يقودنا التعامل مع البعض إلى الحديث عن النرجسية التي هي بمفهوم مبسط عبارة عن اضطراب يتضخم فيه شعور الشخص بأهميته وتتولد لديهِ حاجة ماسة لأن يكون موضع الإعجاب عند الجميع، وتتدنى لديهِ مشاعر التعاطف مع الآخرين، ويزداد شيوع خلل الشخصية النرجسية عند الرجال من دون معرفة السبب، ولكن يتضمّن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية المحيطة بالشخص. وهذا يقودنا إلى التعريف العام للنرجسية التي تعني كذلك حب النفس أو الأنانية وهو اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين. والنرجسية هي كلمة تنسب إلى أسطورة يونانية، ورد فيها أن (نركسوس) كان آية في الجمال وقد عشق نفسه حتى الموت عندما رأى وجهه في الماء. وتُعدّ النرجسية مشكلة اجتماعية أو ثقافية وتمثل أحد العوامل في نظرية السمات المستخدمة لتقييم الشخصية، وهي إحدى سمات الشخصيات الثلاث في ثالوث الظلام إلى جانب كل من المكيافيلية والاعتلال النفسي. عادةً ما تمثل النرجسية مشكلة في علاقات الفرد مع ذاته أو مع الآخرين الصفة الأساسية في الشخصية النرجسية هي الأنانية؛ فالنرجسي عاشق لنفسه ويرى أنه الأجمل ويرى الناس أقل منه جمالاً ولذلك فهو يُبيح لنفسه استغلال الناس والسخرية منهم بشتى السبل، والنرجسي يهتم كثيراً بمظهره وأناقته ويدقق كثيراً في اختيار ملابسه ويعنيه كيف يبدو في عيون الآخرين، وكيف يثير إعجابهم، ويستفزه التجاهلُ من قبلهِم جداً، ويخنقه النقد ولا يريد أن يسمع إلا المديح وكلمات الإعجاب. كما يصاحب الشخصية النرجسية شعور غير عادي بالعظمة، يسيطر على صاحبها حب الذات وأهميتها، وأنه شخص نادر الوجود أو أنه من نوع خاص فريد لا يمكن أن يفهمه أحد إلا خاصة الناس. ينتظر من الآخرين احتراماً من نوع خاص لشخصه وأفكاره، وهو استغلالي، ابتزازي وصولي يستفيد من مزايا الآخرين وظروفهم في تحقيق مصالحه الشخصية، وهو غيور، متمركز حول ذاته يستميت من أجل الحصول على المناصب لا لتحقيق ذاته وإنما لتحقيق أهدافه الشخصية، يميل النرجسيون نحو إعطاء قيمة عالية لأفعالهم وأفضالهم والبحث عن المثالية في آبائهم أو بدائل آبائهم من حيث المركز والعطاء. كثيرا ما نصادف النرجسيين في حياتنا اليومية، ويحتاج التعامل مع أصحاب هذه الشخصية إلى قدر كبير من التفهم لطبيعة الشخصية، فهو لا يستطيع تحمل النقد. وفي حال وجود شخص نرجسي في محيط الزملاء أو حتى العمل، يجب إدراك أن هذا الشخص لا يشبع من المدح. كما أن معظم علاقاته مع الآخرين سطحية والشخص النرجسي ليس منطوياً على نفسه، فهو صاحب شخصية جذابة مثيرة للاهتمام في المراحل الأولى للعلاقة معه ونظراً لافتقار أصحاب الشخصية النرجسية لمراعاة احتياجات الآخرين، فمن المهم مع بداية العلاقة وضع حدود واضحة، فارتباطك بعلاقة عمل أو جيرة أو هواية مع شخصية نرجسية يزيد من حاجتك منذ البداية لتوضيح أنك غير متاح له في كل وقت وأنك لن تنفذ كل رغباته دائماً، من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها البعض هو الاعتقاد بقدرته على تغيير صاحب الشخصية النرجسية، فمواجهته باضطراب الشخصية الذي يعاني منه سيزيد من عناده ومقاومته للتغيير، وهو أمر نابع من عدم قدرته على تحمل النقد، إذ يعتقد في النهاية أنه أفضل من كل من هم حوله. أما محاولة السخرية من صاحب الشخصية النرجسية لا تنتهي عادة نهاية ناجحة أو طيبة، لأن الرد غالباً ما يتسم بغضب لا حدود له وعدم مراعاة لأي اعتبارات شخصية أو إنسانية، ذلك أن النرجسي يعتبر هذه السخرية بمثابة هجوم على شخصيته "الرائعة". في حال وجود شخصية من هذا النوع في محيطك، فمن المهم تجنب تقمص دور الأم أو الأب أو الأخ معه ومحاولة توجيهه، فهذا النوع من السلوك يشعر صاحب الشخصية النرجسية بالضغط ويجعله يلفظك تماماً من محيطه، وعلى صعيد العلاقات العاطفية، فإن صاحب الشخصية النرجسية لا يبحث عادة عن شريك حياة على نفس المستوى وإنما يبحث عن مرآة يتمنى أن تعكس ما يراه في نفسه من تميز.