كمن يرسم ملامح الهواء بدقة شجرة تنمو، ورقة كمنجة تناجي الليل بفيض أنوثتها، وعصف قلب يحترق منتشيا بالهواء، وخفة عصفور يرقص مذبوحا من وجع الاعتراف الأول أو البوح الأخير، يبدو حسين الجفال وهو يكتب قصصه التي لا تصدق أنها بدأت حتى تكتشف أنها انتهت بذات الدقة والرقة والعصف ورائحة القلب المحترق على جمر الإبداع وهوامش الموسيقى والخطوات الراقصة ألماً. يتماهى حسين الجفال مع نصه إلى درجة الاندغام، فيشفُّ النص القصصي عن ذات الشاعر في حين تعبر تلك الذات إلى مفردات ذلك القص برشاقة وأناقة وانبهار بالتفاصيل الموحية والمنمنمات الخزفية من دون أن ينسى وضع ذلك كله في إطار موسيقي حركي يبعث في شخصياته حياة إضافية مشتهاة. والجفال بارع جدا في قراءة قصصه ، كما يعرف كل من استمع اليه وهو يقرأها أو يقرأ غيرها ، حيث يبدو وهو يتلو ما يتيسر منها كمن يغمز من قناة المفردات بفيض المحبة، والكثير من العفوية التي لا تفقد الكتابة حرفيتها بقدر ما تضفي عليها ما يساعد المتلقي على العيش في خضم الدهشة. حسين الجفال.. قاص تأخر كثيرا في الإعلان عن "رغبته"، أو مجموعته القصصية الأولى والتي صدرت مؤخرا بعنوان "رغبة"، لكنها لم تأت متأخرة، بل جاءت في زمنها لتكون "الرغبة" مضاعفة.. ولعل هذا يكفي. ..هنا ثلاثة ملامح من تلك الرغبة في شكلها القصصي الموجز كبلاغة مشتهاة للنص: انطفاءة: كان فيما مضى يردد: أ ب ت ث، خرج الولد ولم يعد، في اليوم التالي قال المعلم: أ ب ت ث، لم يسمع أي همس، أغلق بابه منتظراً الغروب... زوبعة: يصافح الغيم، ثم يعانق المطر، يكتب سطراً ويمسح آخر، يضع القلم جانبا ويده تتحسس ذقنه، يعاود الكتابة... يأخذ نفساً عميقاً ثم يغني، هكذا ساعة من الزمن، يكتب ويشطب، في نهاية المطاف يطلق ورقته للريح ويشرع في مشاكسة فتاة جميلة مرت بالجوار. قوس قزح: كنت في الخامسة عشر أول ما وطأت أرض مصر، عيني تتنقل في كل الجهات، أبحث عن سعاد حسني وشمس البارودي، يدق قلبي بقوة كلما تساءلت: ماذا أفعل لو وقف عبد الحليم أمامي؟ تنتهي إجازة أثر أخرى، غاب حليم وسعاد، كبرتُ أنا وتغيرت أحلامي، حتى شمس لم تعد تعنيني، الوحيد الذي تبقى أغنياتُ حليم وقلبي الذي مازال يركض...