لا يملك المتابع المُنصف إلاّ أن يُسجّل تقديراً وتثميناً لبراعة المملكة في إدارتها لدفّة المجابهة لأفتك وأشرس الآفات العالمية؛ وهي المخدرات، ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي فقط؛ وإنما على المستوى العالمي؛ وهي براعة واحترافية أكّدتهما جهودها الحثيثة في مكافحة هذه الآفة المُدمّرة، والحد من أضرارها وخطورتها على الفرد والمجتمع؛ فضلاً عن دورها الفاعل وتعاونها البنّاء في دعم الجهود الدولية لمحاربة هذه الآفة؛ عبر رسم مسارات عديدة للتعاون كتبادل المعلومات، وتشارك الخبرة، والتجربة؛ والتاريخ يذكر للمملكة إنجازاتها اللافتة في كشف شبكات دولية وحماية دول من عمليات تهريب كبيرة في أرقامها وأحجامها، وضررها -لا سمح الله- لو نجحت في المرور، وهو ما يعكس وفاء المملكة وتعاونها المثمر في التعاون، وتفعيل الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى مجابهة ومكافحة المخدرات. ورغم من كل الجهود إلا أن خطر المخدرات يزداد يوماً بعد آخر وبشكل شرس، وباتت وباء عالمياً مرعباً لم ينجُ من شِباكه شعب ودولة على ظهْر الكرة الأرضية؛ وقد فاقم خطورة هذا التحدّي أن مشكلة المخدرات لم تعد كما كانت في السابق؛ بل نوّعت في أساليبها، وأضحت أعقد في المعالجة، وأشرس في آثارها التدميرية في ظلّ كثرة أنواع المخدرات؛ خصوصاً الأنواع الحديثة القاتلة، والمدمرة للنفس والبدن والحياة الاجتماعية السويّة؛ والتي يساعد في انتشارها رحابة المساحة في شبكات التواصل والاتصال الإجرامية. ويأتي استهداف المملكة عن طريق التهريب لهذه السموم القاتلة ليكشف خبث أساليب منظمات ودول إجرامية لا يُستغرب سلوكها الشرير الذي يفضح ما تضمره من عداء وحقد وغيرة وحسد بسبب المكانة التي تتميز بها المملكة من تفرّد وفرادة في الموقع والمكانة والتأثير، وهو ما يدعوها إلى محاولة تدمير شبابنا الذين هم عماد المستقبل ورهانه، والمُعَول عليهم في البناء، والتنمية، والإنجاز، وصناعة الحياة، ودورهم في الحفاظ على منجزات ومكتسبات ومقدّرات وطنهم. ومع أهمية كل الجهود المبذولة من حيث رفع الوعي حول واقع استهداف المملكة بالمواد المخدرة من خلال نشر معلومات القضايا وحجم الضبطيات وأنواعها وأساليب تهريبها ونقلها، إلاّ أن دور المواطنين والمشاركة المجتمعية الواعية والفاعلة باتت ضرورة لا خياراً؛ فأضرار المواد المخدرة ومكوناتها وتأثيراتها الخطيرة لا تقف عند تدمير العقل وسلب الإنسان صحته بل إنها تهدم البناء الأسري المتماسك؛ فهي متوالية بشعة من الهدر والنزف المرهق للمجتمعات والمدمّر لاقتصادها؛ وهو ما يستدعي وقفة حقيقية من المجتمع بأكمله بدءاً بالأسرة مروراً بالمدرسة، والشارع، والجامعة، وكل شرائح وأطياف المجتمع. فالأسرة هي عماد المجتمع وأُسّ بنائه وحصانته، ومتى ما استقام وعي أفرادها استقام المجتمع وأصبح مُسيّجاً ضد أي سلوك ضارّ أو اختراق من أي جهة كانت أفراداً أو جماعات أو دول. كما لا يمكن إغفال الدور التكاملي لنخب المجتمع وعلمائه وخطباء مساجده وكُتّابه وإعلاميّيه في توظيف جهودهم الفكرية والثقافية وتعزيز الجانب التوعوي بخطورة الحرب الشرسة التي تستهدف عقل وروح أفراد مجتمعه؛ وإعداد البرامج والدراسات والمناشط التي تُبصّر المجتمع بحجم الاستهداف الذي يستهدفهم؛ حتى نقطع الطريق على الأهداف الإجرامية التي لا تني محاولاتها الشرّيرة في تدمير شبابنا ومقدراتنا لدوافع يعرفها الجميع.