خيط رفيع بين الثقة بالذات والغرور أو النرجسية، قد يصل بالبعض إلى نرجسية بمراحل مجسداً مقولة «أنا ومن بعدي الطوفان» بكل حذافيرها، متسماً بالتعالي والغرور والأنانية وعدم مراعاة مشاعر الآخرين، وقد لا يعلم الغالبية أن هذا السلوك يعد اضطرابا مرضيا بالشخصية ويتطلب علاجاً سلوكياً في بعض الحالات. ودون خلط للأمور يعد حب الذات بشكل طبيعي فطرة خلقها الله لدى البشر، فيما تكون الأنانية المفرطة بشكل يجعل الشخص مؤذياً للآخرين لأجل مصالحه دون مراعاتهم تصرفا متطرفا ونرجسيا يجعل الشخص غير مرغوب به من المجتمع المحيط به، الأمر الذي يحتم علينا تمييز النرجسيين، وتعلم التعامل معهم بالأمور الحياتية وعدم الخوض معهم في نزاعات. وأوضح استشاري الطب النفسي في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض الدكتور وليد السحيباني ل«عكاظ» ضرورة تحديد بعض الصفات التي تكون في الشخصية النرجسية كالشعور بالأهمية وأنه يجب أن يحظى بمعاملة خاصة من الآخرين وتوقع المدح والثناء والفوقية أو التعالي، والشعور أنهم أذكى وأجمل من الآخرين، إضافة إلى أن سلوكهم مع الآخرين يبدو متبلداً دون لين ووجود شعور الغيرة من الآخرين بشكل متزايد. ولفت السحيباني إلى أن الأسباب التي تجعل من الشخص نرجسيا غير واضحة جداً، لافتاً إلى أن بعض النظريات التي تتحدث عن الأسباب منها العامل الوراثي الجيني، وطريقة التربية، وتنقسم إلى جزءين «الحماية الزائدة، والإهمال الزائد» وذلك يعزز من الصفات لدى بعض الأشخاص. وأضاف: «لكن هذه مجرد نظريات لا يمكننا إثباتها طبياً قد تكون صحيحة أو لا، وقد تكون الشخصية النرجسية موجودة فطرياً لدى البعض ومع طريقة التربية تعزز من هذه الصفات لحد التطرف، لذلك لا يمكننا تحديد ما إذا كانت النرجسية فطرية أم مكتسبة». ونوه السحيباني إلى أنه ليس بالضرورة أن نصنف كل شخص يحب ذاته أنه نرجسي، مشيراً إلى أن صفة حب الذات من ضمن الصفات النرجسية ولكن إذا جمعت جميع الصفات المذكورة سابقاً لدى الشخص هنا يمكننا القول إنه مصاب باضطراب الشخصية النرجسية. وأضاف: «الشخص النرجسي متبلد مشاعر ويتصرف بغطرسة مع الآخرين، لذلك هم من الشخصيات الصعبة في التعامل معهم، لكن الحلول المطروحة للتعامل معهم هي وضع الحدود، والتعامل معهم بكل لين ولكن مع أخذ الحذر». من جهتها، أشارت الأخصائية النفسية الدكتورة منى الصواف إلى أن الشخصية النرجسية تطلق على الشخص الذي يعجب بنفسه بصورة مبالغ فيها وهي شخصية أنانية تميل إلى تضخيم قدرات الشخص والشعور بالزهو ورفض الانتقاد. وحددت الصواف عوامل تؤدي إلى تكوين هذه الشخصية النرجسية كأساليب التربية التي تعزز من حب الطفل لذاته وتهميش الآخرين مع عدم الحرص على تقويم أي خلل في تعديل سلبيات الأنا لديه من قبل الوالدين، ووجود عامل النقص لدى الشخص نتيجة عوامل وراثية مكتسبة من أحد الأبوين، وعوامل بيولوجية ناتجة عن خلل في التفاعل العاطفي في الدماغ. ولفتت الصواف إلى أن الشخصية النرجسية تصيب الرجال أكثر من النساء وتظهر في مراحل المراهقة وبداية الشباب، مشيرة إلى معاناتهم من حالات اكتئاب وقلق وشعور بالتوتر. وحددت الصواف علاج الشخصية النرجسية من خلال جلسات سلوكية مع معالجة الاضطرابات المصاحبة مثل القلق والاكتئاب، لافتة إلى أن الأنانية إحدى صفات النرجسية التي تشمل أعراضا أخرى أهمها تضخيم الصورة الذاتية ورفض النقد. وأضافت: «لا يمكن تشخيص اضطرابات الشخصية في الأطفال فالتشخيص يكون بعد عمر البلوغ أي بعد 21 سنة من العمر، أما الأطفال فقد تظهر بعض علامات مثل الأنانية أو عصبية المزاج». وأوضحت الصواف أن التعامل مع مثل هذه الشخصية يحتاج إلى صبر واستمرارية في مواجهة نوبات الغضب مع عدم الاهتمام المبالغ فيه كما يحتاج إلى تعزيز الصفات الإيجابية لدى الشخص وإهمال محاولات الشخص لفت الانتباه.