من أعظم مقاصد الإسلام , وأجل غاياته , السعي لصفاء القلوب , وإبعاد كل مايثير العداوة والبغضاء , لذا رغب في محبة الناس , وتمني الخير لهم , والعفو عنهم , وقبول أعذارهم , وإحسان الظن بهم في جملة من النصوص لا حصر لها . ولقد ذاق الناس ويلات التقاطع والتدابر, وأصبحنا نسمع عن قصص وأحوال بين قرابة وأصدقاء تؤرق كل غيور ومحبٍ لإخوانه . هل تعلمون � ياكرام � أن من القرابة من يقطع إخوانه سنين طوال . وهل بلغكم عن إخوة وأصحاب كان الواحد منهم لا يفارق ظل أخيه , ولا يكاد يمر يوماً إلا ويلتقيان فيه , وإذا بتلك النفوس المتحابة , والصداقة اللصيقة , غدت عداوة بيّنة , وجفاء لا يكاد أحد يصدق به . حتى صار يصدق فينا قول ابن الجوزي � رحمه الله- : وجمهور الناس اليوم معارف ... وينذر فيهم صديق في الظاهر . ا ه إن من يعادي غيره شقي في الحياة , يشعر بألمها وغصصها خصوصاً لمن لم تبد منه جفوة , أو كان جفائه له لظنون وأوهام لا أصل لها , وهذا - وللأسف الشديد - ما عليه كثير من العدوات . فتش في كل خصام وعداوة أورثت قطيعة تجدها : إما لكلمة ربما لم يقصد قائلها من ورائها إلا خيراً , أو لموقف صدر من أحدهما وكان المعادَى حسن النية فيه , أو غير ذلك من الأسباب الواهية . يقول أحدهم : حصل من صديق لي عزيز موقف ظننت أنه قصد فيه كذا وكذا , فأنكرته عليه , وجلست أياماً وفي نفسي منه شيئ , قال : فقلت في نفسي لما لا أذهب لصديقي واستفهم منه ماحصل, فذهبت إليه وحكيت له ذلك ما جاء في نفسي , قال : فأقسم الصديق أنه لم يقصد ما استقر في نفسي , ولم يخطر بباله ما وسوس لي به الشيطان , فسري عني , وعادت -المياه لمجاريها � كما يقال . لما لانفعل مثل ما فعل هذا الرجل � إن كنا صادقين في صداقتنا � ونجلي المواقف لإخواننا , ونستفهم منهم ما صدرمنهم . وعلى فرض أنه حصل منه تقصير , فلا يعدو صديقنا بشراً يخطئ ويصيب . إن الظفر بالصديق المخلص عزيزٌ هذه الأيام , لحاجتك له في الحياة , يؤانسك في وحشتك , ويخفف عليك ألمك , وتستنير برأيه عند حدوث الملمات . ولقد كان يقال : أعجزُ الناس من فرّط في طلب الإخوان ، وأعجز منه مَن ضيّع مَن ظفِر به منهم . وكان يُقال أيضاً : الصاحب رُقعة في قميص الرجل ، فلْينظُر أحدكم بِمَ يَرْقع قميصَه . لا أحب الإطالة وإنما المقصود : السعي في تعزيز المحبة بيننا , وتعزيز المودة والإخاء , وليعذر بعضنا بعضاً , والدنيا أيامٌ قلائل فليكن لك الذكر الحسن بعد الممات