في المساجلات الشعرية يحرص الشاعر الثاني على أن تكون قصيدته –في أسوأ حالاتها- مُقاربةً لمستوى قصيدة الشاعر الأول أو البادئ بالنظم، أو أن تتفوّق عليها من حيث جودة السبك وجزالة المعنى مع مراعاة الالتزام بنفس الوزن والقافية، وهذه المهمة مهمة شاقة تكاد تبلغ مشقة الشاعر في ميدان المحاورة، حيث يكون مُطالباً بالرد على بيت الشاعر الأول ونقض معناه على نفس الوزن والقافية خلال فترة زمنية محدودة جداً. وعندما تأتي مُجاراة الشاعر تابعة لمجاريات أكثر من شاعر فإن مهمته ستكون أصعب وأكثر مشقة بلا أدنى شك، إذ تكون الخيارات أمامه قليلة مُقارنة بمن سبقوه في النظم، ونجد في المُساجلات الشعرية اعترافاً صريحاً من بعض الشعراء المبدعين بوجود هذه الصعوبة، يقول الشاعر الحميدي الحربي في قصيدة يرد فيها على الشاعر عبدالله السياري، وكان عبدالرحمن بن عبدالله السلوم قد سبقه في الرد عليها: سبقتوني على المعنى القفر كله، وأنا تمّيت مشتت ذهن حاير بين مخراجه ومدخاله وسقت القاف معكم واعذروني كان ماجاريت أنا حزني إلى جهّى غشينه .. خيّل خياله فالشاعر يُشير هنا إلى صعوبة المجاراة أو انتفاء عملية الاختيار أمامه حينما يكون مسبوقاً إلى (المعنى القفر)؛ وعندما تكون القافية غير مطروقة أو تحمل بعض الصعوبة فإن الشاعر سيجد بعض العناء في النظم عليها، يقول الشاعر مشعل بن فالح الذيابي في قصيدة رائعة يرد فيها على قصيدة لمبارك بن محيا الدوسري: يا بن محيا شلعت القلب لا فض فوك لو كان قافك منافذ حيلتي لكّها أكلت لحم الذبيحة ما تحريت أخوك وبقيت جرد العظام وقلت لي: مكّها لكنّ مما تيسر شلت قافي ودوك أبيات غض النظر، لو بان لك عكّها ويواصل الذيابي بعد هذه الأبيات قصيدته دون أن يتبيّن للناقد أي (عك) أو ضعف، رغم صعوبة القافية واستهلاك الشاعر الأول للعديد من المفردات والمعاني، فالشاعر المُبدع قادر –شعرياً- على أن يكسو (العظام) لحما، وقادر على الابتكار وفتح (منافذ) جديدة للإبداع. وكذلك يصور الشاعر مانع بن شلحاط علمية السبق إلى المعاني بين الشعراء في المساجلة الشعرية تصويراً جميلاً، فيقول في مُجاراته لقصيدة الشاعر الكبير رشيد الزلامي التي سبقه لمجاراتها كل من: عبدالرحمن بن بديّع ومحمد بن الذيب وسلطان الهاجري: كلٍ لقرصه حاش جمره بملقاط ما ظل لي ما يشعل أعواد ليفه شاعر ولي منهج ومبدا ومقلاط ونفسي لجمهوري خضوعٍ وليفه فعملية السبق إلى المعاني الجديدة والمبتكرة والتقاطها تُشبه كما يصورها ابن شلحاط هنا- عملية التقاط (الجمر) المتوهج، فهي تساعد على إنضاج الرغيف أو (قرص الخبز) وإجادته بسرعة،كما تساعد عملية اقتناص أو انتقاء المعاني والقوافي المتميزة على نضوج (القصيدة) ونجاح تلقيها لدى الجمهور..!