تابعنا قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بإلغاء اللجنة الوطنية للسكان وإسناد مهامها للجنة التعداد السكاني، التي طرأت تغيرات جذرية عليها بدورها، فباتت تعرف من حيث الاسم بلجنة السياسات السكانية، وأعتقد أن الأمر يمثل نقلة مهمة في التعامل مع القضايا المرتبطة بالسكان وإخضاعها للمزيد من البحث والدراسة، فاسم اللجنة الجديدة يحمل الكثير من الدلالات باعتبارها لجنة "سياسات" تنظر للمستقبل وتضع الخطط، ولا تتوقف أدوارها عند مرحلة التعداد وتسجيل وأرشفة التغيرات الديموغرافية دون أن يكون لها دور فاعل في استخدام تلك البيانات لصالح المواطنين، والأهم من ذلك، أن لجنة السياسات قد تشكل خلية عمل ثرية للغاية ما إذا ضمت ممثلين عن الهيئات المهمة والفعالة في التعاطي مع احتياجات المواطنين اليومية، كالتعليم والصحة فيصبح المنتج المقدم من اللجنة على قدر عالٍ من الدقة وخاضعاً بالفعل لتنسيق مُسبق بين الهيئات المختلفة وجاهزاً للتفعيل المُباشر. لا شك هنا أن اللجنة سوف تسعى لاستخدام كافة الأدوات ومصادر المعلومات لوضع رؤى مستنيرة ومعبرة بالفعل عن الواقع، فيأتي دور البيانات الكبيرة، وهو حقل التفتت له المملكة منذ مدة، واستثمرت فيه بشكل جاد أهلها في العام الماضي لتصبح الأولى إقليميًا في المجال ذاك، والبيانات في الحقيقة كنز ثمين علينا أن نعي دوره، ومُرشد في أغلب المجالات تبقى الرؤية ضبابية من دون توجيهاته، ولا شك أن تلك البيانات مؤهلة لإحداث نقلة نوعية في أداء قطاعات حكومية كلجنة السياسات السكانية التي يعتمد عملها بالأساس على فهم جموع المواطنين، ومن جهة أخرى، لا يمكن إغفال الدور الفارق للأبحاث والأوراق العلمية الجامعية، فبدلاً من أن تبقى حبيسة المكتبات قد تُساهم نتائجها في صناعة القرار الرشيد وفهم المشهد السكاني الحالي بشكل أعمق وفي ضوء التغيرات التاريخية التدريجية التي ساهمت في خلق ملامح مجتمعنا اليوم. وعن طريق الوعي الكامل بالماضي والفهم الدقيق للحاضر يمكننا النظر بأمل للمستقبل والاستعداد له، وتُذكر هنا أهمية المخططات الاستراتيجية طويلة المدى، في طرحها بدقة تفاصيل المُستقبل البعيد، وترشيحها الآليات الملائمة للوصول إلى الأهداف، ما يقطع الطريق على النمو العشوائي للمدن، على سبيل المثال، مع تحديد المناطق المرشحة للتمتع بزخم سكاني مرتفع، وكيفية تلبية متطلبات سكانها على النحو الأمثل، فمن دون تلك الرؤية الدقيقة يسود التخبط أوجه المدن، ويختل التوازن بين المناطق وبعضها بعضاً، ما يؤدي إلى الضغط الكثيف على الموارد، وهو سيناريو يمكن للجنة تجنبه بسهولة وطرح بدائل شتى تحفظ الرفاهية والأمن للمواطنين.