عندما طرحتُ في الأسبوع الماضي قضية أننا كلنا داخل دائرة الأوصياء الجدد (مُوصى علينا أو أوصياء على غيرنا) يساء الظن بنا، ونمارس إساءة الظن بالغير من منطلق تميز مطلق في الأحكام، ومعتقدات تدافع عن الصور المقلوبة دون أن ترى ملامحها .. مقابل ذلك قد يلوذ بالصمت دائماً من يُساء الظن به تجنباً لما هو أسوأ. اكتشفت ان الحقيقة في لحظة الاشتعال قد لا تكون مسموعة، أو واضحة. يقول برجسون (مساحة الحقيقة صغيرة، ومساحة الخطيئة شاسعة). في حادثة المرأة التي سجنت جارها هناك تجاهل لحقوق الجار، التي ذكرها الله تعالى في سورة النساء آية 36قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم، ان الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً). وقال صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) وقال صلى الله عليه وسلم (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الايمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله). أخرجه الترمذي، وقال حسن صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه) وقال صلى الله عليه وسلم (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن: قالوا من يا رسول الله قال: من لا يأمن جاره بوائقه). ولنتصور نمطاً من التفكير يسود في ان يبلغ كل جار عن جاره بالحق، أو الباطل ماذا سيحدث: هل ستكفي مراكز الشرطة لهذا العدد الهائل من المواطنين المُبلغ عنهم من قبل جيرانهم؟ دون شك ليس هناك من يشجع على الفساد في المجتمع، ولكن الفضيحة دائماً ليست الحل وفي حديث معاوية انه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انك إذا تتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت ان تفسدهم). الإمام الغزالي ذكر انه يشترط في انكار المنكر ان يكون المنكر ظاهراً بغير تجسس فكل من ستر معصية في داره وأغلق بابه، لا يجوز ان يُتجسس عليه وقد نهى الله تعالى عنه. وعن التجسس من مخطوطة كتاب لأحد علماء السادة الشافعية في القرن الثامن الهجري العلامة ولي الدين بن أحمد العثماني الشافعي المتوفي سنة 774ه وكان صديقاً للعلامة تاج الدين السبكي. يقول إن التجسس على الشخص لاستعلام جلية أمره فلا يجوز انكار إلا المنكر الظاهر من غير تجسس لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من رأى) ولم يرتب الإنكار على شيء آخر غير الرؤية كغلبة الظن أو حتى العلم، فلم يقل من ظن منكم وجود منكر، أو علم منكم بوجود منكر فلينكره، واعتماداً على هذا الفهم للحديث ذكر العلماء انه لا يجوز ان تكشف شيئاً مغلقاً، ولا ان يفتش شخصاً ليبحث عن المنكر، وأشار المؤلف إلى ملاحظة ذكية وهي ان التجسس وتتبع عورات الناس يؤدي إلى الفساد أكثر من كونه إصلاحاً واحتج بقول الله تعالى (ولا تجسسوا). أما هتك ستر الله على الشخص وذلك بفضحه والإنكار عليه علناً فإن الواجب ان الانكار يكون في السر والستر على الشخص في الجهر. روي أن عمر رضي الله عنه (تسلق دار رجل فرآه على حال مكروهة فأنكر عليه، فقال يا أمير المؤمنين إن كنت أنا قد عصيت الله من وجه واحد، فأنت قد عصيته من ثلاثة وجوه، فقال وما هي فقال قد قال الله تعالى (ولا تجسسوا) وقد تجسست، وقال تعالى: (وأتوا البيوت من أبوابها وقد تسورت السطح) وقال تعالى (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها وما سلمت) فتركه عمر وشرط عليه التوبة. البعض يرى أن هناك طرقاً أخرى لتقويم المعوج، وهي النصح ولكن هنا تبرز قضية اننا كلنا ناصحون ونحن قد لا نكون مؤهلين احياناً للنصيحة وفي المقابل قد لا يكون لها مردود ايجابي على الآخر. ما هو المطلوب لمواجهة الأوصياء الجدد: هل على كل مواطن أن يكون لديه دائماً كشف حساب جاهز لتقديمه إن أوقعه حظه العاثر أمامهم؟ لماذا دائماً نشتبه بالآخرين من منطلق سوء الظن؟ ولماذا تظل الوصاية مرتبطة بسوء الظن دائماً؟ (يتبع بعد غد)