هناك من لا يستطيع التمسك بآرائه، حيث تجده بعد فترة يتنازل عنها، وربما يناقضها، وهناك من يعاني صعوبة التعبير عن عدم رضاه عن الآخرين؛ لأنه يرى أن عدم الاتفاق معهم هو مغامرة؛ لذلك تجده دائماً يوافق بشدة على كل شيء، لأنهم يخافون من فقدانهم للآخرين. في هذا التحقيق نتناول موضوعاً مختلفاً عن "سلبية التفكير" رصدنا فيه تجارب البعض، وتعليقاتهم، ومقترحات إحدى المختصات. هذيان فقط تقول "نجلاء حمد": كانت لدي صديقة بهذه السلبية في التفكير، وبحكم تجربتها سألتها: هل أتحدث إلى خطيبي بالهاتف؟، فأثنت على رأيي ونصحتني بذلك، مضيفةً أنه بعد فترة جاءت إحدى الصديقات ونحن نتناقش في الموضوع نفسه ونصحتني بعدم محادثته لكي لا نمل من بعضنا قبل الزواج، وسرعان ما تغير رأي صديقتي الأولى وأيدت رأي صديقتنا الجديدة. وتؤكد "سلوى البلوي": أنها لا تحب أن تخالف أحداً، بل إنها لا تفضل أن تتسيد المجلس في الحديث أو المشاركة في الآراء، ولكن من يسألها عن رأيها تثني عليه دون نقاش، لافتةً إلى أنها في حال مخالفتها لهم، فإنها ستزرع حاجزاً بينها وبينهم. عمليات عقلية معرفية وتذكر"د. بتول الحلو" استشارية علم النفس العيادي، ان التفكير مفهوم افتراضي يشير إلى عملية داخلية تؤدي إلى نشاط ذهني معرفي تفاعلي انتقائي قصدي موجه نحو مسألة ما، أو اتخاذ قرار معين، أو إشباع رغبة ما، مؤكدةً أنه يتطور تبعاً لظروف البيئة المحيطة بالفرد. وقالت: إن التفكير السلبي هو الحركة المستمرة للفكرة السلبية والمشاعر السلبية، بسبب الوصلات العصبية المنشأة ما بين فكرة سلبية - إلى مشاعر سلبية، ثم فكرة سلبية - إلى مشاعر سلبية.. دون توقف، مصاحبةً بالتشاؤم في رؤية الأشياء، والمبالغة في تقييم الظروف والمواقف، وعدم التفاؤل وعدم النظر إلى الجمال في كل شيء، بالإضافة إلى الوهم وتوقع الشر، مضيفةً أنه عندما يستسلم الفرد للتفكير السلبي، فإنه يصاب بمرارة، وانشغال ذهني بأفكار قد تدفعه إلى الإحساس السلبي الذي يقوده إلى القلق والإحباط والحزن والألم، بالإضافة إلى الشك والغضب والخوف، ثم إلى قنوات تفكير سالبة أكثر عمقاً، وكل هذا يكون بدافع إثبات صدق السلوك السلبي، مشيرةً إلى أن الأفكار السلبية تجتاحنا بسبب مواقف قد تحدث لنا في العمل وفي البيت وفي المدرسة، وتتزايد قوتها عندما لا نكون على ثقة تامة بأنفسنا، أو حين نكون مترددين ومهيئين للتفاعل مع كل انفعال وجداني، ولأن الفرد لا يدري مصدر الأفكار السلبية، فإنه لا يفتأ أن يتعامل معها على أنها حقيقة واضحة ولذلك تأتي آثارها أعنف مما يجب. استراتيجيات دقيقة وتشير "د.