يوجد نحو 200 دولة في العالم ولكن يبدو أن هناك دولتين فقط تضفيان قدسية لعاصمتيهما وهما إسرائيل وفلسطين (لا تزال دولة غير معترف بها على الرغم من أن التوجه العام يشير الى قيامها). ربما ثلاثة، إذا احتسبنا الفاتيكان كدولة. معظم الدول اختارت عواصمها لاعتبارات مختلفة كالتقاليد، التاريخ، الثقافة، الجغرافيا، السياسة والراحة. العواصم تشكل مكان إقامة الحكومة، البرلمان، المحكمة العليا، مؤسسات الإدارة العامة. وبعض العواصم تعتبر المدن الأولى أو المركز الاقتصادي والثقافي الأهم للدولة. هناك دول نقلت عواصمها (ألمانيا من بون الى برلين، تركيا من اسطنبول الى أنقرة)، أو بنت مدنا جديدة كعواصم (البرازيل وكازاخستان). وفي معظم العواصم توجد رموز دينية مثل الكاتدرائيات، المساجد، الهياكل ولكن ليس بسببها اختيرت كعواصم. ونستنتج من هذا كله أن المفاهيم التي تضفي على أي مدينة صفة المقدس، أخرجت في معظم دول العالم من المعادلة السياسية التي تقود وتصمم الحياة اليومية. ولعله من الأفضل أن تلتفت إسرائيل وفلسطين لمثل هذه الخطوة. لقد شكلت القدس دوما عائقا أمام التسوية. الآن، عندما انبلج شعاع دقيق من الأمل في التسوية، تحولت القدس بشكل أكثر من قبل الى مشكلة؛ فالفلسطينيون مستعدون للاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل شريطة أن تكون أيضاً عاصمتهم. إسرائيل ترفض الاعتراف بحقهم هذا. الزعماء في الطرفين، وليس فقط رجال الدين بل بالذات السياسيين العلمانيين يرون في القدس ليس فقط "عاصمتهم الخالدة" بل يولون قدسية لحجارتها، لبيوتها ورموزها. من الصعب أن نفهم كيف يمكن لشعبين في العصر الحديث أن يكونا مستعدين للقتال من أجل رموز دينية، ناهيك عن أن هذه "القدسية" تمنع كل فرصة من تحقيق التسوية. إذا لم ينجح الإسرائيليون والفلسطينيون، كما هو متوقع، للوصول الى تفاهم حول القدس فلعله من الأفضل أن يتفقوا مسبقا على الخطوة التالية، وهي أن تعلن إسرائيل أنها ستنقل عاصمتها الى مدينة أخرى ولو مؤقتاً. وليس بالضرورة أن يكون هذا النقل عمليا، وهو الذي ينطوي على تبذير مالي بل مجرد بادرة طيبة رمزية كاستقبال رؤساء الدول، وعقد جلسات الحكومة والكنيست في مدينة أخرى. وبالمقابل، يوافق الفلسطينيون على عدم الإعلان عن القدس كعاصمة لهم ويكتفون برام الله، بنابلس أو بأي مكان آخر. ويجب أن يستمر التأجيل الى أن تشفى الجراح وتنطفئ المشاعر المتأججة التي يلهبها مجرد ذكر اسم القدس. هل بذلك تكون تخلت إسرائيل عن الصلة بين اليهود والقدس؟ بالتأكيد لا. الصلة الدينية، التاريخية والمشاعر ستستمر، مثلما لم تطمسها 2000 عام من النفي. وهل بذلك يتخلى الطرفان عن حقهما التاريخيين في سيادتهما على المدينة؟ بالطبع لا. الفكرة ليست بعيدة الأثر وتآمرية كما تبدو سطحيا. في الماضي طرحت أفكار لتدويل القدس أو على الأقل "الحوض المقدس". التأجيل الرمزي سيحيّد النزاع الدموي عن أساسه الديني. ولمن يهتم ستبقى كل أسباب النزاع الإقليمية، الاقتصادية، السياسية، الأمنية والثقافية. إن 42 سنة من الحكم الإسرائيلي في المدينة الموحدة لم يكن في صالح المدينة. فقد أصبحت إحدى المدن الفقيرة والضعيفة في إسرائيل، وهجرها العلمانيون والشباب. وحتى لو لم تدفع المهلة الزمنية المقترحة السلام الى الأمام، فإنها كفيلة بان تجلب الخير للمدينة المهملة. وعندما تعود القدس لتكون عاصمة إسرائيل فإنها ستكون أيضاً مدينة جديرة بهذه المكانة، مدينة من الخير العيش فيها. *هآرتس