قال أستاذ الأدب والنقد في جامعة سوسة بتونس الدكتور حاتم الفنطاسي إن الاحتفاء بالعلاقة بين الإبداع والصحراء يتمخض في أجناس الكتابة للشعرأو تختص به، ويختص بها كذلك في الثقافة العربية القديمة خاصة، وتكاد تنحسرفي الشعرالحديث عامة، فقد اختزل المكان أو الفضاء المكاني في "المدينة"، وهو أمر طبيعي نتيجة اصطدام الشاعر الحديث بمفاهيم حضرية جديدة، موضحاً أن المكان قضية فلسفية متعددة المداخل, إضافة إلى أبعاده ودلالاته المختلفة المتناسل بعضها من بعض. وتناول الفنطاسي، خلال محاضرته "شعرية المكان في السرد العربي- قراءة في نماذج من الرواية المغاربية" أول من أمس، في نادي الأحساء الأدبي، رواية "الصحراء" لإبراهيم الكوني، مبرزا من خلالها ثقافة الصحراء، وهي رواية تميزت بالتفرد في الاحتفاء بالصحراء مما يجعلها "مفتاحاً تأويلياً" ملائماً، تمكن من الدخول إلى عالم السرد ،مبيناً أن الصحراء ظلت منذ الأزل تضع الإنسان وجهاً لوجه أمام كينونته. وذكر المحاضر أن كل أعمال إبراهيم الكوني انطلاقاً من العتبات "الإهداءات والومضات والتصديرات وصورالغلاف" تحتفي بالصحراء أو تحيل إليها أو تلمح إلى متعلقاتها ودلالاتها، فالصحراء، عند الكوني تخرج عن كونها مجرد حيز أو مكان لتكون رمزاً لسفر التكوين وهي بلغة أهل الفلسفة "محرك الوجود" ومحوره الدوار أنطولوجياً، وهي بنيوياً مكان أصل وأمكنة حافة تتداخل أو تتحاورأو تتماهى أو تتباين وتتضاد، لافتاً إلى أنه أحياناً تتحول الصحراء إلى مبعث للطمأنينة والراحة والإحساس بالتواصل مع الأنا والآخر والأشياء وما وراءها، والصحراء أيضاً في المقابل وبحسب حالة الشخصية الرئيسة النفسية سجن وقيد وطوق ومكان عدواني، وثمة وجه آخر للصحراء فهي الصحراء الرملية الخائنة، عدم لا عشب ولا شجر بري ولا حيوانات برية، وكذلك الصحراء، وهي إمبراطورية العلامة، فتعاليم الصحراء تسدى مجاناً كل يوم للرعاة لكنها تتخلى عنهم بمجرد أن يسكنوا الواحات ويتطاولوا في الزراعة، وكذلك الصحراء هي المهد، وهي محضن التشكل، وحيز الكشف، وهي اللحد وحيز الفناء، وهي الغيران، والوديان، والمراعي، وحبيبات الرمل، ومضارب القبائل، والبرزخ، والواحات والجدب ومكان الوحي والإلهام. وفي ختام المحاضرة، تسلم المحاضر من مدير الأمسية الدكتور نبيل المحيش وعضو مجلس إدارة النادي الشاعر محمد الجلواح درع النادي التذكاري.