تتراجع قوات الدعم السريع في حربها المستمرة منذ قرابة عامين مع الجيش السوداني بسبب الأخطاء الاستراتيجية والانقسامات وصعوبة توفير الإمدادات، وفق ما يرى محللون. حقق الجيش أخيرا مكاسب كبيرة عكست مسار الحرب التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأكثر من 12 مليون نازح منذ اندلاعها في (نيسان) أبريل 2023. ففي (كانون الثاني) يناير استعاد الجيش في وسط السودان مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، قبل أن يستهدف العاصمة الخرطوم. وفي غضون أسبوعين، استعادت قواته مقرها الرئيس في العاصمة وسيطرت على مصفاة الجيلي النفطية، وهي الأكبر في البلاد، شمال الخرطوم. وقال كاميرون هدسون، الباحث في برنامج إفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، لوكالة فرانس برس «سجلت قوات الدعم السريع نجاحا أكبر في بداية الحرب لأنها كانت مستعدة بشكل أفضل.. فقد حصلت على الكثير من الأسلحة ونشرت قواتها بشكل جيد، في حين فوجئ الجيش بذلك». لكن اليوم، تواجه قوات الدعم السريع صعوبات أكبر في الحصول على الأسلحة، وضعُفت جهودها في التجنيد. وأضاف هدسون أن الافتقار إلى التدريب لدى العديد من المقاتلين يجعلهم غير قادرين على خوض المواجهات الطويلة الأمد، أما الجيش «فقد كان لديه الوقت الكافي لجمع صفوفه وإعادة بناء قواته وإعادة تسليحها». منتشر ومكشوف وقال ضابط سوداني سابق: إن الجيش السوداني وسَّع قاعدته، وحشد المتطوعين والمجموعات والحركات المتحالفة معه والفروع الأخرى من أجهزة الأمن. وأعاد الجيش تشكيل قوات العمليات الخاصة، وهي جزء من أجهزة الاستخبارات، تم حلها في عام 2019. وقال الضابط السوداني السابق لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته: إن هذه الوحدات «مدربة على حرب المدن وتضطلع بدور أساسي في القتال». وقال إيريك ريفز، الباحث في معهد ريفت فالي، إن هذه القوات ساهمت في تغيير استراتيجية الجيش الذي كان يعتمد حتى ذلك الحين على الضربات الجوية والمدفعية فقط. أما قوات الدعم السريع فأنهكها توسيع خطوط الجبهة على نحو كبير، حتى باتت مسافة تزيد على 1200 كيلومتر تفصل معاقلها في دارفور، وهو إقليم شاسع في غرب السودان، عن الخرطوم التي يسعى الجانبان للسيطرة عليها. ويقول خبراء والأممالمتحدة إن قبائل دارفور قدمت الدعم لقوات الدعم السريع، في حين حصلت على الدعم عبر حدود الإقليم مع تشاد وليبيا. وقال ريفز: «إنها في محاولتها للتوسع في وسط السودان وشرقه، وسَّعت رقعة انتشار قواتها على نحو خطير». وأوضح حامد خلف الله، وهو باحث سوداني مقيم في المملكة المتحدة، أن الهجمات المتكررة التي يشنها الجيش، خصوصا في شمال كردفان، جعلت إعادة إمداد قوات الدعم السريع «صعبة وخطيرة». ولكن إلى جانب الأمور اللوجستية، قال ماغنوس تايلور، نائب مدير مشروع القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية: إن «قدرتها على قيادة قواتها بطريقة متماسكة ومنظمة في مختلف أنحاء البلاد واجهت ضغوطا شديدة». وفي ود مدني، أدى انشقاق أبوعاقلة كيكل، القائد السابق لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، وانضمامه إلى الجيش نهاية العام الماضي، إلى إضعافها. تغيير التكتيك لكنّ هذه الانتكاسات لا تعني أن قوات الدعم السريع هُزمت، ولا أن نهاية النزاع باتت وشيكة. يقول المحللون إن هذه القوات تعمل على تكييف استراتيجيتها فتقوم باستهداف البنية التحتية المدنية في وسط السودان في حين تطبق قبضتها على دارفور. وفي الأسابيع الأخيرة، ضربت محطات توليد الكهرباء وأكبر مصفاة للنفط في السودان والمستشفى الوحيد العامل في الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وسوق