يسأل جورج ويستينغهاوس منافسه اللدود توماس إديسون: "لماذا تحفر اسمك على كل اختراع تافه تطلقه في السوق؟" وسيجيبه إديسون: "لأننا بعد أن ننير العالم لن يتذكرنا أحد". تتحقق نبوءة المخترع الشرس إديسون، فبعد أن أنير العالم، نسيت الأجيال الجديدة جورج ويستينغهاوس ونيكولا تسلا المهاجر الصربي الذي حمل ذكاءه الخارق إلى الولاياتالمتحدة، وساعد في إثراء تلك الاختراعات التي لم تضئ العالم فقط، بل طوّرت وسائل الاتصالات، والتصوير السينمائي والشعاعي الطبي، وغيرها من اختراعات كانت وليدة ذلك التنافس المحموم بين إديسون وويستنغهاوس. الحكاية التي سنتابعها في فيلم "حرب التيارات" للمخرج ألفونزو غوميز ريخون ستذكرنا بالرجلين اللذين نسيهما التاريخ، ويستنغهاوس وتسلا، وسنعرف أهمية أن يحفر الشخص على كل إنجازاته حتى وإن كانت "تافهة" في نظر البعض، وأن يعمل على الترويج لنفسه، وهذا ما يقوم به أي مكتب إعلامي في المؤسسات الكبرى اليوم، ويعتمد عليه الفنانون ومصممو الأزياء وغيرهم، فيما تأخر الكُتّاب ليفهموا فوائد الاستعانة بمن يصنع شهرتهم.. في الفيلم يجعلنا كاتب السيناريو ميكائيل ميتنيك نتوقف عدة مرات أمام جمال العبارة خلال الحوار، وإن كان الفيلم أخفق نقدياً، فإن المتفرّج العادي لا يحتاج سوى فهم التفاصيل ومعرفة تلك الحرب وخلفياتها، وأبطالها، والغايات التي دفعت بكل شخص لخوضها.. وربما أغرب ما سيوقفنا هو شخصية نيكولا تسلا "المجنون" كما لقبته الصحافة الأميركية آنذاك، كونه دخل هذه الحرب بسبب ولعه بالاختراعات التي كانت تتكون وتكتمل في رأسه وله الفضل الكامل للتنبيه لقدرة شلالات نياغرا لإنتاج كهرباء لا تنتهي لكل أميركا.. ورغم دوره المهم في تصحيح أو إطلاق ابتكارات جديدة إلا أنه مات معدماً مديوناً في أحد فنادق نيويورك، ولم ينل ما ناله غيره من تكريمات مقارنة مع إديسون الذي نال شهرة لا مثيل لها، فحتى الأطفال أحبوه، ما جعله يسكن الذاكرة الشابة لعدة أجيال متربعاً على عرش اختراع المصباح الكهربائي والمحطات المولدة للكهرباء. الفيلم الذي تابعته بذهول على مدى ساعتين، أعادني أربعين سنة إلى الوراء، حين دخلت الكهرباء أول مرة إلى بيتنا، وكيف استغنينا عن قنديل الغاز، والشموع التي تضيء الممرات طيلة الليل، كما تذكرت كتاب "توماس إديسون" للأشبال، وصورته التي بقيت محفورة في ذهني إلى اليوم، لكن لزمني ما يقارب الأربعين عاماً لأعرف حقيقة الرجل كاملة، وأن الإنجازات العظيمة لا يمكن أن يحملها شخص واحد على عاتقه، بل مجموعة من الناس، أغلبهم يظلمهم التاريخ بتجاوز ذكرهم.