(اليمين المغلظة والمذاهب والنقا والمعدال ضمان لتنفيذ الحُكم زمان، والبشعة لبراءة المتهم من عدمها، والنقف لإحضار الخصوم)، جميعها مسميات قديمة تنقل لنا واقع القبيلة ودورها في الإصلاح بين المتخاصمين من خلال التقدير والاعتبار لحكماء القبيلة ومشايخها الذين يحكمون بالعدل ومن واقع القيم النبيلة والعادات المتوارثة التي تحث على العدل ومساعدة المحتاج وإنصاف المظلوم. وهنا أتحدث عن صورة من صور التآخي والقيم الجميلة المتوارثة في إمارة القوز في منطقة القنفذة، على لسان الوالد الخال علي بن عمر بن شيبة الناشري -رحمه الله- الذي كان أحد المحكمين والأمناء في ذلك الوقت، لما يمتلك من فراسة وذكاء، كان العضد الأيمن لوالدي -رحمهما الله-. يقول: كان في زمان قبل أكثر من سبعين عاماً تقريباً لا توجد محكمة في مركز القوز، وكانت الأحكام القبيلية والأعراف هي السائدة في المنطقة؛ تختار كل قبيلة رجالاً من أهل الصلاح والورع والعدل والصدق وأحياناً يستعينون ببعضهم من كل قبيلة لفض النزاعات بين المتخاصمين؛ حيث تعقد جلساتهم في الأسواق الشعبية وأحياناً من داخل أروقة الإمارة أو المخفر أو من بيت شيخ القبيلة، وأكثرها حقوقية، وزوجية، ومساقي البلاد، وحدود الأراضي التي تكثر فيها المضاربات النقف لإحضار الخصم هو عود من غصن الأثل أو الأراك يعطى من قبل شيخ القبيلة للمدعي لتسليمه للمدعى عليه، يعمل الشيخ في هذا النقف بالسكين بثلاث إشارات على العود في البداية والوسط والأخير، ويعطى للمدعي لتسليمه للمدعى عليه ويخبره بموقع الجلسة ويومها ووقتها، وهناك ضوابط هي أن يقوم كلا الطرفين بتسليم معدال من المقتنيات إما السيف أو جنبية أو بندقية ضماناً لتنفيذ الحُكم، ويعقد الجلسة المحكمين في حضور المدعي والمدعى عليه، فيجلسان أمام المحكمين ثم كلاً منهما يدلي بدلوه، وعندهم كما هو في الشرع «شاهداك، أو يمينه» في حال عجز أحد المتخاصمين عن إحضار البينة توجه له اليمين المغلظة، وعند ناس زمان أصعب ما يكون أن تحلف بالله وأنت فاجر، تحال دعواهم قبل الحكم لإصلاح ذات البين ألمجموعة من أهل الخير والصلاح، فإذا عجزوا يعود الأخصام للمحكمين لحلف اليمين أمامهم، فيطلبون من المدعي البينة ومن المُنكر اليمين، ويطلبون إحضار مجموعة من أقاربهم، ويعمل المحكمون لهم دائرة كبيرة في الأرض يدخلون فيها من توجه له اليمين وأقاربه، ويلقنهم المحكمون الأيمان المغلظة، وهي: (والله العظيم، هدام الظالمين، قاطع المال والبنين.. إلخ، إنني أنُكر دعوى فلان في دعواه) وتنتهي القضية بقبول أطراف النزاع. وكانت ضمن الأحكام البشعة وحديدة تسمى سنة، تحمى على النار ثم توضع على لسان المتهم للبراءة من عدمها، والنقا هو عندما يخطئ شخص بحق شخص فإن أقاربه يأخذونه إلى بيت المخطأ عليه، ويقومون بضرب المخطئ أمام بيت المخطأ عليه). اليوم، والحمد لله، بعد أن توفرت المحاكم، والتقاضي أصبح سهلاً، وأنت في بيتك تتعامل مع القضية عبر وسيلة التواصل الاجتماعي، الإنترنت، الأعلام المرئي، بخلاف السابق قبل أحداث محكمة بالقوز الشرعية كانوا يذهبون لإمارة القوز ثم لمحكمة القنفذة على زوامل وعبر أراضٍ صحراوية مخيفة يأخذون يوماً على الأقل في المسير من الصباح إلى بعد الغروب، ويمكثون أياماً في القنفذة، ثم العودة بنفس المأساة، اليوم بعد أن ألغيت محكمة القوز وضمت لمحكمة القنفذة، الطريق مسفلت سريع، وتوفرت السيارات في نصف ساعة، وأنت في القنفذة تتعامل مع بعض القضايا، وأخرى تتعامل معها عبر وسيلة التواصل الاجتماعي.