أيها الأصدقاء بالمعنى الحقيقي للصداقة.. أيها الأصدقاء بالسمات الكاملة للصداقة.. سمي الصديق صديقاً من الصدق.. لا غش لا خداع لا نفاق لا بهتان. .. صادق الإنسان فلاناً اتخذه صديقاً وترتبط صفة الصديق بكل وأكمل المزايا وأكرم الصفات وأنبل الخلال لأن الصداقة وكل ما يتصل بهذا المعنى مرتبط في أصله بالصدق. فالصديق الصاحب الصادق الود وهم أصدقاء وصدقاء وكلمة صديق لوفرة ما فيها وعظيم ما بها من كريم المعاني والخلال تستعمل للواحد والجمع المذكر والمؤنث فيقال: هو صديق، هم صديق، هي صديق، هن صديق (المعجم الوسيط). والصديق في رتبة الأهل والرحمة علاقة وتقديراً - حتى جاء ذلك في قوله تعالى: (أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم). وقد يكون الصديق على كل وأقوى درجات الصداقة والتصديق، فيسمى صدِّيقاً (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صدِّيقاً نبياً).. ولقد نال أبو بكر - رضي الله عنه لقب (الصِّدِّيق) لأنه كان الصديق الأول والمصدق الأول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم وأول من صدق وثبت ودافع بالصدق في حادث الإسراء والمعراج. @@@ أيها الأصدقاء.. ما أعزكم عندي.. ولكن حذار.. حذار ان يدخل بينكم من ليس حقاً صديقاً مثلكم، وهنا يحضرني قول الرافعي في (صديق). "لا أريد بالصديق ذلك القرين الذي يصحبك كما يصحبك الشيطان. لا خير لك إلاّ في معاداته ومخالفته ولا ذلك الرفيق الذي يتصنع لك ويماسحك، متى كان فيك طعم العسل لأن فيه روح ذبابة ولا ذلك الصاحب الذي يكون لك كجلدة الوجه تحمر وتصفر لأن الصحة والمرض يتعاقبان عليها ولكن الصديق هو الذي إذا حضر رأيت كيف تظهر لك نفسك لتتأمل فيها، وإذا غاب أحسست ان جزءاً منك ليس فيك، فسائرك يحن إليك وإذا مات يومئذ لا تقول إنه مات لك ميت بل مات فيك ميت". @@@ حقاً.. نحن في عصر تداخلت فيه الأشياء، فكما ان هناك آلات أصلية هناك أخرى تقليد بها وتزييف فيها لا تلبث ان تتوقف أو تتلف فحقاً ليس صديقاً ذلك الذي يجر الإنسان إلى الشر أو يدفعه إلى سوء العمل فهو ليس صديقاً إنما هو على حد تعريف الرافعي - شيطان - لا خير إلاّ في معاداته ومخالفته. ليس صديقاً بحق ذلك القرين الذي يفك ارتباطه بك حين تتغير أحوالك التي لاقاك عليها، فهو كشيء مقترن، لكن ليس متداخلاً متصلاً بك، مجرد اقتران، لكن الصديق الحق هو الذي يصدقك الحب، فهو محب صادق الحب، لا يتأثر ولا يتغير ولا يضعف حبه ولا يهتز ويصدقك القول، فلا يكذب عليك في حبه، أو في قوله، أو أي أمر آخر يحدثك عنه، ويصدقك العمل فحبه صادق عملياً، عمله ومواقفه تجاهك مثل حبه، مثلما يقول لك عنها. @@@ أيها الأصدقاء.. لا تدخلوا في جماعتكم إلاّ من هو أهل للصداقة بكل معاييرها، ولا تعتبروا صديقاً إلاّ من يكون بحق صورة لمكارمكم، مرآة صافية لجمال علاقاتكم، وجميل صفاتكم فغير ذلك مشين لكم، جالب للسوء عليكم، وفي ذلك يحثنا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين قال: ولا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه فكم من جاهل أردى حليما حين يلقاه يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ماشاه وللشيء على الشيء مقاييس وأشباه وللقلب على القلب دليل حين يلقاه فبعض الناس في هذا الوقت يتقلبون في كل حال، يتلونون في كل موقف، حتى تعجب الشاعر من صديق له في مثل ذلك: قل للذي لست أدري من تلونه أناصح، ام على غش يداجيني تغتابني عند اقوام وتمدحني في آخرين، وكل منك يأتيني وآخر لاقى من مثل هذا المتلون الكثير فقال: أخ لي كأيام الحياة اخاؤه تلون ألوانا علي خطوبها هذا منه.. لكنني: اذا عبت منه عيبة فتركته دعتني اليه خلة لا أعيبها ليس معنى ذلك ان نترك الأصدقاء لمجرد غفوة، او صغير هفوة.. فليس هناك معصوم، وربما يكون فيما قال مكرها، فالصفح بعد التحري عن الأمر واجب - واحتمال بعض الأذى من الأصدقاء لا يضير. قال صديق مخلص في صديقه: أغمض عيني عن صديقي تجسما كأني بما يأتي من الأمر جاهل وما بي جهل غير أن خليقتي تطيق احتمال الكره فيما تحاول @@@ واذا كان الإخلاص، والصدق، والوفاء، والحب، والتلازم، للأصدقاء واجبا فانه يجب عليكم - ايها الأصدقاء - ان تقبلوا العذر اذا اعتذر الصديق عن تقصير، والصفح اذا جاء ملتمسا