مدخل : جل شان اللي ملكوته على عرّيشه المكارم ما تعادل مكرمته لعبده يا أخي الشاعر ترى ما فوق راسك ريشة ما تحتك ألا ظلالك ترمحه وتهبده ما يهم ،تسب،تمدح شخص،تطلب عيشة المهم أن المشاهد يفهمون الزبده تتقي وتبين كنّك تلعب الخشيشة تحرق أعصاب المشاهد لين تدبل كبده بالمزاج المنجرف وأفكارك الطنّيشة لا تسمّع في السديس ولا محمد عبده رسالة مختصرة من شاعر عملاق هو سعد بن جدلان الأكلبي موجهة إلى أغيلمة الشعر المتطاولين إعلامياً ، فلعلهم يستفيدون من تعليمات الأساتذة الذين ينظرون إلى الشعر بمنظار أدبي عالي . ابن جدلان شاعر لا يختلف عليه اثنان فالتميز هو عنوانه الدائم ،ورغم أن لمعان نجمه قياساً على عمره جاء متأخراً بعض الشيء ،لكنه كان إسعافاً للساحة الشعبية في وقت سعى فيه أرباب الحداثة والغثاثة إلى مواراة القصيدة التقليدية ، فكان نجمه سعداً على شعراء المدرسة الكلاسيكية ، لقد أعاد ابن جدلان التوازن لهذه الساحة لأنه أجبر الجميع على الاتفاق على إبداعه الذي لا يحتذي النماذج السابقة ، لكنه يشكل نموذجه الخاص في اقتناص المعاني النادرة والصور الشاردة . لقد فاجأ الشعراء والنقاد في زمان كثر فيه الغث وقل السمين ، قبل حوالي عشرين سنة استمعت لهذا الشاعر عبر (كاسيت) سجله له الأخ بداح بن عبدالله بن عون ولهذا الرجل رحمه الله فضل في تسجيل شعر عدد من الشعراء الذين كان يجمعهم مجلس والده الشاعر الكبير عبدالله بن عون مما ساعد في انتشارهم وتداول شعرهم في مرحلة المنابر الإعلامية المحدودة . ابن عون أذهلني الأكلبي بشاعريته المتدفقة وإلقائه غير المتكلف ولهجته المضمخة بنسيم الجنوب، لقد فاجأ بشعره حتى كبار الشعراء فقال عبدالله بن عون حين سمع شعره : أنا يوم (غازي) جاب تقريره الطبي عن (الأكلبي) درته وفوجيت بأعجوبة والحقيقة أن المفاجأة بقوة الشاعرية كانت مصحوبة بصدمة كبيرة نتيجة اكتشاف أن يعيش بين ظهرانينا شاعر بهذا الحجم ولا نعلم عنه ولا عن شعره شيئاً. فلسفة الشعر عند الأكلبي : الشعر عند الأكلبي رسالة سامية يجب على الشاعر أن يفيد الآخرين من خلالها ، فيختار الموضوع الهادف في قالب جزيل الألفاظ ،جميل المعاني ، باهي الصور ، لكي يحافظ على مكانته وقيمته فيسلم من اللوم والانتقاد : يا أهل القصيد مراسلين الجرايد تكفون صونوا كلمة الشعر تكفون خلوه يلقى من وراها فوايد فيدوا وخلوا غيركم يستفيدون لا تعرضون نفوسكم للنقايد الرابح اللي من غثا الناس مصيون ليدل بعد ذلك (أهل القصيد) على بعض النماذج الجيدة من الشعر ليستفيدوا منها بقوله: ليا بغيتوا نادرات القصايد صيتوا لشعار الأدب وش يقولون أهل الأدب والتجربة والركايد أمثال مرشد والعطاوي وابن عون أفكارهم ما تنتج ألا فرايد تقول بصدور الأوادم يويقون هكذا :(تقول بصدور الأوادم يويقون) أنه يفترض بكل شاعر حقيقي أن يلامس بشعره مشاعر الناس ويعبر عن معاناتهم ، هذا الشاعر العامي يشرح بهذا التعبير البسيط الصادق ما قاله أبوعمرو بن العلاء عندما سئل أيّ بيت تقوله العرب أشعر؟ قال:" البيت الذي إذا سمعه سامعُه سَوّلت له نفسه أن يقول مثله" ابن جدلان ويتكرر هذا التعبير عند الأكلبي في قصيدة أخرى مجاوباً شاعراً من أصدقائه هكذا (تقول أنك في قلبي توايق توياقي) ليقول بعد ذلك : تصوغ المثايل صوغ عبدالغني للطوق كما شرح دكتور عن أسرار الأعماقي هنا يؤكد ما قاله الأصمعي في القرن الثاني من الهجرة : قال الأصمعي :" أجود الشعر ما وصل معناه إلى القلب مع وصول لفظه إلى السمع ". و الأكلبي وهو الشاعر العملاق يعيش معاناة كبيرة مع الشعر، ويعترف بصعوبة الوصول إلى روائعه واستحضارها ، كما يعترف أن خوفه من النقد وحرصه على