ينبغي اعتبار اتقاء الكوارث والتأهب لها بعدين أساسيين من أبعاد السياسة الإنمائية، والتخطيط الإنمائي، على الأصعدة الوطنية والدولية. وإن إيجاد وسائل إنذار مبكرة من الكوارث وشيكة الوقوع، ونشر المعلومات عنها... عوامل أساسية للنجاح في تجنب الكوارث أو الحد من تداعياتها. أعلن في الثاني من تشرين الأول أكتوبر 2010 عن مشروع لتأسيس منظومة دولية للرد السريع على الكوارث الطبيعية، جرت مناقشته من قبل ممثلين عن ثمانين دولة. وكان قد شُكل العام الماضي أول مركز أوروبي لمواجهة الكوارث الطبيعية. وذلك في مدينة نيش الصربية.ومن المقرر أن تلتحق بالمركز الجديد كل من إيطاليا وألمانيا واليونان وسويسرا، فضلاً عن روسيا. على صعيد أممي، تعتبر اتفاقية الأممالمتحدة بشأن التغير المناخي أساس التعاون في مواجهة الكوارث الطبيعية، إلا أن بروتوكول كيوتو لم يعد كافياً للشراكة الفعالة في هذا المضمار. ولذا صدرت دعوات لتوقيع اتفاقية جديدة. ويوجد حالياً برنامج تدريب على إدارة الكوارث الطبيعية، شرع به مؤخراً مكتب الأممالمتحدة لتنسيق عمليات الإغاثة. ويجري في السياق ذاته تشييد منظومة عالمية لتقديم الخدمات المناخية، بدءاً بإقامة فروع لها في مختلف دول العالم. وهذه أحد قرارات مؤتمر المناخ العالمي الأخير. ويتوقع أن يصبح بإمكان المنظومة الجديدة رسم خرائط مناخية مفصلة، تجري الاستفادة منها في بناء المساكن والطرقات، وصولاً إلى تشييد منشآت الطاقة وأنابيب النفط والغاز. وكان قد اُتخذ- منذ بضع سنوات- قرار أممي ببناء أنظمة للإنذار المبكر ضد الأمواج العاتية (التسونامي) في عدد من المدن الآسيوية المهددة. إلا أن كيفية وصول هذا الإنذار إلى جميع السكان، بما في ذلك سكان المدن الصغرى، لا زال غير واضح المعالم. وذلك في ضوء تردي البنى التحتية وغياب شبكات الاتصالات الفعالة. وفي العام 1994، توصل مؤتمر يوكوهاما لبحث الكوارث البيئية إلى نتيجة مفادها أن كل دولار يصرف على التنبؤات المتعلقة بالكوارث الطبيعية والصناعية يؤدي إلى توفير ما بين 10 إلى 100 دولار، كانت ستخصص لمكافحة آثار هذه الكوارث. وقد استخدمت منذ ذلك الحين "إستراتيجية يوكوهاما من أجل عالم أكثر أمنا: المبادئ التوجيهية لاتقاء الكوارث الطبيعية والتأهب لها وتخفيف حدتها"، وخطة عملها، كمخطط دولي في مجال الحد من الكوارث. وفي كانون الأول ديسمبر 1999، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث، لمتابعة إنجازات العقد الدولي بهذا الخصوص. وجزئياً، ترتبط المشكلة الأساسية، التي تؤدي إلى زيادة المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية،بتردي السياسات الإنمائية، ولا سيما الفقر.و حتى اليوم، لا تراعي الاستراتيجيات الدولية للحد من الفقر إمكانية التعرض للمخاطر الطبيعية. وعلى الرغم من ذلك، أجبرت الكوارث الطبيعية الحكومات المختلفة على رفع قدرة إدارة الأزمة، التي أصبحت جزءًا هاماً من قدرة الحكومة والقوة الوطنية الشاملة. وفي أحيان معينة، يتوقف النجاح في مواجهة الكوارث داخل الدول المختلفة على تضامن المجتمع الدولي. وفي السياق ذاته، أدت الكوارث الطبيعية المتلاحقة إلى حدوث تحولات في إستراتيجيات الأمن القومي لدول العالم، حيث بات على الجيوش الوطنية رفع قدراتها العملانية واللوجستية اللازمة للتصدي لهذه الكوارث.