يُخطىء الكثير من الآباء في تربية أبنائهم، من خلال توفير كافة ما يطلبونه، دون إدراك منهم بالنتائج السلبية التي ستنعكس عليهم في المستقبل، فالحياة المترفة تعوّد الأبناء على عدم تحمل المسؤولية، مما ينتج لدينا جيلاً اتكالياً يعتمد على غيره في جميع شؤون حياته، كذلك من الممكن أن تتولد لدينا شخصيات أنانية لا يهمها إلاّ مصالحها، وعلى الجانب الآخر فإن التدخل في كل تفاصيل حياة الأبناء ومحاولة حمايتهم، يولّد لنا أشخاصاً ثقتهم بأنفسهم ضعيفة، ليس لديهم القدرة على اتخاذ القرار أو حل المشاكل، أو مواجهة التحديات، وهنا لابد أن تستخدم الأسرة أسلوب الاعتدال والوسطية في جميع الجوانب، مع أهمية الاقتصاد من الرفاهية والخوف الزائد على الأبناء، والاكتفاء بالتوجيه وتوفير الأساسيات لهم، حتى يشقوا طريقهم في الحياة ويصنعوا لأنفسهم مستقبلاً ناجحاً. ليس تلقيناً وقالت د.سحر رجب -مستشار نفسي وأسري-: من وجهة نظري هذه سلبيات لا أكثر، نعود أبناءنا على أن نهتم بكامل شؤونهم ونتحمل عنهم حمل المسؤولية فينشأوا بعد ذلك سلبيين، غير مبالين بأي اهتمام أو مسؤولية، وهذا منافٍ للفطرة السليمة، مضيفةً: «محمد صلى الله عليه وسلم عندما أتاه أعرابي يطلب صدقة، أعطاه مالًا وأبلغه كيف يتصرف به، وكان نتيجة إرشاده للصح والصواب أنه اشترى بجزء طعاماً وبالآخر فأساً ليحتطب»، مبينةً أن ذلك هو الأجمل والأرقى، فلو عودنا شبابنا وشاباتنا على أن نلبي أي شيء وكل شيء فلن يعتمدوا على أنفسهم البتة، فالمثل جاء مطابقاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم مدرسة الإنسانية «لا تعطني كل يوم سمكة، بل أعطني سنارة وعلمني الصيد»، ذاكرةً أنه إذا كبر الإنسان وهو لم يتحمل مسؤولية من صغر سنه فلن يعتاد عليها مطلقًا بعد ذلك، ومن الأفضل عند التربية أن تكون الأسرة قدوة لما يعلمونه لأطفالهم، فالتعليم ليس تلقيناً بقدر ما هو ممارسة، وبالذات نحن الآن على أبواب اختبارات، والمفترض هذا يكون منذ بداية العام أن أخبرهم أن عليهم أن يأخذوا قدر استطاعتهم من العلم، من دون الاعتماد على أحد، فمن ينجح فلنفسه ويكون فخرًا لأسرته، مشيرةً إلى أنه لابد أن يكون هناك فشل في حياتنا لنعلم كيف نسير في الطريق الصح، فالنجاحات تحفز الإنسان بالاستمرار، وهذا يأتي بعد معرفتنا أين توقف الآخرون لنكمل نحن المسير. وأضافت أنه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم هناك شباب قادوا الجيوش، ولم يتحدث أحد من أسرتهم أنهم يخافون عليهم من السلاح ومواجهة الأعداء والموت، على العكس تمامًا كانوا يشجعونهم لبذل أنفسهم للشهادة في سبيل الله، وهذا هو النهج الصحيح الذي لابد أن نسير عليه جميعًا في هذا المجتمع، كذلك علينا أولًا قبل الإقدام على أي شيء معهم أن نحذرهم من المخاطر ونوضح لهم، ثم نتركهم للتجربة، ولنكن حريصين بعد ذلك في متابعتهم عن بُعد فقط لنرى غراسنا ماذا نبت به. اعتدال ووسطية وأوضح د.علي مبارك العوبثاني -باحث ومفكر- أنه تعد الأسرة شريكاً استراتيجياً في بناء الفرد والمجتمع وهي المؤسسة الاجتماعية الأولى المسؤولة عن تربية الأبناء وتوجيهم لبناء مستقبلهم بأنفسهم، ولكي تكون حياتهم من صنع أيديهم فإن الأسرة الصالحة تسعى في تنشئة جيل مؤمن مستقيم تقني مفكر ومنتج، خادم لدينه ووالديه ووطنه وولاءة أمره، وعندما تنحرف الأسرة عن دورها الاستراتيجي في تربية وبناء شخصية الأبناء من خلال استخدام الرفاهية الزائدة للأبناء وتدليلهم وتلبية جميع متطلباتهم كأجهزة وسيارات وغيرها، وتلجأ إلى أسلوب التدخل الزائد في كل شؤون حياتهم، فهي بذلك تسلب شخصية الابن وتضعف كيانه وتجعله اتكالياً يعتمد على غيره، وبالتالي يكون عضواً ضعيفاً في المجتمع، وكلما ضعف دور الأسرة في تربية وبناء لبنات صالحة فإن ذلك ينعكس سلباً على الفرد والمجتمع، حيث سيكون المجتمع هشاً، وبذلك يتحول دور الأسرة من إيجابي في البناء والتطوير إلى سلبي بسبب هذه التصرفات اللا مسؤولة والخاطئة، ناصحاً الأسرة التوجه نحو الاعتدال والوسطية في