تابعت كغيري من المهتمين بالشأن الرياضي سلسلة من التغريدات المؤثرة للكابتن أسامة هوساوي، نجم المنتخب والهلال والأهلي والوحدة وأندرلخت البلجيكي، والتي على اقتضابها تنقل صورة شديدة الصدق عن فقرة مسكوت عنها في حياة لاعب كُرة القدم، تلك الفقرة التي تتلو ابتعاد اللاعب عن المستطيل الأخضر، وما يترتب عليها من انحسار أضواء الشهرة والنجومية، وكذلك انحسار مظاهر الرفاه والانتعاش المادي المُرتبط بحياة النجومية الكروية. يتحدّث هوساوي عن نمط حياة "قابل للزوال" حد تعبيره، وقصص عديدة بنهايات حزينة لنجوم أُغرمت بهم الساحرة المستديرة وعشاقها، وما لبثت أن تركتهم في عز النجومية لمواجهة مستقبل لم يستعدّوا له جيدًا، أو بالأحرى لم يحسنوا التخطيط له وتصوّر ما سيكون عليه، ودعم ذواتهم بمهارات تُمكّنهم من التكيُّف مع هكذا مستقبل والاستثمار الجيد فيما يبرعون فيه. عندما يتحدّث نجم مثل أسامة هوساوي عن هذا الأمر، فأعتقد أنه لا بد من التوقُف وتناول عقلية اللاعب السعودي بشيء من الدراسة والتحليل، واستعراض نماذج جديرة بالتأمُل في هذا الشأن، كنموذج يصلُح لاستخلاص الدروس منه والبناء عليه. من وجهة نظري، يقدم الNخوة عطيف مثالاً حياً ونابضاً وشديد الأهمية لما يمكن أن يقدمه لاعب الكرة لمجتمعه بعد الانتهاء من مرحلة النشاط الشديد في المسيرة المهنية، فالإخوة عطيف لديهم منصة خاصة على تطبيق سناب شات تبث مقاطع الفيديو تحت اسم "عيال عطيف" يشترك الإخوة في إعداد محتواها المميز للغاية، فالمحتوى يتضمن قدراً كبيراً من العفوية والصدق، ويتخلله جو أسري حقيقي وانعكاس لعلاقة الأخوة وذكرياتهم وحيواتهم المُشتركة، ففي حين لا يبدو أن المحتوى مدفوع بسيناريوهات مُعدة مُسبقًا أو مُنظم عبر فريق إعداد، إلا أنها تحقق أثراً مثالياً في عرض تفاصيل تفاعل الأسرة السعودية وأبنائها، فنرى نحن كمشاهدين اللاعبين الإخوة يضحكون ويتسامرون ويتسابقون ويمارسون التمارين شأنهم كشأن آلاف المنازل السعودية الدافئة الأخرى، وهي حالة كما قلت صادقة للغاية، لا نراها عادة في مقاطع سناب شات المعتادة ولا يعكسها المشاهير الشباب الآخرون، حيث تعتمد مقاطعهم في أحيان كثيرة على السخرية الجوفاء التي تصل حد التنمر والترفيه البحت الذي يخلو أغلب الأحيان من اللمسات الإنسانية، وأظن أيضًا أن الانتقال لتقديم محتوى ترفيهي شديد الخصوصية كذا، يمثل فصلاً جديداً في حياة الإخوة عطيف بعد الاعتزال، واستثمار لنجاحهم في الملاعب وهو استثمار ذكي في الحقيقة ومؤثر بل وقد يُشكل حافزاً ومصدر إلهام لشبان آخرين. خلاف "عيال عطيف"، فتتنوّع مشارب واختيارات، بل بالأحرى مُحاولات لاعبي الكُرة المعتزلين، وربما الذين ما زالوا مقترنين بالملاعب وفطنوا إلى حقيقة أن نمط حياة النجومية -لا سيما الرياضية منها- زائلة لا محالة، لتأمين مستقبلهم. فنرى من يجنح منهم لافتتاح مطعم أو كافيه وما إلى ذلك، وكلها بالتأكيد مسارات محمودة لا غبار عليها، طالما تستهدف بالنهاية ضمان شكل من أشكال الاستقرار المادي، غير أن مسارات أخرى قد تكون أجدر في طرقها دون غيرها لنجم الكُرة، فحين أرى نموذجاً مثل نموذج "عيال عطيف" واقتحامه الممنهج لعالم الإعلام الرقمي، برسائل إعلامية واضحة ومُحترمة وتقدم نموذجاً مُميّزاً للأسرة السعودية الرياضية، أو أرى لاعبين سابقين آخرين يميلون لاستثمار مواهبهم الرياضية ونجوميّتهم في تأسيس ورعاية أكاديميات رياضية، أود أن أشير وأصفق لحالة من التبدُل المحمود في عقلية اللاعبين السعوديين بخاصة من أبناء الأجيال الأحدث، وأتمنّى أن يتزامن مع ذلك تصوّر وطني للاستثمار فيهم وفي مواهبهم، كونهم إرثًا قوميًا، طارحًا مسارات بديلة يمكنهم تبنيها لحياة ما بعد أفول النجومية وتراجُع الأضواء.