بتول" إلى أنه قبل أن نحدد أسباب التفكير السلبي، لابد أن نبحث في العلاقة بين التفكير السالب وعدم الثقة بالنفس وضعف توافق الذات، فكلما كان الإنسان غير متوافق مع ذاته وثقته بنفسه مضطربة ومهزوزة، كان علامة للتردد والانسياق خلف الانفعالات والأفكار والعواطف التي تبعده عن السلوك السوي، مشيرةً إلى أن من أهم أسباب التفكير السلبي، هو تجاهل الفرد لمواطن القوة والتميز لديه والخنوع للانتقادات والتهكم، والتركيز على مناطق الضعف لديه ومن ثم تضخيمها حتى تصبح شغله الشاغل، بالإضافة إلى إقحام الأفكار السيئة في الحياة المستقبلية، وضعف الثقة بالنفس ومصادقة أصدقاء تفكيرهم سلبي، إلى جانب المواقف السلبية المتربية لدى الفرد من صغره، والانسياق السريع خلف المؤثرات والانفعالات الوجدانية والعاطفية مثل الخوف والقلق والتردد. صعوبة صنع القرار وعن أعراض التفكير السلبي ذكرت "د. بتول" أن من الأعراض الأساسية للتفكير السلبي لدى الأفراد: هو صعوبة في المبادرة لعمل الأشياء، لأنهم يفتقدون الثقة بالنفس ويؤمنون بأهمية مساعدة الآخرين لهم للاستمرار في مهامهم، لأنهم دائماً يظهرون أنفسهم بأنهم غير فاهمين وغير قادرين على إتمام المهام، وصعوبة صنع القرار، أي الحاجة الماسة للنصح والدعم قبل صنع أبسط القرارات مثل عدم القدرة على اختيار الملابس التي يجب أن يرتديها في مناسبة ما، والحاجة إلى الآخرين لوضع المسئوليات لهم: لأنهم يرون عدم القدرة والفعالية في أنفسهم، وهؤلاء هم الذين يعتمدون على آبائهم في اتخاذ القرارات الكبيرة مثل اختيار دراستهم ووظيفتهم وشريكته الزوجية ومكان سكنهم وحتى أصدقائهم، ومن الأعراض أيضاً صعوبة في التعبير عن عدم رضاهم عن الآخرين. نظرة تشاؤمية وقالت "د. بتول الحلو": إنه يمكننا التعرف على الإنسان السلبي التفكير من سلوك الاعتماد الشديد على الغير، والنظرة التشاؤمية، إلى جانب الشكوى والاعتراض الدائم والعتاب والنقد الهدام، والانتقام والعدوان، وفي كثير من الأحيان لا يستطيع أن ينفذ ما يريد، وكل هذه السلوكيات لها تأثير واضح في حديثه وآرائه، كذلك عدم الالتزام والانضباط في حياته، وضعف الفعالية في كافة مجالات الحياة، حيث لا يرى للنجاح معنى، بل الفشل هو ملاذه ومن ثم السكون والسلبية، بالإضافة إلى اللجوء إلى الحجج الواهية والأعذار الخادعة بشكل مقصود، وعند النقاش يلجأ إلى الانحياز لذاته ولمصالحه في توتر وعصبية، والبحث عن الدعم الزائد من الآخرين، فهو يلجأ إلى سلوكيات وتضحيات غير مقبولة إذا رأى أن سلوكه هذا سوف يجلب له الاستحسان والدعم الفائق، مضيفةً أنه يمكن التعرف على الإنسان السلبي التفكير أيضاً بالشعور بالعجز عند الوحدة، ونتيجة للوحدة يصاب بالقلق والتوتر، ويجد نفسه مرغماً على التعامل مع الأفراد غير المرغوب فيهم، والإسراع في خلق علاقات جديدة، بعد فشله في العلاقات العاطفية، أو الزوجية السابقة، من أجل دعم مستمر، مشيرةً إلى أنه يمكن علاج الفرد ذي التفكير السلبي بتحسين ثقته بنفسه، مع قهر مخاوفه وتخليصه من الإحباط عن طريق تقنية الاسترخاء، بالإضافة إلى اكتساب الايجابية بمخالطة الأشخاص الايجابيين، والبعد عن الانطواء على الذات والعزلة والوهم.