أم درمان. وقال هدسون: «يبدو أن استراتيجيتهم تقوم على إحداث حالة من الفوضى. إنهم يستهدفون المدنيين... لمعاقبة الشعب والدولة». ورغم هذه الانتكاسات، يظل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو عازمًا على مواصلة القتال. وفي خطاب عبر الفيديو مؤخرًا، تعهد إخراج الجيش من الخرطوم. ولكن الهدف الرئيس لقوات الدعم السريع يقع على مسافة ألف كيلومتر غرب الخرطوم، وهو الاستيلاء على الفاشر، المدينة الكبرى الوحيدة في دارفور التي ما زالت خارج سيطرتهم. والفاشر المحاصرة منذ (أيار) مايو 2024، قد تصبح اليوم الهدف الرئيس لقوات الدعم السريع التي يُرجح أن تجند كل قواتها للسيطرة عليها. وقال هدسون: «إذا نجحوا، فإن الانقسام الفعلي للبلاد سوف يترسخ بشكل أكبر»، في ظل سيطرة الجيش على وسط السودان وشرقه وشماله. وأضاف لوكالة فرانس برس أن «قوات الدعم السريع ستكون في موقع جيد في المفاوضات، لأنها ستسيطر بذلك على ثلث البلاد». «جحيم» حرب دارفور كان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أكد أنّ جيلًا جديدًا من السودانيين يعاني «الجحيم» نفسه في دارفور كما حدث خلال الحرب الأهلية في أوائل القرن الحالي، وذلك بينما يستعد لطلب إصدار مذكرات توقيف. وقال خان الذي يستعرض الوضع في السودان كلّ ستة أشهر أمام مجلس الأمن الدولي، «من الواضح بالنسبة إلى مكتبي (...) أنّه بينما نتحدث، يتم ارتكاب جرائم دولية في دارفور». وأوضح أنّ «هذا ليس تقييمًا مبنيًا على معلومات غير مؤكدة. إنّه تحليل مفصّل أجراه مكتبي، بناء على أدلّة ومعلومات تمّ جمعها والتحقّق منها». وفي هذا السياق، أضاف «يمكنني أن أؤكد اليوم أنّ مكتبي يتخذ الإجراءات اللازمة لتقديم طلبات لإصدار مذكرات توقيف في ما يتعلّق بالجرائم، التي نعتقد أنّها تُرتكب وارتُكبت في غرب دارفور». وفيما تطرّق المدعي العام إلى المجاعة واستهداف الأطفال واغتصاب الفتيات والنساء، أشار إلى أنّه منذ تقريره الأخير الصادر قبل ستة أشهر، انزلقت البلاد التي تشهد حربًا منذ (نيسان)أبريل 2023، في «المعاناة والبؤس» بشكل أكبر. وأضاف أنّ هذه المعاناة «تعكس» تلك التي أدّت إلى إحالة هذه القضية من قبل مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة قبل عشرين عاما، مشيرًا إلى «النماذج الإجرامية» نفسها و»المجموعات المستهدفة نفسها». وأكد أنّ «جيلًا جديدًا يعاني الجحيم نفسه الذي عانت منه أجيال في دارفور»، معربًا عن أسفه لهذا الارتباط «المأساوي والذي يمكن تجنّبه» بين الماضي والحاضر. وفي العام 2023، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا جديدًا في جرائم حرب في هذه المنطقة المتضرّرة أيضًا من النزاع الجديد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والذي بدأ قبل عامين تقريبًا. وكان مجلس الأمن الدولي أحال في العام 2005 القضية المتعلّقة بالحرب الأهلية التي خلّفت حوالي 300 ألف قتيل في بداية القرن الحالي. وحذّر كريم خان من أنّه «بعد عشرين عامًا، وفي غياب تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن القاضي، نرى خطر زعزعة استقرار دارفور، ومزيدًا من المعاناة بالنسبة إلى السكان». ولم يتمّ إلقاء القبض على العديد من الأشخاص الصادرة بحقهم مذكرات اعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية، كما لم يتم تسليمهم إلى المحكمة، بما في ذلك الرئيس السابق عمر البشير. وقال المدعي العام: إنّ مكتبه يعتقد أنّه يعرف مكان وجود أحمد هارون الوزير السابق المطلوب منذ العام 2007 بتهمة ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب، موضحًا أنّه أبلغ السودان بهذا الشأن.