بمجلس الأسرة الجانبي الصغير الذي تجتمع به الأسرة وضع تلفزيون على سطح الطاولة، بينما تكدست بالأرفف السفلى العديد من الأجهزة المتصلة بالأطباق الفضائية للبث المرئي.. يقابل المجلس البسيط مجلس آخر معد للضيوف قد صمم على أحدث طراز لا تشرع أبوابه ولا تضاء مصابيحه سوى للضيوف بالمناسبات القليلة.. تبعثرت الوسائد حول المجلس العربي الدافئ بسبب العراك الذي تم فضه منذ دقائق بين حمودي وأخيه.. وبعد توجيه التعليمات إليهم بعدم الحركة من الأم وهي تلوح بيدها متوعدة. أنا رايحة مشوار لو قالت لي الشغالة إنكم تحركتوا من أماكنكم يا ويلكم مني.. ثم تشير للخادمة: شغلي لهم التلفزيون وبلغيني إذا تهاوشوا. تخرج وخلفها البعل الموقر دون أن تحين منه التفاتة فأمور التربية من اختصاص المدام ذات المستوى التعليمي العالي والمنصب الإداري المرموق.. يجلس حمودي يفرك أذنه المتورمة من شدة الألم بسبب الصفعة التأديبية التي تلقاها.. يتمدد بخمول أمام الشاشة لحظات قليلة كانت كافية لإعادة المياه إلى مجاريها والصفاء بينهما يقتربان من بعضهما بانسجام أمام المسلسل اليومي. فجأة تقتحم المكان أختهما الصبية الجميلة بخطوات سريعة وتأخذ مكانها خلفهما.. المسلسل الخليجي يسيطر بصياح أبطاله وإيقاعاته الموسيقية الصاخبة التي تتخلل الأحداث بقوة على مدارك الصغيرين أكثر من تأثرهما بمساحيق التجميل التي تراكمت على ملامح الممثلات لعدم إدراكهما وصغر سنهما.. ولكن الصغير يتحرك بفضول ويتململ بمكانه بحثاً عمن يوجه له السؤال الملح الذي يقذف بنفسه على طرف لسانه فيهمس بإذن حمودي: حمودي ليش هجمت عليها وش تبي فيها.. ليش خدرتها بالإبرة وفتحت أزارير بلوزتها.. ينظر حمودي له أسكت ما أدري.. بينما أختهما تتحدث بالهاتف مع صديقتها: شفت المشهد اللي قبل شوي خطير والله..!! هالممثلة جريئة بزيادة.. تصور أدوار الشذوذ بمهارة.. يلتفت حمودي تجاه أخيه. سمعت وش قالت.. تقول أختي شذوذ.. فيستدرك الصغير: شلون شذوذ..!! يرد حمودي والله ما أدري بس الظاهر تحب صديقتها وتبي تتزوجها.. يرد بتعجب وبراءة: تتزوجها..!! أنت مجنون.. فيضحكان والدهشة بادية عليهما يرتفع صوت الأخت: هاي اسكتوا نبي نتابع المسلسل أروح بغرفتي أتابع أحسن لي.. انتهى المشهد بل والمسلسل ولم تنته أسئلة الصغيرين، بل ناما بعد التهام وجبة الأندومي قبل أن يطرحا الأسئلة ولكنها بالغد ستلح عليهما حتماً بالظهور مجدداً مع الحلقة الجديدة.. وأخيرا: وماذا بعد تلك المسلسلات يا مؤلفي ومنتجي وممثلي الخليج.. ماذا ستطرحون بعد أن أصبح لكم السبق الأكبر والجرأة بتخطي الحواجز والخطوط الحمراء عبر شاشة الأسرة الصغيرة الموجهة لكل فرد من أفرادها، بينما تلك الأمور والقضايا مهما كانت درجة انتشارها لا تتعدى دور السينما وأفلام الفيديو عند الدول العربية المجاورة ليس عجزاً منهم أو عدم توفر لنص أو موهبة بل حفاظاً على خصوصية بيوتهم ومراعاة لمدارك صغارهم.. مع زيادة الوعي أصبحت حاجتنا أكبر من وجه ملون أو عرض لجسد وديكور وأزياء.. أو قضية جريئة تصور بالصوت والصورة تصيب المشاهد بالحرج والخجل أمام نفسه وأطفاله بمعقل داره دون مراعاة للفطرة السليمة التي تستنكر ما يخدش الحياء ويدعو للتمرد بمشاهد تشيع معها الفاحشة بعد أن تصبح مألوفة معتادة غير مستنكرة..