برز مفهوم "اقتصاد الانتباه" كمحورٍ أساسي لفهم كيفية إدارة وتوجيه الانتباه البشري، الذي يُعتبر أحد أهم الموارد النادرة في العصر الرقمي، حيث يعتمد على حقيقة أن وقت الإنسان وقدرته على التركيز محدودة، بينما يزداد حجم المحتوى والمعلومات المتاحة بشكلٍ هائل. ولذلك، أصبحت المنافسة على جذب انتباه الأفراد من أولويات الكثير من الشركات والمؤسسات. واليوم، "اقتصاد الانتباه" هو نموذجٌ اقتصادي يركز على استغلال الانتباه البشري كسلعةٍ قيمة. بمعنى آخر، يمكن تشبيه الانتباه بالنفط في القرن الحادي والعشرين؛ فهو مورد محدود ويحتاج إلى استراتيجيات ذكية لاكتسابه. وتعمل الشركات التقنية ومنصات التواصل الاجتماعي على تصميم خدماتها بطريقةٍ تحفّز المستخدمين للبقاء أطول فترة ممكنة، ما يُترجم إلى أرباحٍ من خلال الإعلانات واستثمار البيانات، إذ تعتمد الشركات على مجموعةٍ من التقنيات لجذب الانتباه، أبرزها الخوارزميات الذكية التي تقوم بتخصيص المحتوى وفقاً لاهتمامات وسلوكيات المستخدمين، والإشعارات الفورية التي تُستخدم لإعادة توجيه انتباه الأفراد إلى التطبيقات والمنصات، إضافةً إلى التصميم النفسي الذي يستغل علم النفس لجذب الانتباه وزيادة التفاعل. وعلى الرغم من أن "اقتصاد الانتباه" أسهم في تحسين الوصول إلى المعلومات والتفاعل الاجتماعي، ومكّن مستخدمي التقنية من الوصول إلى مصادر تعليمية وترفيهية، وحسّن التواصل العالمي، إلا أن له تأثيرات سلبية، مثل الإرهاق الذهني نتيجة الاستهلاك المستمر للمحتوى، والتشتت الرقمي، حيث يصعب على الأفراد التركيز على مهمةٍ واحدة بسبب التدفق المستمر للإشعارات، والتأثير الاجتماعي، إذ أدى التنافس لجذب الانتباه إلى تصميم محتوى مثيرٍ للجدل. كما أن التأثير يمتد إلى الصحة النفسية للأفراد، حيث أظهرت الدراسات أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الرقمية يمكن أن يؤدي إلى مشكلات مثل القلق والاكتئاب. وهذا ما يتطلب ضرورة تعزيز الوعي الرقمي ومساعدة مستخدمي التقنية على إدارة وقتهم وانتباههم بفعالية، ووضع حدودٍ للتأثير السلبي للتقنية، بالإضافة إلى أهمية حثّ الأفراد على تطوير مهاراتهم في إدارة الوقت والتركيز، والاستفادة من التكنولوجيا بشكلٍ متوازن، والحصول على الفائدة دون التأثير السلبي على الصحة النفسية والجسدية، وفي خضم هذه البيانات التي نتعرض لها يومياً، فإن "اقتصاد الانتباه" ليس فقط مفهوماً اقتصادياً بل واقعاً نعيشه بمختلف السياقات. وفهم هذا الاقتصاد وآثاره يمكن أن يساعد الأفراد والمجتمعات على تحقيق توازنٍ بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على مواردهم النفسية والعقلية، مع ضمان استدامة هذا المورد في المستقبل.