الأجواء المكفهرة مؤخراً كانت سبباً كافياً لأعيد تأمل الهضبة الصحراوية النابضة النافرة التي أقطنها مع ما يقارب خمسة ملايين نسمة، تلك هي "الرياض" العاصمة الأحب إلى نفسي في عصيانها وفي طاعتها للتحولات معاً أنى ابتعدت. في الصحراء القريبة مني كانت لي تجربة مختلفة, فعلى الرغم من أنني لم أكن يوماً من الشغوفين بالرحلات البرية، مما تبقى منها من ومضات شتاءات طفولتي وطفولة الكثيرين من أبناء الرياض إلا أنني قررت أن أجدد علاقتي بالبرية لعلي أعقد صلحاً مع ريح الصحراء التي تحمل ذرات رمالها أحلامي وواقعي منذ أتيت لهذه الدنيا. رحلة "البر" هذه لم تكن رحلة تشبه رحلات الطفولة مما كان معلمو مادة التعبير يطالبوننا بالكتابة عنها كل عام، لم تكن مجرد رحلة برية للأكل فقط، تترك الأسر بعدها مكان الرحلة في حالة من الفوضى. كان فضاء الصحراء التي زرت رحلة لإعادة اكتشاف مجاهل الفلوات وجمالها. كانت الرحلة أقرب إلى مناخ رواية (باولو كوليو) "الخيميائي" بكل ما تسجله هذه الرواية عن سحر الصحاري الخفي. الفكرة التي أخذت تراودني هي بأننا نعيش فوق كنز من الرمال يستحق عناء البحث لنشعر أن الانتماء إلى الصحراء يعني الانتماء إلى منبع الجمال البكر في العالم فنعاود اكتشافه. لقد ترك لنا صالح العزاز بكاميرته ومضات من التماعات الصحراء وكذلك قبله كتابات المستشرقين. وبما أن الإعلام المرئي اليوم هو الوسيلة الأولى لإيصال صورة مختلفة عن فضائنا الصحراوي للعالم، فإن تشجيع الشباب لاكتشاف هذا الإرث الجغرافي الحي أمر هام في هذه اللحظة التاريخية. فكل دول العالم اليوم تزخر بالتجمعات المختلفة لإيجاد نقطة التقاء بينها وبين الآخر ولكن ليس كل دول العالم عندها ما يميزها عن البقية، فلنجعل من الصحراء عنواناً ندياً لنا وليس مجرد سراب!.