انعكس الارتفاع الكبير في أسعار جميع أنواع السلع الاستهلاكية والغذائية والملابس، انعكس سلباً على حجم حركة التسوق، وهذا ما بدا واضحاً من خلال جولة على أسواق الأحساء، التي كانت تعج بالمتسوقين خلال الأيام التي سبقت العيد، إلا أن حجم الشراء كان أقل مما كان عليه في الأعوام السابقة! هذا ما كشفته جولة "الرياض" في الأسواق والالتقاء بأصحاب المحلات الذين شكوا من حالة كساد ضربت مبيعاتهم بشكل كبير ولافت، إلا أن شكواهم تلك لا تعني عدم معرفتهم بالأسباب التي تقف خلف ذلك، فجل الباعة التمسوا العذر لأرباب الأسر الذين واجهوا الارتفاع القاتل للأسعار، مع اجتماع أكثر من مناسبة في وقت واحد هي رمضان والعيد وقرب افتتاح المدارس. الأسعار نار.. حتى الصينية! صالح بو خمسين صاحب محلات لبيع ملابس الأطفال والنساء "منذ 30عاماً" أشار إلى أن الوضع الحالي في الأسواق ينذر بكارثة حقيقية، فموردو الملابس بدؤوا يستغلون موضة (ارتفاع الأسعار) في رفع الأسعار ومن ثم زيادة مكاسبهم، وكشف عن أنه كانت له قبل فترة قصيرة زيارة للصين لزيارة أحد أهم معارض الملابس، وفوجئ حينما وجد أن أسعار الملابس الصينية لم ترتفع بالقدر الذي يستغله موردو الملابس السعوديون، وطالب في هذا السياق من وزارة التجارة أن تتنبه إلى مثل هذه الظاهرة التي تنطبق على جميع السلع الأخرى حيث ينتشر وبشكل فاضح جشع التجار وطمعهم بغير حدود. يوسف المحسن "موزع ملابس وصاحب محلات للبيع" حمّل التجار الموردين مسؤولية ارتفاع أسعار الملابس، ودعا الزبائن إلى التنبه إلى أن البائع لا يكسب سوى الشيء البسيط، أما الرابح الأكبر فهو المورد، ودعا المحسن إلى دور أكثر تأثيراً لوزارة التجارة بالتعاون مع الغرف التجارية في الحد من الاستغلال الذي ساد في جميع المجالات وفي جميع مناطق المملكة. بلد التصنيع والمواد الأولية السبب مرسي أمضى 20عاماً في صناعة وبيع الحلويات قال إن محلات بيع الحلويات في المملكة لم يمر عليها فترة أصعب وأقسى من العام الحالي حيث شهدت ارتفاعاً جنونياً وغير مسبوق في أسعار المواد الأولية التي تدخل في صناعة الحلويات والتي واصلت ارتفاعاتها إلى أكثر من 100%، وبين أن المواد تشمل الزبدة والسكر والطحين والمكسرات والشكولاته والحليب والنشا وغيرها شهدت ارتفاعاً وأن هذا الارتفاع انعكس بشكل سلبي جداً على أرباح المحلات مشيراً إلى أنهم تكبدوا خسائر كبيرة جداً من جراء تلك الارتفاعات. من جانبه بين عقيل العبدالمحسن "صاحب مجموعة محلات لصنع الحلويات" أن خسائر مبيعاتهم هذا العام بنسبة 40% ، وأرجع سبب ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية لصناعة الحلويات في وقت ابقوا هم كأصحاب محلات على الأسعار السابقة خشية من هروب الزبائن! وحذر عقيل من أن استمرار ارتفاع أسعار المواد الأولية ربما يؤدي إلى هجران لكثير من أرباب هذه المهنة لها بسبب خسائرهم المتتالية. أما عبدالكريم "يملك سلسلة ضخمة من محلات بيع الملابس" فأشار إلى أن الكساد ضرب معظم محلات بيع الملابس هذا العام سواء أكانت للكبار أم الصغار، وأجرى عبدالكريم مقاربة بين حجم مبيعات محلاته قبل ثلاثة أعوام بالعام الحالي، حيث أكد أن عزوفاً كبيراً من المشترين بدا يسود بشكل ملحوظ مشيراً إلى أن السبب معروف لدى الجميع وهو ارتفاع الأسعار بشكل فاق التصور وعدم مقدرة الكثيرين على الشراء، وأضاف عبدالكريم أنهم كمحلات تجلب البضاعة الراقية والماركات العالمية، حيث اضطروا لجلب الملابس المتواضعة كونها منخفضة السعر ليتمكن الزبائن من شرائها