كثرت الأقاويل وتنوعت الاجتهادات في الآونة الأخيرة حول تفسير أزمة الدقيق التي تعيشها أكثر من منطقة من مناطق المملكة منذ مدة، هذه الأزمة التي تمس شريحة كبيرة جداً من المجتمع السعودي سواء من طالبي العمل أو المستهلكين الذين يعتمدون على مادة الخبز في كافة وجباتهم على مدار اليوم تسببت بإغلاق العديد من المخابز وتوقفها عن العمل، وتلك التي لم يتوقف عملها طالت الأزمة حجم رغيفها فأصبح رغيفاً صغيراً هزيلاً، ومخابز أخرى أبقت على حجم أرغفتها ولكن قلصت عددها من خمسة أرغفة إلى ثلاثة مقابل الريال الواحد. ومن بين التفاسير العديدة التي حاولت العثور على اللغز الكامن وراء أزمة الدقيق ان السبب الرئيسي والوحيد وراء هذه الأزمة هو متعلق ب "مافيات خبزية" تتشكل بين الموزعين الذين يتلاعبون بهذه المادة على هواهم ولتحقيق مصالح ضيقة، فيما يرى آخرون أن موزعي الدقيق السعوديين شكلوا بالاشتراك مع وافدين ما يشبه سوقاً سوداء بواجهة سعودية تتكامل حلقاتها لتصل إلى أيدي وافدين ويباع فيها كيس الدقيق الواحد بسعر أضعاف مضاعفة. سبب آخر وراء ظاهرة شح الدقيق تم الكشف عنه مؤخراً ويتمثل في استخدام الدقيق علفاً للحيوانات بدلاً من مادة الشعير نظراً للغلاء الذي ألقى بظله على كافة مواد العلف الغذائي الحيواني، فلجأ المزارعون ومربو المواشي إلى الاستعاضة عن علف الشعير الغالي المخصص للحيوان بالدقيق ذا السعر المدعوم من الدولة والمخصص لغذاء الإنسان إنقاذاً لتجارتهم من الكساد وفراراً من موجة الغلاء التي طالت البلاد والعباد، مما حدا ببعض العلماء إلى إصدار فتوى تحرم على المزارعين استعمال الدقيق علفاً للبهائم حتى لو اشتروه بحر مالهم، وتجرم تسريب هذه المادة لأصحاب المواشي، دون توزيعها على أصحاب المخابز ومن يستحقها من الآدميين! ومما يزيد "العجين" بلة، قيام بعض الأشخاص بتهريب الدقيق إلى خارج المملكة للاستفادة بطريقة غير مشروعة من الدعم الحكومي لأسعار الدقيق بوصفه مادة رئيسية لا كمالية في حياتنا، حيث يحاول هؤلاء استغلال رخص سعر الدقيق النسبي في المملكة مقارنة بدول أخرى فيقومون بتهريبه خارج البلاد لبيعه بالسعر العالي هناك، وهم بذلك يعرضون الاقتصاد الوطني لمشاكل هو في غنى عنها ويشاركون بغير وجه حق في التأثير السلبي على حياة المواطن والمقيم الذي تعود على نظام معين يتضمن وجود مادة الخبز على مائدته دائماً. وهنا نعيد تساؤلنا القديم الجديد أين هي جمعيات حماية المستهلك والسلطات المسؤولة عن ضبط الأسعار من هذا التلاعب والغلاء؟ هل تلام الدولة على دعمها لبعض السلع الضرورية مما يتيح للبعض استغلال هذا الدعم في تحقيق مآرب شخصية أو فئوية؟ هل من الكافي أن تعلن المؤسسة العامة للصوامع ووزارة التجارة أن الكميات الموزعة من الدقيق لم يطرأ عليها أي تغيير، وأن تشير هاتين الجهتين إلى أسباب المشكلة بدون اتخاذ الاجراءات اللازمة لإزالة هذه الأسباب؟ وهنا نضغط على الذاكرة، ونستعيد أحداث الثورة الفرنسية حين تساءلت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت عن سبب غضب الشعب فقيل لها "إن الفقراء لا يجدون خبزاً يأكلونه" فأجابت بمقولتها الشهيرة "إن كانوا لا يجدون الخبز... فليأكلوا البسكويت"! وفيما يخص غلاء الخبز يقال ان رئيسا عربيا أراد الخروج لاستطلاع أوضاع الشعب فمر بمخبز ازدحم الناس أمامه وكان متنكراً بهيئة مواطن عادي وعندما طلب شراء رغيف خبز وجد انه أصغر من الحجم المقرر والمعتمد في الدولة، ونظر فوجد صورة كبيرة له تتصدر وسط جدار المخبز، وهنا كشف عن هويته الحقيقية وقال مخاطباً الخباز "كان من الافضل أن تكبر حجم الرغيف وتصغّر حجم صورتي"!! @ المدير الإقليمي لمكتب دبي