مكانته الأدبية وقيمة شعره الفنية يمنعه من الانجراف مع التيار وتلبية رغبات الجمهور في طرح ما لا يليق به طرحه: ياللي تطلبون الشعر غيبه علي صعيب لولا خوفة النقاد طاوعت عشاقه أسرح بنات الفكر مني بكل شعيب وتضوي علي بالخرج ما جات بشلاقه احسب أني لا قنصت السمان أصيب وأعيّن على روس المشاريف تفاقه ويقول أيضاً: وشرد القرايح خزايزهن حذور جفول تسكن مساس الصدور وتدهل اقفورها والأكلبي شاعر يجتهد لإرضاء الذائقة الأدبية العالية ولذلك فهو يحاول أن ينتقي من شوارد الفكر أجملها ،ولذا فلا يقنع بكل ما يتبادر على ذهنه، بل يعمل على تنقيح قصائده بدون فلسفة أو غموض حتى يفهمها الجمهور، ثم يشنف بها الأسماع فتصغي إليه ورغم ذلك فهو يعرف أن رضا الناس غاية لا تدرك : زاومني الهاجوس (...) أبو الأهل يقول البيوت العصم وإياك و إياها لا عيّنت كلمة قلت يضرب بها المثل لقينا وراها كلمة كّنها إياها ما تنجح مدارس فلسفة علم في جهل والعربان ما كلٍ يقدر يكسب رضاها يحاول قدر الإمكان يعني على الأقل يدخل في مفاهيم العرب يكسب اصغاها وشاعرنا لا يمكن أن تنتابه الغرور الذي يعاني منه (الأغيلمة) فثقته في نفسه كبيرة ولكن رغم ذلك فهو لا ينشر من شعره إلا ما يعتقد فيه بتأييد أهل المعرفة و(الصنف) ولو علم أن قصيدته التي سينشدها على الملأ ستجلب له اللوم والعتاب من هؤلاء فإنه يرى أن السكوت خير من الكلام بل إن السكوت في هذه الحالة واجب عليه : ويدل منطق لساني في الأناشيدي ويزيدني مع هل العرف اعتباراتي إذا لقى من رجال العرف تأييدي حبيت نشر الجرايد والمجلاتِ وإذا نشيدي جذبني للمناقيدي قبل مآسي كلامي ياجب سكاتي وهو يقدم درساً لكل الشعراء في صعوبة اقتناص الفكرة البكر ، أو الصورة النادرة ، أو المعنى الشارد ، أو المفردة الفاخرة ، فلا يمكن لكل شاعر اقتناصها ،ولكن لابد أن تكون القصيدة صادقة : شرد بكار النشيد أجفل من الصيدي ومن القنانيص قدها مستذيراتِ يقنص لها بالمحازم والبواريدي تنصاد مرة وتسلم عشر مراتِ الشعر صدقه على الأفعال تأكيدي وتقبل بيوته بدون صكوك وإثباتِ فهو هنا يعترض على مقالة (أعذب الشعر أكذبه ) ويتمثل قول الشاعر العربي: وإنَّ أَحْسَن بيتٍ أنت قائلهُ بَيْتٌ يقالُ إذا أنشدتَه صَدَقَا ويشرح شاعرنا دور الشعر وأهميته عند العرب في تخليد المآثر والثناء على مكارم الأخلاق والتأكيد على العادات والتقاليد ، وليس كما يفعل بعض الشعراء اليوم الذين سخروا شعرهم لمصالحهم الخاصة بدون اعتبارات أخلاقية : مجده يخلد بيوت للأجاويدي تبقى ضويّه بعد الأسلاف حياتي وأكد بطبع العروبة والتقاليدي من لا نفع حي ما يفقد ليا مات ما هوب شعر المظاهر والمقاصيدي ياصاحبي رش خبزك من لبن شاتي ولكنه حين تطرق لشعراء المصالح لم ير بداً من التأكيد على قدراته ومواهبه التي يستطيع مثل هؤلاء مجاراتها لأنه يغرد خارج السرب : قريحتي ميلت شعري وتمجيدي لمعانق الشرد في روس المنيفاتي حذرات الأشعار في روضه مقاييدي الشرّد اللي مطاردهن عسيراتي القلّط المترفات العنّس الغيدي اللي عدمهن على الشعّار حسراتِ مخرج : من خلال ما سبق بيانه نجد شاعرنا يؤكد دائماً على جوهر القصيدة وليس على شكلها ، ولكنه يختصر تجربته مع الشعر في أربعة أبيات تؤكد على عمق تجربته الشعرية بل ثراء معرفته النقدية التي ربما كانت سبباً في تجويده لشعره وحرصه على تقديم ما عجز عنه الآخرون إذ يقول : ياللي تقول الشعر همزة وكسرة يقول فكرك مقدي وأنت ما اقديت اسرح نهارك وإن ضوى ليلك أسره وتعود من بحر الشعر مثل ما جيت أحلى بيوت الشعر سهله وعسره عسره على الإبداع سهله ليا أوحيت يضرب بها هوج الدواوين جسره ماهوب لا جاب بيت سقط بيت