بالرغم من المُصاب العالمي والمحلي، والضحايا بالآلاف الذين أودى بهم الفيروس سريع الانتشار، أود أن أخصص هذه المساحة الأسبوعية لتعديد مجموعة من الحقائق والمعارف التي أدركناها بالمرور بأزمة كورونا تلك، أو بالأحرى الدروس التي تعلمناها، لاسيما منذ تسجيل أولى الحالات بالمملكة وصولاً لليوم، وقد واصلنا اتخاذ وتطوير الإجراءات الوقائية والاحترازية واحدًا تلو الآخر كيفما يقتضي الوضع في محاولات حثيثة للسيطرة على انتشار الفيروس المستجد، كان آخرها قرار حظر التجول وعزل بعض المناطق. واحد من المعاني التي أزعم أن أزمة كورونا تعززها، هو معنى الشعور بالأمن والأمان، فبالرغم من الحظر الاضطراري وما يلازمه من شعور بالضيق والانعزال عن التواصل مع العالم الخارجي، إلا أنه يذكرنا أنه ظرف استثنائي لدينا، بينما يُعد في دول أخرى، تعاني ويلات الحروب والقلاقل، حالة عامة يحياها مواطنوها ليل نهار، والأمن لديهم هو الاستثناء، في تجلٍ بارز لمسألة أن النعم والشعور بها وحمدها تتضح بالاضطرار لمكابدة ضدها، كالحظر والعزل الصحي في حالة جائحة كورونا التي أتت بظلالها على شعوب العالم كافة. في الآونة الأخيرة كذلك ومع تزايد الضغوط اليومية في مواجهة المجهول، انتقد بعضنا استراتيجيات بعض الوزارات وأداءها العام، في حين أن كل يوم إضافي في الأزمة يثبت أن أغلب مؤسساتنا الرسمية تنطلق للعمل وفقًا لخطة منهجية سليمة، وتنفذها بشكل تدريجي وفقًا لمصلحة الجماهير، وأبلغ دليل على ذلك هو حسن إدارة مسألة توفير المواد الغذائية للأفراد خاصة مع مواجهة السلوكيات الخاطئة كحمى الشراء التي أصابت المراكز التجارية، فاليوم الأسواق تنعم بهدوء واستقرار إضافة إلى وفرة فيما قد يحتاجه المواطن لأسرته، وما أبلغ من توفير احتياجات الجمهور في الوقت الملائم دلالة على توازن وعقلانية الأداء الرسمي، فهناك احتياطي ملائم من السلع وهناك مراقبة وإدارة للمشهد العام، إذاً نحن على الطريق السليم لا شك. إلى جانب موقفنا من أداء المملكة الرسمي في إدارة الأزمة، بعد انقضاء تلك الأوقات العصيبة، لابد أن تكون لنا وقفة مع النفس كمواطنين، كأفراد، كأساتذة وحتى كآباء، ونرصد ما تغير فينا، وما تعدل من سلوكياتنا، ما تخلينا عنه وأصبحنا بالتجربة على وعي بعدم حاجتنا إليه، وما اكتسبناه من قدرات على التأقلم والعمل تحت ضغط ورعاية النفس والآخرين إبان أزمة لم يشهد العالم لها مثيلًا منذ عقود طويلة. مراجعة النفس ضرورة، إعادة ترتيب الأولويات ضرورة، ربما تُصبح الجائحة درسًا قاسيًا نحمد الله على مرورنا به في العقد القادم، وكيف طورنا من ذواتنا إنسانيًا وروحيًا كي تجتازه بصلابة وفي معينة من نحب من دون انطباعات سابقة، فحتى الانطباع اللغوي لم يعد اليوم ذا قيمة، كنا نخشى في السابق أن يصبح أداؤنا سلبياً، أن نمر بتجربة سلبية.. اليوم الجميع يتمنى بطاقة اختبار سلبية من الفيروس.