وقد أدخلت الولاياتالمتحدة، على سبيل المثال، تغير المناخ باعتباره أحد العناصر المؤثرة في خيارات الدفاع. وهو ما أوضحه البنتاغون في مراجعته الأخيرة، التي تصدر كل أربع سنوات. وفي المجمل، ينبغي اعتبار اتقاء الكوارث والتأهب لها بعدين أساسيين من أبعاد السياسة الإنمائية، والتخطيط الإنمائي، على الأصعدة الوطنية والدولية.وإن إيجاد وسائل إنذار مبكرة من الكوارث وشيكة الوقوع، ونشر المعلومات عنها بصورة فعالة، باستخدام وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية، بما في ذلك الإذاعة والتلفزة وشبكة الانترنت، تعد عوامل أساسية للنجاح في تجنب الكوارث أو الحد من تداعياتها. ووفقاً لتقارير دولية، فقد فقدت البشرية، خلال الفترة بين 1975 – 2005، نحو 2.3 مليون شخص نتيجة للكوارث الطبيعية.وبلغت كلفة الخسائر التي تحملها العالم جراء 21 كارثة طبيعية نحو عشرة مليارات دولار. وتُقدر الأممالمتحدة أن نسبة الاقتصادات العالمية المعرضة للخطر المباشر، نتيجة الفيضانات والزلازل، زادت بواقع الضعفين منذ العام 1990.وأن نسبة الأشخاص المعرضين لفقدان منازلهم وممتلكاتهم ارتفعت بنسبة 30%. كذلك، أصبح وضع الأمن العالمي أكثر تعقيداً وخطورة جراء الكوارث الطبيعية، التي ترمي في الوقت ذاته بتداعياتها بعيدة المدى على العلاقات الدولية. ومن بين أسباب مختلفة للكوارث الطبيعية، يتحكم التغير المناخي في درجات الحرارة ويتسبب في زيادتها، ويقود تالياً إلى حدوث هذه الكوارث، وانتشار الأمراض وسوء التغذية إلى صعيد عالمي. وحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن وقف ارتفاع حرارة الأرض سيكون عملية طويلة. ويتعين على البشر أن يكونوا على أهبة الاستعداد لتحمل هذه الحرارة. وخلال العام 2010، حدثت كوارث طبيعية مدمرة في أنحاء عدة من العالم، فقد هز هايتي زلزال بقوة 7.3 درجات في 12 كانون الثاني يناير الماضي، مما أدى إلى هدم عاصمتها بور أو برينس، ومقتل حوالي 300 ألف شخص. وفي 27 شباط فبراير ألحق زلزال بقوة 8.8 درجات خسائر فادحة بشيلي.وقدرت تداعياته المالية ب 30 مليار دولار. وفي يوم 14 نيسان أبريل، ضرب مقاطعة تشينغهاي الصينية زلزال بقوة 7.1 درجات، أسفر عن مقتل 2000 شخص. وفي صيف العام 2010، تسببت الفيضانات التي تعرضت لها باكستان في تشريد أكثر من 20 مليون شخص، وأودت بحياة الآلاف. وأغرقت خمس مساحة البلاد.وأصابت 3.5 ملايين طفل بأمراض مختلفة. وأصبح أكثر من مليوني شخص بلا عمل، كما دمرت مليوناً و226 ألف مسكن، وملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية. وفي نموذج آخر من الكوارث الطبيعية التي ضربت العالم السنة الماضية، أسفرت حرائق الغابات التي اجتاحت مناطق مختلفة في روسيا في الصيف الماضي عن تدمير حوالي 2500 منزل، وقتل العشرات. ومنذ بداية فترة الجفاف، في العام 2010، شهدت روسيا اندلاع أكثر من ثلاثين ألف بؤرة حريق، على مساحة إجمالية تزيد على مليون وخمسمائة ألف هكتار. وفي 22 آب أغسطس، حيث ذروة الصيف، كانت هناك 203 بؤر حريق لا تزال مشتعلة، على مساحة إجمالية قدرها 6391 ألف هكتار. إنها أيام قاسية في تاريخ البشرية، لا بد من الأخذ بالأسباب التي تحول دون تكرارها.وكحد أدنى، يجب أخذ الاستعدادات المسبقة لمواجهتها، على نحو يقلل من الخسائر المحتملة. ويجعلها في نطاق السيطرة.وهذه مسؤولية الأسرة الدولية، دولاً ومؤسسات.