شاركتُ في الأيام الأولى لهذا النشاط وعشتُ حماس المشاركين والمشاركات رغم برودة الجو والمبيت في خيام صغيرة ينصبها الشخص بنفسه، أما المساء فيكون للسمر والمحاضرات المتعلقة بهذا النشاط وتبادل الخبرات ثم النوم مبكراً ليستيقظ الجميع مع أذان الفجر لمواصلة المسير بعد الإفطار.. طريق يبدأ من الكوفة في العراق الشقيق وينتهي بمكةالمكرمة مروراً بشمال المملكة ووسطها وبطول 1400 كلم، منها 1100 كلم داخل أراضي المملكة، ويعد هذا الطريق من أهم طرق الحج والتجارة خلال العصر الإسلامي وما قبله، وقد اشتهر باسم «درب زبيدة» نسبة إلى زبيدة زوج الخليفة هارون الرشيد وابنة أبوجعفر المنصور، والتي أسهمت في عمارته مما خلد اسمها على مرّ العصور. وقد استخدم هذا الطريق للحج والتجارة بين الجزيرة العربية والعراق، وقد اهتم الخلفاء العباسيون بهذا الطريق وزودوه بالمنافع وبناء أحواض المياه وحفر الآبار وإنشاء البرك وإقامة المنارات، كما قاموا بتوسعة الطريق ليستوعب المسافرين ودوابهم. وقبل أسابيع تم إحياء هذا الطريق بتنظيم نشاط رياضي مهم وهو المشي الطويل في الصحراء، أو ما يسمى ب»الهايكنج» وأضافوا له رياضة ركوب الإبل والخيل بمبادرة من اللواء الدكتور عبدالعزيز العبيداء خبير التنمية المناطقية في وزارة الاقتصاد والتخطيط، يساعده عدد من المتطوعين والمختصين من أبناء حائل، ودعم من إمارة حائل ودوائرها الحكومية ومن رعاة المبادرة، لتكون المسيرة بطول 420 كلم تبدأ من الشيحيات قرب لينة في الشمال وحتى مركز البعايث على حدود منطقة القصيم، مروراً ببلدة فيد التاريخية في حائل ولمدة ستة عشر يوماً. وحال الإعلان عن المشاركة في هذه المبادرة بادر بالتسجيل أكثر من ثماني مئة رجل وسيدة من مختلف مناطق المملكة ومن ثلاث عشرة دولة، علما بأن المنظمين يهدفون لقبول 80 مشاركا فقط بين مشاة وركائب وخيل. شاركتُ في الأيام الأولى لهذا النشاط وعشت حماس المشاركين والمشاركات رغم برودة الجو والمبيت في خيام صغيرة ينصبها الشخص بنفسه، أما المساء فيكون للسمر والمحاضرات المتعلقة بهذا النشاط وتبادل الخبرات ثم النوم مبكراً ليستيقظ الجميع مع أذان الفجر لمواصلة المسير بعد الإفطار. وقد تم المرور على كثير من الآثار التاريخية والآبار والبرك والمشي في تضاريس مختلفة تتراوح بين السهول والرمال، مما يجعله مهيّأً ليكون مساراً عالمياً يقصده هواة المشي وركوب الإبل وعاشقو التاريخ على غرار ممشى الحج الموجود شمالي إسبانيا تحت مسمى (طريق سانتياغو ديكومبوستيلا) وهو طريق الحجاج إلى مقام القديس جيمس في كاتدرائية سانتياغو دي كومبوستيلا شمالي غرب إسبانيا، وأصبح مفضلاً لهواة المشي في الهواء الطلق وركوب الدراجات في الجبال وبأعداد تقارب الثلاث مئة ألف كل عام، وكل ما يحتاجه المشارك سرير ينام عليه وعشاء وإفطار وحمام ساخن. السياحة البيئية حين ترتبط بتاريخ مهم أو إلى مكان مقدس، يقصده عشاق المشي الجبلي أو في الصحراء بسحرها وجمال ليلها وروعته وهدوئه، هذه الأنشطة جاذبة للمشاركين من مختلف مناطق العالم، بعضهم يحب المشي وحيداً أو مع مجموعة، ومنهم من يستمتع بمشاهدة النجوم وروعة الصحراء في الليل كتجربة تستحق شدّ الرحال إليها. أحد المشاركين في درب زبيدة وهو نايف الجهني قاد قبل مجيئه مجموعة من المشاة مدة خمسة عشر يوماً للسير على درب الهجرة من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة، وهو الطريق الذي سلكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين هاجر إلى المدينة، وهذا سيجلب الكثير من محبي المشي وزيارة مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة. المملكة غنية بالمواقع الأثرية والتاريخية، ما يهيئها لاستقبال أعداد كبيرة من هواة المشي وركوب الخيل والإبل والدراجات الهوائية بشرط توفر الإمكانات البسيطة من سكن ووجبات ودورات مياه نظيفة، وتسهيل إجراءات الحجز عن طريق المؤسسات التجارية المختصة دون الحاجة إلى المرور بكل ما مرّ عليه كل من منظمي درب زبيدة أو درب الهجرة من إجراءات ومتطلبات كثيرة من مختلف الدوائر الحكومية. في مسارات المشي العالمية كل ما تحتاجه هو تأشيرة الدخول إلى البلد وحجز المكان المناسب للسكن والمؤسسات المختصة تتولى التنظيم، هذا هو المعمول به في مسارات كثيرة كجبال الهملايا وجبال الألب وغيرها من المسارات المنتشرة حول العالم. كما يوجد في جنوب المملكة مسارات كثيرة وجميلة يمكن أن تسهم في إحياء القرى الواقعة على الطريق مما سيخلق الكثير من الوظائف الموسمية كما فعلت قافلة درب زبيدة حيث أوجدت أكثر من 30 وظيفة لشباب المنطقة، وساهمت في إحياء الهجر والقرى التي عبروها من خلال تأمين مشترياتهم اليومية والوجبات للمشاركين، كما تبرع أحد المشاركين بملغ مئة ألف ريال للجمعية الخيرية في البعايث، وهذا النوع من النشاط يسهم في نشر ثقافة المشي، والوعي بأهمية البيئة ونظافتها.