أحدثت التطورات الأخيرة في تقنية المعلومات قفزة نوعية في مجال تطوير العمل وزيادة الإنتاجية التي تؤدي بدورها إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، ولذا نجد أن الثورة التي يمر بها العالم حاليا في مجال تقنية المعلومات والاتصالات أنتجت ما يسمى بالحكومة الكترونية (الافتراضية) كبديل للحكومة التقليدية. يقصد بالحكومة الكترونية تأدية الأعمال الحكومية بطريقة تستخدم فيها الانترنت لانجاز المعاملات الحكومية من خلال الحضور ألا مكاني وألا زماني، مما يسهل في تقديم الخدمات لأماكن قد لا تتوفر فيها إدارات حكومية ويحقق الكفاءة في الأداء وخفض التكلفة مما يجعلها وسيلة فعالة لبناء اقتصاد معلوماتي. إن التطور السريع في تقنية المعلومات عامل مهم في تحقيق التفوق الحضاري للدولة العصرية من خلال الحكومة الكترونية التي تمكن المواطنين والشركات من انجاز شؤونهم والحصول على المعلومات بكل يسر وسهولة. إن هناك عدة أسباب تدعو المجتمع الحديث بما في ذلك المجتمع السعودي للتحول من حكومة تقليدية إلى حكومة الكترونية يأتي في طليعتها التقدم التقني والثورة المعرفية، والحاجة إلى تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد، مع ضرورة الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية بفاعلية. إن قيام الحكومة الالكترونية يستلزم توفر العديد من المتطلبات والتي منها؛ وضع الاستراتيجيات وخطط التأسيس اللازمة وبنية تحتية معلوماتية تضمن حدا أدنى من الأمن المعلوماتي وخصوصية للمستفيدين. ولكي يتم تنفيذ الحكومة الالكترونية يجب أن تمر بأربع مراحل وهي مرحلة الإعلان عن نفسها بالتواجد وإعطاء المعلومات لمن يحتاجها، ومرحلة التفاعل بين المواطن والجهة الحكومية المعنية، ومرحلة تبادل المنافع من خلال تنفيذ المعاملات بالانترنت، ومرحلة التكامل وهي مرحلة الذروة التي تجمع المراحل السابقة. إن مشروع الحكومة الالكترونية ليس أمرا سهلا بل قد تجابهه العديد من المعوقات التطبيقية. فبالإضافة إلى المعوقات المالية، فإن هناك معوقات إدارية مثل غياب الرؤية الواضحة لمشروع الحكومة الالكترونية ومقاومة العاملين للتغيير، ومعوقات تقنية تتمثل في صعوبة توطين البنية المعلوماتية وقلة الخبرة. بالرغم من ذلك فإن تكاتف جهود القطاعات الحكومية والخاصة يساهم في الحصول على ايجابيات الحكومة الالكترونية التي منها: الايجابيات الادارية من خلال تسهيل الحصول على المعلومات والسرعة في انجاز المعاملات، والايجابيات الاقتصادية من خلال تحسين قدرة الاقتصاد التنافسية، والايجابيات الاجتماعية من خلال تحقيق المساواة بين فئات المجتمع في الحصول على الخدمات وكذلك تيسير معاملات المرأة بخصوصية تامة. لقد أولت حكومة المملكة اهتماما بالغا بتنمية الوعي الحاسوبي في المجتمع فلقد بدأ إدخال الانترنت منذ عام 1417ه، وأصبح المجتمع السعودي يتطلع لان يصبح مجتمعا حاسوبيا متفاعلا مع تطورات العصر خصوصا في نطاق الفئات المتعلمة التي تمثل الشريحة الكبرى من السكان. إن البنية التحتية المتوفرة في المملكة قادرة على إنجاح التحول الحالي للحكومة الالكترونية، فبالإضافة إلى ارتفاع معدلات استخدام الحاسب الآلي في أعمال المؤسسات العامة والخاصة، فان انتشار التعليم، وتوفر الدعم السياسي والمالي تعتبر من العوامل المهمة لكفاءة الحكومة الالكترونية. لقد تم إنشاء برنامج التعاملات الحكومية الالكترونية (يسر)، الذي يقصد به الاستخدام التكاملي الفعال لتقنية المعلومات والاتصالات، بهدف تسهيل التعاملات داخل الجهات الحكومية أو ربطها بالأفراد أو قطاع الأعمال. يعد هذا البرنامج من المشاريع التطويرية التي تبنتها الدولة، بهدف رفع إنتاجية وكفاءة القطاع العام وتقديم الخدمات الحكومية بشكل أفضل مع توفير المعلومات بالوقت والدقة المناسبة. على الرغم من تعدد متطلبات الحكومة الالكترونية، إلا أن حكومة المملكة استطاعت التعامل بجدية معها، حيث عملت على إحداث تغيرات هيكلية في أداء بعض الأجهزة الادارية، وتوفير بنية تحتية جيدة للاتصالات والمعلومات، مما جعلها تمتلك بيئة مناسبة للأعمال الالكترونية بالمقارنة مع العديد من الدول الأخرى واصبح ترتيب المملكة هو 70 من حيث جاهزية التعاملات الالكترونية الحكومية. إن هذا الدعم يتمثل أيضا في مبادرات مفيدة مثل تمكين مليون عائلة سعودية من الحصول على حواسب آلية بطريقة ميسرة من اجل رفع نسبة الكوادر البشرية المدربة، ونشر استخدام الحكومة الالكترونية في المجتمع السعودي. والخلاصة هي أن الحكومة الإلكترونية في وضعها الحالي لم تصل بعد إلى صيغة المنظومة الكاملة ومازالت تحتاج إلى مزيد من التطوير في كثير من جوانبها، كونها منظومة معقدة ومتشابكة وتحتاج لدراسات واعية لكافة عناصرها قبل التحول الكامل لإتمام جميع الخدمات. وبالرغم من هذه التحديات إلا أن المملكة استطاعت (مع حداثة تجربتها) في أن تحتل خلال سنوات قليلة مركز متقدم نسبيا على مستوى العالم، وهذا نتيجة للدعم السياسي والدعم المادي المقدمين من القيادة في المملكة العربية السعودية. * (قسم الاقتصاد - جامعة الملك سعود)