في مرحلة التكوين الشعبي، تنطلق القنوات الإعلامية الشعبية المرئية والمقروءة والمسموعة، ويكثر معها المعدون والكُتَّاب والشعراء، وعلى أننا في هذه المرحلة نحاول أن نجد ما يخدم أدبنا الشعبي وموروثنا الشعبي على خضم هذا التكوين الإعلامي، إلا أننا نكاد لا نجد شيئاً من ذلك. أسباب عدة في نظري هي وراء ذلك الإخفاق إن جاز التعبير كلها أعاقت تقدم أدبنا وبقاءه على ما هو عليه من تقليدية. ولو عدنا قليلاً إلى ما قبل الطفرة في الشعر مثلاً والشعراء وتعدادهم الهائل الآن في المطبوعات الشعبية والقنوات الفضائية لوجدنا أدباً شعبياً حقيقياً، تلاشى الآن وحل محله المظهر والصور فقط وغيرها من التطور الذي هو في الحقيقة بعيد كل البعد عن الواقع الصحيح والحقيقي للأدب الشعبي. والآن ونحن نملك في الحقيقة كل مقومات الرقي الأدبي وتطوره ولا ينقصنا شيء على الإطلاق إلا شيء واحد هو تفعيل دور تلك المقومات واستخدامها على الوجه الصحيح بكل وعي ودقة ورقي عملي صادق ونزيه. الواقع المؤلم الذي نعيشه الآن ما هو إلا نتاج البعد عن الذوق الأدبي (الشعبي) الذي من المفترض أن يكون لدينا خصوصاً لدى القائمين على العملية الإعدادية بالدرجة الأولى من خلال المصداقية والبعد عن الأهواء في النشر والمحسوبيات والمجاملات، أي أنه لا يصح إلا الصحيح وأن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب أو القناة المناسبة خصوصاً في التحرير الشعبي الذي يئن الآن تحت وطأة وسيطرة من لا يعون ولا يفقهون في معنى ذلك الأدب ممن وجدوا لهم مكاناً وجاهزية لجعل الأدب جانباً والعمل على حب الظهور والبروز بطريقة غير صحيحة. الانتشار السريع والسباق المحموم الآن من الإصدارات الشعبية، يظنه البعض رقياً على مساحات هذا الأدب الشعبي بما هو عليه الآن من نماذج طغت أحداثها على الساحة، فأصبح الكل يصدر مجلة والكل ينشيء قناة فضائية والكل يحيي أمسية شعرية وأصبح الكل يخوض في هذه الساحة الشعبية التي يجب أن تكون راقية بما فيها من مجلات وقنوات وأدوات إعلامية. وكما هو معروف أن المتمرس في الأدب الشعبي وساحته لم يصل إلى ذلك التمرس إلا بعد معاناة طيلة سنوات عديدة عندما لم يكن لدينا سوى صفحة أو صفحتين شعبيتين وكذلك من خلال الخبرة والتجارب التحريرية، وهؤلاء نجدهم قد اختفو الآن في ظل ظهور الجديد الذي نعيشه الآن إذ أصبح التحرير الشعبي يقوده الآن من لم يكتسبوا الخبرة وليس لديهم مقومات التحرير الصحيح والراقي. وقد يتساءل البعض من المتابعين عن ماذا قدمت المجلات الشعبية مثلاً؟ للأدب الشعبي الآن.. وهل ساهمت في تطوره؟ أعتقد بأن الوضع هنا أخذ اتجاهاً مغايراً تماماً، حيث أصبحت الدعاية والإعلان هي الأولى تحت مسمى (مجلة شعبية) وهي للأسف بعيدة عن الأدب الشعبي أو عن صفة الشعبية لأن غلافها ديكور وصورة فتاة أو راقصة وممثلة وداخلها إعلانات (شامبو/كريمات) وغيرها ثم ينادون بتلك المجلة الشعبية التي تصدر أسبوعياً أو شهرياً. ثم نأتي ونقول نحن لا بد أن نحيي تراث الآباء والأجداد بينما نرى قصائد أولئك الآباء والأجداد في زوايا وردود القراء في بعض تلك المجلات. القنوات الفضائية الآن هي أيضاً عامل تطور ومن مقومات هذا التطور ولكن ينقصها الإعداد الجيد والتقديم الجيد أيضاً، إذاً لا بد من تأهيل المقدم والمعد خصوصاً في البرامج الشعبية التي أصبحت أغلب قنواتنا الفضائية الآن شعبية بحتة يتم فيها استضافة شعراء وعمل لقاءات شعرية معهم وكذلك ندوات وأمسيات شعرية مختلفة. إن الإشكالية بين المتلقي والقنوات الإعلامية الشعبية المختلفة هي عدم قدرته على التفريق بين الجيد والرديء أو بالأصح عدم مقدرته على وجود المبدع في فضاء الساحة الشعبية يضاف إلى ذلك غياب النقد البناء الذي هو في الحقيقة عامل هام من عوامل بناء أدبنا الشعبي، ومن هنا لا بد من وقفة جديدة وإعادة حسابات لهذا الأدب، بل إعادة النظر أيضاً من قبل المهتمين إن وجدوا ليحصل الرقي الذي نسعى إليه بعيداً عن الدعاية والإعلان وإعطاء أصحاب الخبرة زمام الأمور في التحرير ليصبح قوياً وشامخاً يرقى بالذائقة.