعد تأميم العديد من الشركات في العديد من البلدان الأخرى خير مثال على بعد نظره رحمه الله لذا فضل رحمه الله إعطاء كل ذي حق حقه والسماح للشركات الأجنبية باسترجاع ما أنفقته من رأس مال على عمليات التنقيب واستخراج النفط وخلافه.
| لاشك أن الملك فيصل يعد عميد الدبلوماسيين عقب أن تبوأ منصب وزير الخارجية لمدة ربت على الأربعين عاماً ترى ما آثار هذا المنصب على حياة الفيصل رحمه الله؟
|| جميعنا نعلم أن جلالة المؤسس الملك عبدالعزيز كرم الفيصل رحمهما الله بوزارة الخارجية وهو في عمر لم يتجاوز الثلاثة عشر ربيعاً ورغم حداثة سنه ملأ رحمه الله هذا المنصب العظيم بكل جدارة واقتدار فكانت له إسهامات سجلها له التاريخ بمداد من ذهب هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فمنصب وزير الخارجية أوجب عليه كثرة السفر والترحال فكان ما يلبث أن يعود من مهمة إلا أن يلبي نداء الواجب من جديد ليسافر في مهمة أخرى فكنا نتلهف إلى عودته كي نستنير منه ونستفيد مما يرويه لنا وما يقصه علينا مرافقوه من شواهد عظيمة تؤكد سمو هذا الرجل العظيم والسياسي المحنك ولاشك أن هذا انعكس علينا جميعاً وخصوصاً سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل الذي شكلت وزارة الملك فيصل رحمه الله للخارجية أفضل صقل له وأكبر من تعلم منها.
| كيف تلقيتم نبأ استشهاد الملك فيصل رحمه الله وأين كنتم ؟
|| كان من المفترض أن أسافر إلى جدة في ذلك الثلاثاء الحزين منذ الصباح الباكر إلا أن الرغبة الإلهية دفعتني إلى تأجيل السفر لسويعات إضافية وفي تمام العاشرة والنصف صباحاً طرق أحد العاملين معي باب حجرتي حيث كنت أسكن في قصر الملك فيصل بالمعذر وأبلغني أن هناك أمراً غير عادي يحصل في الخارج وذهبت على الفور لمعرفة ماهية مايحدث فوجدت عدداً من أفراد الحرس الملكي والمدرعات تحيط بالقصر والبوابات وعند استفساري عن الأسباب اجابني أحد الضباط بأنه ليس لديه أي خلفية عن الأمر سوى أن أوامر وتعليمات صدرت عن القيادة بالاستعداد لأي طارئ وقبيل إنهائي لحديثي معه شاهدت سيارة تدخل من بوابة القصر بداخلها صاحبي السمو الأميرين بندر بن خالد وعبدالله بن خالد وبعض الخوية فبادروني بالسؤال ( ماذا يحدث .. ؟) فأجبتهم بأني لا أعلم ليجيبوني بأنهم سمعوا أن الملك فيصل نقل إلى مستشفى الشميسي وذهبت معهم على الفور وأذكر أن شارع الشميسي أخذ يمتلئ بالسيارات والمواطنين وعند وصولنا إلى بهو مستشفى الشميسي وجدناه بدأ يمتلئ بالضباط والجنود من الحرس الملكي الذين أحاطوا بالمستشفى ومداخله وكنت أهرول مسرعاً في اتجاه غرفة العمليات فوجدت أمامي الملك خالد والملك فهد رحمهما الله والأمير سلطان والأمير مساعد بن عبدالرحمن رحمه الله وعدد من أصحاب السمو الأمراء وبدون أي مقدمات سألت ( وينه ؟) فأشار الملك خالد رحمه الله بيده صوب حجرة العمليات التي دخلتها مسرعاً فوجدت جلالته ممدداً على الطاولة وبجانبه طبيبه الخاص وطاقم طبي مصاحب له كانوا قد تدخلوا محاولين إسعافه فسألت ( أهو حي أم ميت ؟) فرد طبيبه الخاص قائلاً : لقد توفي منذ ساعة فاقتربت منه وقبلت جبهته ثم خرجت من تلك الحجرة وبايعت الملك خالد والملك فهد قبل أن يصدر بيان البيعة .
| ألم تسأل من الذي فعل هذا ؟
|| في تلك اللحظة تتوقف الكلمات وتذرف الدمعات وتختنق العبرة في الأنفس فأحسست وكأن شيئاً مهماً قد قطع ونزع من جسدي غبناً وظلماً وقهراً وهذا الشعور ملك نفسي في تلك اللحظات العصيبة وألجم لساني ولن يمحى من ذاكرتي.
| ألم يكن هناك حراسة خاصة للفيصل؟
|| كان الفيصل رحمه الله يفضل السير والتنقل خلال الجولات والزيارات التي يقوم بها بدون أي حراسة لأنه كان مؤمناً بقضاء الله وقدره وإيمانه الأكيد بالله عز وجل انه إذا جاء اجله فليس هناك أي قوة تكون قادرة على رد القضاء على الرغم من أن الكثيرين كانوا ينصحونه بتشديد الحراسة على نفسه وبالذات أثناء تنقلاته إلا انه كان يمنع مثل ذلك .
في الختام نشكر لسموكم أريحيتكم تجاه أسئلتنا ووقتكم الثمين الذي منحتمونا إياه للحديث عن جلالة الملك فيصل العظيم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، فهل لسموكم من كلمة أخيرة تختمون بها هذا الحوار؟
بداية باسمي ونيابة عن أبناء وأحفاد الملك فيصل لابد أن أرفع أسمى آيات الشكر والعرفان والامتنان إلى مقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظهم الله لهذه الرعاية الكريمة والاهتمام البليغ لإبراز ما سطره قادة هذه البلاد من عطاء وانجازات وتخليدها فلهم مني جزيل الشكر والعرفان وكذا حال دارة الملك عبدالعزيز وإدارة متحف مركز الملك عبدالعزيز التاريخي الذين أرفع لهم الشكر والتقدير على جهودهم والشكر موصول لكل من وقف خلف هذه الندوة والمعرض كما لا يفوتني أن أشكر جريدة الندوة على تسليطها الضوء على إنجازات ومنجزات الفيصل رحمه الله والشكر موصول لكما شخصياً على العناء الذي تكبدتماه للوصول إلى الرياض وإجراء هذا الحوار فشكراً جزيلاً لكما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.