اعتماد المجتمع على الدراسات العلمية في اتخاذ قراراته أمر يجعل المجتمع يسيطر على الظواهر التي تعترض حياته وترسم شكل بيئته، ودليل على انحصار المزاجية، والعشوائية التي تسحب حركة المجتمع للخلف، والعقلانية صفة الفرد والمجتمع الذي يستدل ويستشهد بالإحصاءات والأرقام في محاججته وقراراته . هكذا كانت وقائع الملتقى العلمي الأول (نحو شراكة مجتمعية فاعلة في مواجهة العنف الأسري )الذي نظمته المديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة المدينةالمنورة بالتعاون مع جامعة طيبة ، وقد بدأ مدير جامعة طيبة فعاليات الملتقى بكلمة جاءت بإحصائيات مرعبة عن حجم العنف في بيوتنا، 45% من أطفال المملكة تعرضوا للعنف، وهذا يعني أن نصف أطفالنا بالمعنفين ، وبمعنى أكثر وضوحا نستطيع أن نقول وفقا للإحصاءات التي استشهد بها معالي مدير جامعة طيبة أن نصف أبناء القائمين على الملتقى تعرضوا للعنف بما فيهم أبناء معالي المدير، التصديق بحقيقة وعلمية هذه الإحصاءات لا يكون إلا بالتصديق على أن الأسرة التي لديها طفلان تعذب واحداً وتدلل واحداً. أو أن نصف الأولاد في المدرسة الواحدة معذبون ومجروحون، نسبة فلكية غير مقبولة بكل المقاييس، خارجة عن حدود أي تصور أو افتراض حتى في المجتمعات الهمجية، نعلم أننا لسنا مجتمعا مثاليا وتصل حدود القسوة لدى قليل من الناس بيننا إلى قتل الطفل وبراءته، ولكن تظل هذه الممارسات فردية ولا تصل بأي شكل من الأشكال لربع الربع من هذه الإحصائية الخرافية ،ولا يمكن أن تصل الى هذه النسبة إلا إذا اعتمدت على مقياس التصنيفات العالمية لجامعاتنا!! مصدر التشكيك بنسبة 45% هو الملاحظة المباشرة، هل نصف أبنائنا مشوهون أو محروقون أو محرومون، فلينظر كل منا الى منزله هل توجد به ممارسات عنف لأطفاله بهذه النسبة؟ أو أطفال جيرانه أو أقربائه! بل نفي هذه النسبة هو الصحيح، ولو ذكرت الإحصاءات أن 90% من أطفال المملكة مدللون لكانت أقرب للتصديق، وهنا وجب التحذير من مصداقية هذه الإحصاءات، لأن الناس من دون خلفية عن البحث العلمي تميل للقفز الى الاستنتاجات بفارغ الصبر، وتميل أيضا الى تصديق استنتاجات واحصاءات لا مبرر لها في البيانات الأساسية . وبملاحظة بسيطة، سوف يكتشف الأكاديميون القائمون على تنظيم الملتقى أنها نسبة خاطئة، وتسيء للمملكة من دون أسباب علمية وواقعية، وعلينا كمجتمع أن نتوقف بحسم عند الدراسات المضللة والمخادعة التي تصف ظواهر مجتمعاتنا بإحصاءات ونسب كاذبة، وخاصة أنها تحمل صفة العلمية التي تضمن لها الاستمرار والشيوع، وهنا نصل إلى سؤال مهم؛ من أجل أي شيء تم الاستشهاد بهذه النسبة المضللة؟