التعامل مع الأبناء في جميع الجوانب، والاقتصاد من الرفاهية والخوف الزائد على الأبناء والاكتفاء بالتوجيه وتوفير الأساسيات لهم حتى يشقوا طريقهم بأنفسهم في الحياة ويصنعوا حياتهم بأيديهم، مبيناً أنه إذا لجأت بعض الأسر إلى الاستمرار في الإفراط في استخدام أساليب الرفاهية والخوف على الأبناء والتدخل الزائد في شؤونهم نقول لهم أن هذه الأساليب خاطئة، بل وتشكل خطراً يهدد مستقبل أبنائهم، وعلى الأسر الانتباه لذلك والابتعاد عنه. حقوق وواجبات وتحدثت منى عبدالعزيز بخاري - اختصاصية وباحثة اجتماعية - قائلةً: إن وضع المعايير والقوانين هو حجر الأساس في البناء الأسري، والموازنة دوماً بين حاجات الأبناء الأساسية والفطرية، ورغباتهم التي يجب تحقيقها أيضاً، وتقديم التوجيه لهم يجب أن يتم بحسب مرحلتهم العمرية، فالطفولة في مراحلها المبكرة يختلف توجيهها عن المراحل المتأخرة، وكذلك بالنسبة للمراهقة، التي نجد فيها سيطرة الوالدين تضعف تدريجياً على الأبناء، حتى يصلوا إلى مرحلة الرشد، فنقدمهم للمجتمع كأشخاص فاعلين، قادرين على تحمل المسؤولية، سواء كانت وظيفة أو زواجاً، وفي هذه المرحلة من حياة الفرد تبدأ تجاربه الخاصة، فيخوضها بما يحمل من قيم، متسائلةً: ماذا لو كان الابن يحمل قيمة الاتكالية والاعتماد على والديه؟، والابنة تحمل قيمة الإسراف والرغبة في تملك كل ما يُعلن عنه للتقليد والمحاكاة لا أكثر؟، كيف سيكون عطاء هؤلاء الأفراد لمجتمعهم؟، بل كيف سيكون عطاؤهم لأسرهم أو لأنفسهم؟، مضيفةً أنها تتناول حالات مشابهة عن طريق تقديم الإرشاد الفردي والجماعي، وقد استخلصت منها أن وعي الوالدين لخطورة مشكلة ما -بشكل مبكر-، سيساعدهم حتماً في تعديل سلوكيات أبنائهم، إلى جانب سلوكهم الشخصي أيضاً، فالقدوة من أهم العناصر في تربية الأبناء، وكذلك تفعيل سياسة الحقوق والواجبات، وآلية تنفيذها في الأسرة، كما أجد في تقوية قيمة الرقابة الذاتية لدى الأبناء، وتعزيز مشاعر الإيثار وتقبل الآخر وتقديره، عوامل أساسية تحفظ مبادئ أبنائنا وقيمهم، وتساعدهم في تحقيق أهدافهم ورؤية مجتمعهم. أشخاص ضعفاء وأوضحت سميرة حمّاد الفارسي -مدربة ومستشارة أسرية- أن الحياة المترفة تعود الأبناء على عدم تحمل المسؤولية ومحاولة الحصول على متطلباتهم بغض النظر عن الوسيلة، وأحياناً تتولد لدينا شخصية أنانية، وعلى الجانب الآخر التدخل في كل تفاصيل حياتهم ومحاولة حمايتهم، يولد لنا أشخاصاً ثقتهم بأنفسهم ضعيفة، ليس لديهم القدرة على اتخاذ القرار أو حل مشاكلهم، أو مواجهة التحديات في الحياة العامة، وهذا بلا شك يلمس أثره الوالدان حينما يبدأ الشاب ذكراً أو أنثى بدخول معترك الحياة ابتداءً من المرحلة الجامعية والتي لمست بعضها من خلال تدريسي لطالبات الجامعة وأثناء التطبيقات والأعمال الجماعية، مضيفةً: «ليس هذا فحسب، بل يظهر الأثر في بداية الحياة الزوجية، وحينما يكتشف كلا الزوجين شخصية الآخر بعيداً عن تدخل الأهل، مما ينجم عنه مشاكل لا حصر لها كعدم تحمل الزوجة ظروف زوجها المادية أو عدم القدرة على إدارة منزلها، وكذلك الشاب كعدم اهتمامه بأسرته وتوفير متطلباته على حساب متطلبات الأسرة الأساسية أو شخصيته الضعيفة والانصياع لكل ما يملى عليه من دائرة الأهل أو الأصحاب بخصوص أسرته أو حياته عموماً من دون معرفة ما يناسب وما لا يناسب»، مبينةً أنه حريٌّ على الأسرة أن تتخذ تربيتها لأولادها بمبدأ التوسط في كل أمورهم، وإعطائهم مساحة من الحرية في اتخاذ قرارات غير مصيرية منذ الصغر كاختيار لباس أو وجبة طعام، وتحمل المسؤولية بالإيعاز لهم بمهام معينة يحاسبون عليها في نهاية كل فترة. وأشارت إلى أن المال المتوفر لا يعني توفير كل المتطلبات، إنما لابد أن يشعر الابن بالسعي والاجتهاد حتى يحصل عليه، مما يعطيه دافعاً مستمراً للإنجاز في جميع مراحل حياته، ذاكرةً أن الحب لا يعني حمايتهم والتدخل من أجل مساعدتهم، فالحب الحقيقي أن أرعاه وأغرس لديه قيماَ ومهارات حياتية تساعده بعد توفيق الله ليكون ناجحاً حينما يكون ناضجاً.