أما على العكس من ذلك فالملابس ذات الماركات العالمية فقد عزف الناس عنها لارتفاع أسعارها وبات ليس بمقدور كثيرين شراء تلك الماركات. الغلاء وأد فرحتنا بهذه الجملة تفوه جل الذين التقيناهم، حيث لم يخف أحدٌ من أن الغلاء أجبره على التقليل من مشترياته، فيما لم يمكن البعض الآخر من الشراء أصلاً. في أحد محلات بيع الملابس النسائية استوقفنا صراخ أب على أحد بناته الصغار، وبعدما سألناه عن السبب الذي أزعجه أشار سعد. س إلى أنه لم يعد يحتمل كثرة مطالب بناته الست مع مرتبه الذي يبلغ 5آلاف ريال وشقته التي يسكنها بالإيجار، وأردف يقول إنه اضطر لطلب السلفة من أحد زملاءه في العمل ليوفر مطالب رمضان والعيد ومستلزمات المدارس التي وصفها بالمشكلة الكبيرة خصوصاً إذا تعلق الأمر بالبنات التي وصف بأن مطالبهن لا تنتهي! وبين سعد والغضب بدا واضحاً على محياه أنه يشعر وأول مرة في حياته بأنه عيده حزين لأنه أثقل كاهله بمصاريف لا يتحملها ! وفي محل بيع الأحذية التقينا المواطن علي الخليفة الذي شكا من أن راتبه التقاعدي والذي يبلغ 3آلاف ريال لا يفي سوى بمتطلبات نصف أبنائه السبعة، وتساءل وبقية البناء كيف أوفر لهم حاجياتهم ؟ واكتفى الخليفة بترديد لا حول ولا قوة إلا بالله. العيد لم ينجح في التعويض البائع سليمان قال أن كثير من أصحاب المحلات كان أملهم في العيد في تعويض خسائرهم التي تكبدوها طيلة العام وتعويض جزء من خسائرهم إلا أن الجميع فوجئ أن العيد لم ينجح في تعويض الخسائر، وأضاف أن المحلات خلال عيد هذا العام شهدت كساداً لم تشهده من قبل، وشكا رمزي "صاحب محل لبيع الإكسسوارات" من تراجع المبيعات إلى درجة أنه قد يمر عليه يوم كامل وخلال ليالي العيد دون أن يبيع أي قطعة، وبين أن العيد بالنسبة لأصحاب المحلات يعد الفترة الذهبية في نشاط مبيعاتهم إلا أن هذا العام شكل كارثة حقيقية لكل أصحاب المحلات ولم يفلح العيد في التقليل من آثار هذه الكارثة. وتحدث صاحب محل عن أنهم اضطروا كأصحاب محلات للإبقاء على الأسعار رغم ارتفاع الأسعار ليتمكن المواطن البسيط من شراء ما يحتاجه من مستلزمات العيد رغم قلة مكاسبهم التي انحدرت بشكل ملحوظ. القوة الشرائية ضعفت؟ عزا المواطن يوسف الخلف عزوف الكثير عن الشراء حتى للعيد إلى الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الناس وأضاف أن الناس "وكما يعرف الجميع" واجهت إعصاراً كاسحاً من الغلاء في كل شيء فلم يعد المرتب البسيط أو حتى المتوسط قادراً إلا على توفر المستلزمات الضرورية جداً أما الأشياء الكمالية فصارت حلماً قضى عليه الظرف المعيشي الخانق للناس، وشاطره في الرأي مواطن آخر بالقول: كنت أشتري لأبنائي في العيد ولإظهار الفرحة والسرور العديد من أنواع الحلويات وكذا المسكرات أما في هذا العام فالأمور تختلف كلياً فلم يعد باستطاعتي أن اشتري لهم سوى حاجيات بسيطة ومتواضعة. وخلال جولة "الرياض" في المجمعات التجارية في الأحساء رصدنا وبشكل واضح قلة عدد المتسوقين وهذا ما يعكس ما ذهب إليه صاحب المحلات من كساد حقيقي ومؤلم عصف بهم!! من يطفئ لهيب الأسعار؟! سؤال ردده وبمرارة كل من التقيناه وطالبوا كافة الجهات ذات العلاقة بالحد من الارتفاع "غير المعقول" في الأسعار، وحذر الكثير من الآثار التي بدت تظهر بشكل سلبي على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للشريحة الكبرى من المواطنين، وطالب المواطنون كافة الجهات ذات العلاقة إلى وضع حلول عملية وسريعة تعيد للناس شيئاً من الاستقرار المعيشي بعد جنون الأسعار.