في أحدث تحركاته بخصوص التعريفات الجمركية، ضغط الرئيس الأميركي دونالد ترمب على زر التوقف لمدة 90 يوماً باتجاه العديد من دول العالم، في المقابل، ضغط ترمب بقوة على زر السرعة باتجاه الصين لتقفز الرسوم إلى 125 %، وما بين الزرين تقف الأسواق والمستثمرون والمستهلكون في حيرة من أمرهم، وهنا يبدو السؤال: لماذا علق ترمب الرسوم الجمركية على نطاق واسع؟ الإجابة بسيطة: التكلفة الاقتصادية على الولاياتالمتحدة باهظة للغاية، وهذا يؤكد أننا نتعامل مع أسوأ رسوم جمركية في التاريخ، رسوم معاكسة لاتجاه 90 عاماً من السياسة الأميركية، وإذا كان ترمب يعترف بأن رسومه ستسبب «بعض الألم، لكنها تستحق الثمن الذي يجب دفعه»، فإن رسومه، على أقل التقديرات، سوف ترفع من تكاليف الأسرة المتوسطة إلى أكثر من 1200 دولار سنويًا. من الواضح أن الولاياتالمتحدة كانت ستواجه خسائر فادحة وفورية في فرص العمل، والاستثمار، والنمو، والأهم من ذلك، الاستهلاك الحقيقي، وهو أفضل مقياس لمستويات معيشة الأسر، وفي ظل سيناريو ما قبل التوقف، كان من المتوقع أن ينخفض الاستهلاك الحقيقي في الولاياتالمتحدة بنسبة 2.4 % في عام 2025 وحده، وكان من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.6 %، في حين سينخفض التوظيف بنسبة 2.7 %، وينخفض الاستثمار الحقيقي بعد التضخم بنسبة 6.6 %، وهذه ليست تعديلات طفيفة، بل تُمثل انكماشات كبيرة ستُلمس في الحياة اليومية، بدءًا من فقدان الوظائف، مرورًا بارتفاع الأسعار، وصولًا إلى انخفاض القدرة الشرائية للأسر، ونظرًا لأن معدل البطالة الحالي في الولاياتالمتحدة يبلغ 4.2 %، فإن هذه النتائج تُشير إلى أنه مقابل كل ثلاثة أمريكيين عاطلين عن العمل حاليًا، سينضم إليهم اثنان آخران. تعتبر التعريفات الجمركية محورية في البرنامج الاقتصادي لإدارة ترمب، لذلك، لا يشير قرار ترمب بتعليق أجندته الجمركية الأوسع إلى تحول في فلسفته، بل هو مجرد تراجع تكتيكي، وربما تعكس استراتيجية ترمب المحدثة، التي تتضمن فرض رسوم مرتفعة على الصين ورسوم جمركية أقل على أماكن أخرى، محاولة لإعادة التركيز على المجالات التي ترى الإدارة الأميركية أنها تمثل مصدر قلقها الاستراتيجي الرئيسي، مع تجنب ردود الفعل السلبية غير الضرورية من الحلفاء والشركاء المحايدين، والواقع، أن ترمب يعشق كلمة «رسوم جمركية» ويعتبرها «أجمل كلمة في القاموس»، وربما كان يتعين عليه أن يترك القاموس جانباً ويقلب في التاريخ، والذي يؤكد أن حجم ونطاق التعريفات الجمركية الراهنة يعودان إلى قانون التعريفات الجمركية سموت-هاولي الذي صدر في الولاياتالمتحدة عام 1930، والتي كانت تهدف في البداية إلى تقديم الدعم للقطاع الزراعي الأميركي المثقل بالديون في عشرينيات القرن العشرين، وحمايته من المنافسة الأجنبية. وبالرغم من أن أكثر من ألف خبير اقتصادي ناشدوا الرئيس هربرت هوفر آنذاك، باستخدام حق النقض ضد قانون سموت-هاولي، فقد تم توقيع القانون، وفرضت بالتالي، ضرائب بلغ متوسطها نحو 40 % على 20 ألف صنف من السلع المستوردة، وأدى هذا إلى تراجع حاد في تجارة الولاياتالمتحدة مع الدول الأخرى، وخاصة تلك التي اتخذت إجراءات انتقامية، ويعتقد معظم الخبراء أنه أدى على نطاق واسع إلى تفاقم أزمة الكساد الكبير، فتقهقر إجمالي الواردات الأمريكية إلى النصف، وامتدت آثار ذلك إلى جميع أنحاء العالم، حيث أدت السياسات الحمائية إلى انخفاض بنسبة 25 % في التجارة العالمية، مما أدى بشكل غير مباشر إلى خلق عوامل اقتصادية قادت إلى انفجار الحرب العالمية الثانية.