الصفح لأمر غير صحيح، لأن كثرة العتاب، وشدة الحساب والتدقيق في سائر الأحوال يفسد المحبة.. ويقطع حبل الصداقة. اذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه فعش واحدا، او صل أخاك، فانه مقارف ذنب مرة ومجانبه اذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه فكن ياصديقي كريما نبيلا.. واذا أخطأ صديق لك مرة فلا تخطئ، واضرب له نموذجا للوفاء واستمرار صدق الصداقة، وثبات أطنابها عندك، فهذا أفضل من القطيعة وأجدر بالصداقة. ليس الكريم الذي إن زل صاحبه بث الذي كان من أسراره علما ان الكريم الذي تبقى مودته ويحفظ السر ان صافى وإن صرما @@@ أيها الأصدقاء أستأذنكم في تكرار القول: فما أحبكم إلى نفسي، وما أشد اعتزازي بكم، مع كل التمسك بصداقتكم، استشهد بأقوالكم، وأورد صادق حديثكم معي، في كل المواقف حين يكون ذلك شاهدا على شيء في حياتي. قيل لي في محادثة هاتفية: انك تذكر حين تستشهد في بعض المواقف الصديق الفلاني.. او قال لي صديقي.. فما المعنى الحقيقي للصداقة؟ اقول لصاحب هذه المهاتفة.. شاكرا له هذا السؤال الجميل عن هذا المعنى الكبير: يا أخي الكريم يقول أحد الحكماء: الناس اثنان، معارف، واصدقاء، فالمعارف، بين الناس كثيرة، والاصدقاء عزيزة. فالصديق هو الذي يُحِب ويُحَب معا، ويشارك في السراء والضراء لأجل صديقه لا لاجل نفسه، وانما يظهر صدق الصداقة عند الارتياح لما يسر الصديق، والاغتمام لما يسوؤه، لأن العدو هو ضد هذه الصفات. والصداقة في قدرها وعمقها، وثباتها ثلاثة.. أولها الصحبة، وهي حالة تتأكد بين اثنين لطول التشاهد. والثانية الأنس، وهو الراحة بلقاء الصديق، والثالثة الوصال، وهو المشاركة في كل صور المشاركة سواء كانت في السراء او في الضراء. وعندي ان الصديق الحق، هو كالأخ الشقيق في كل علاقاته سواء بسواء، في كل مشاعره نحوك، حتى قال الشاعر مبينا هذا السلوك النبيل: ماذاقت النفس على شهوة ألذ من حب صديق أمين من فاته ود أخ صالح فذلك المغبون حق اليقين @@@ وأقول رداً على سؤال في مثل هذا الأمر: الصديق كنز ثري.. الصديق عيش هني.. وإن الذي يخسر مالاً خسر كثيراً.. لكن الذي يخسر صديقاً فخسارته أعظم.. وأعم الخسائر من خسر إيمانه. ومن الأمثال التي استحسنتها من ثقافات متعددة حول الصداقات: @ أنا وأنت أصدقاء، ثم انضم إلينا صديق آخر؛ فشكلت مجموعتنا دائرة أصدقاء ليس لها بداية أو نهاية. @ سوف يدخل العديد من الأشخاص حياتك، ويخرجون منها، إلا الأصدقاء الحقيقيين الذين يتركون أثرهم في قلبك. @ الصديق قوة، وسند، ودعم لحياتك، ودفاع عنك.. بل ربما يكون ذلك منه حين يجد أن ظلماً وقع عليك من أحد ذوي قرابتك. أميل مع الذمام على ابن أمي وأحمل للصديق على الشقيق وإن ألفيتني ملكاً مطاعاً فإنك واجدي طوع الصديق @ وقال حبيب الطائي: ولقد سبرت الناس ثم خبرتهم ووصفت ما وصفوا من الأسباب فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً وإذا الصداقة أقرب الأنساب @ والأصدقاء لهم في النفس حب، وفي الحياة قدر، وفي الشعور عمق وصدق. @ قال أحد الحكماء: رب أخ لك لم تلده أمك. @ وقالوا: رب بعيد أقرب من قريب. @ وقالوا: رب صديق ناصح الجيب وابن أب متهم الغيب الصديق هو الأخ الشقيق.. المخلص، الوفي سراً وجهراً.. حضوراً وغياباً.. قولاً وعملاً.. وأما المقياس الصادق للصديق المخلص هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). وأكرر باعجاب ما قاله الأستاذ مصطفى صادق الرافعي عن الصديق: (هو الذي يصدقك الحب، والقول، والعمل.. وإذا حضر رأيت نفسك فيه، وإذا غاب أحسست أن جزءاً منك ليس فيك، فسائرك يحن إليك). والنصح الأخير لكم أيها الأصدقاء: ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتبُ ومن يتتبع جاهداً كل عثرة يجدها، ولا يسلم له الدهر صاحبُ وأخيراً فإني معجب بما يكرره على مسامعي صديقي العزيز الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله التويجري (إن القريب لا خيار لك في قرابته. اقبله بحسنه وسوئه، وأما الصديق فهو من اختيارك، فاختر من يحقق المعنى الحقيقي للصداقة). @@@ وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب، والأخذ بأسباب القوة مهماً غلا ثمنها اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.