في ديسمبر1877 اخترع توماس أديسون جهاز الفونوغراف (أو مسجل الصوت) فذاع صيته حول العالم، ووصفته الصحافة بالساحر الذي أنطق الحديد.. استضافه الرئيس الأميركي ليرى اختراعه العجيب، وحين سمع صوته مسجلاً لم يصدق نفسه وقام ليوقظ زوجته لترى شيئاً أغرب من السحر (وهو بالمناسبة ذات الجهاز الذي حرمه أجدادنا بحجة أنه مضاهاة لخلق الله).. ورغم أن أديسون اشتهر كمخترع (قدم أكثر من ألف اختراع قبل وفاته العام 1930) إلا أن له جانباً آخر لا يعرفه كثير من البشر.. فقد كان رجل أعمال ماهراً، أسس شركات عظيمة قامت على ابتكاراته العجيبة (ومازالت موجودة حتى اليوم).. في طفولته كان يساعد والديه من خلال بيع الصحف على متن القطارات.. وفي لحظة إلهام قرر إنشاء صحيفته الخاصة (Grand Trunk Heral) على متن القطار ذاته لتحقيق أرباح أكبر.. وفي سن الخامسة عشرة أنقذ طفلاً صغيراً كاد يدهسه القطار اتضح أنه ابن عامل التلغراف الذي أراد مكافأته فطلب منه تعليمه كيفية عمل الجهاز.. وحين انتقل العام 1869 للعمل في شركة ويسترن يونيون في بوسطن باعها جهازاً كهربائياً يحسب أصوات المقترعين في المجلس النيابي (يستخدم حتى اليوم لحساب أصوات المقترعين بطريقة فورية).. وفي العام 1870 أنشأ مختبره العجيب في مينلو بارك في ولاية نيوجرسي، وبدأ يشتهر في وسائل الإعلام كمخترع استثنائي ورجل أعمال مبتكر.. أول اختراع خرج من مختبره الجديد كان جهاز تلغراف (يعرف جيداً كيف يعمل) ولكنه طوره ليوزع نفس الرسالة - في نفس الوقت - على عدة مواقع فتنافست على شرائه شركات كثيرة.. وفي العام 1879 حقق أديسون إنجازاً آخر قلب ليلنا إلى نهار.. صحيح أن مخترعين قبله حاولوا اختراع المصباح الكهربائي (أبرزهم همفري ديفي، وجوزيف سوان، وهنري وودوارد، وماثيو إيفانز) ولكن محاولاتهم فشلت أو لم تحقق نجاحاً كبيراً.. وحينها كان أديسون قد أصبح ثرياً فاشترى براءات الاختراع العائدة لكل من إيفانز وودوارد ونجح العام 1879 في الحصول على براءة اختراع لمصباح كهربائي باعه بكميات تجارية.. ولأن الناس لن تستفيد من اختراعاته بلا كهرباء أسس العام 1880 «شركة أديسون للإضاءة» وشركة «جنرال إلكتريك» لتوزيع الكهرباء.. حرص على تسجيل 1039 اختراعاً باسمه كي يملك حقوق تصنيعها أو بيعها أو مقاضاة الآخرين بسببها.. وخلال العقود التالية أصبح يملك العديد من الورش والمختبرات وانتقل بالتدريج من العمل كمخترع يمارس عمله بنفسه، إلى مستثمر يشرف على فرق بحث واختراع وتطوير... وكان أديسون صديقاً للصناعي المعروف هنري فورد (مؤسس شركة فورد) وباعه أول تصميم ناجح لبطارية السيارات.. وخلال الحرب العالمية الأولى تعاونت معه البحرية الأميركية لتطوير الابتكارات التي تقدم إليها - واشترت منه جهازاً يكشف عن الغواصات المعادية. ماذا نستفيد من كل هذه الحكاية؟ أن للإبداع جانباً صناعياً وتجارياً في حال نجحنا في استغلاله جيداً (ولم نقف في وجه صاحبه) سيتحول في المجتمعات المشجعة إلى سلع ومنتجات وشركات توظف أكثر من مئة وعشرين ألف شخص (هو مجموع العاملين اليوم في الشركات التي أسسها أديسون)... Your browser does not support the video tag.