«الخويا».. اسم يطلقه النجديون على من يرافق الملك أو نائبه؛ حيث يرافقون الملك دائماً في القصور أو خارج المدن أو في السفر والتنقلات. «خويا» لعل هذه اللفظة جاءت من المؤاخاة ومن المصاحبة الدائمة والمستمرة، ومن هؤلاء الخويا الذين كانوا مع الملك عبدالعزيز طيلة (23) عاما ولم يفارقوه مطلقًا في إقامته وتنقله؛ الشيخ محمد بن إبراهيم بن ناصر بن فهد النعيمة، الذي صار فيما بعد رئيساً للخويا. ولد محمد النعيمة -رحمه الله- عام 1326ه بضرما، وكان أبوه إبراهيم بن نعيمة توفي ولا يزال ابنه محمد طفلًا يحتاج إلى رعاية وعناية واهتمام، فقررت والدته بعد فقدها زوجها الرحيل من بلدة ضرما إلى الرياض العاصمة، ولعل ذلك كان أوائل 1330ه؛ والسبب في رحيلها هو أنها كانت من أسرة آل منيف، وأسرة آل منيف أسرة قديمة في الرياض، لذلك آثرت السكنى في الرياض لتكون قريبة من أسرتها، ولعل من حسن حظ محمد شخصيتنا أنه سكن مع والدته في العاصمة، حيث اهتمت بهذا اليتيم ولم يكن له ثمة عائل ولا معين سواها، واجتهدت كل الجهد في تربيته، وبذلت كل ما يمكنها في أن يتربى على الدين والأخلاق الفاضلة، لذلك تزوجت من شخصية مقرئة تدرس الأطفال والصبية القرآن الكريم، الذي افتتح مدرسة في الرياض القديمة، ألا وهو المقرئ إبراهيم بن عقيف -رحمه الله-، وكان هذا المقرئ رجلًا صالحاً خيراً، ودليل صلاحه أنه اتخذ هذا اليتيم محمد النعيمة ابناً له، فرباه ودرسه القرآن الكريم مدة من الزمن، حيث نشأ هذه التنشئة الطيبة مع زوج والدته، فكان ما بين المسجد مؤدياً للصلاة أو دارساً للقرآن الكريم، وهذا المسجد الذي درس فيه القرآن وتعلم فيه مبادئ القراءة والكتابة هو مسجد الجفرة في الرياض القديمة، حتى أتم حفظ القرآن الكريم على يد زوج أمه المعلم بن عقيف، الذي لم يرزق أولاداً من أم محمد النعيمة، حيث سخّر الله لهذا اليتيم محمد والداً حل محل والده إبراهيم. توجيه ونصح وكان إبراهيم بن عقيف -رحمه الله- يولي محمد النعيمة كل العناية والتوجيه والنصح، ومن أعظم وأجل هذه العناية والتربية أن حفظ هذا اليتيم القرآن الكريم، الذي بقي مع محمد النعيمة حتى آخر لحظة من حياته، ليس هذا فحسب، بل إن المعلم ابن عقيف يعد كافلاً لليتيم، وكافل اليتيم رفيق سيد البشر صلى الله عليه وسلم في الجنة كما صح الحديث، ولا شك أن سرور أم محمد النعيمة رحمها الله بابنها الوحيد حينما أتم حفظ القرآن لا يوصف، فهي لها دور كبير وجهد في رعاية ابنها الأوحد، وبهذه النشأة لشخصيتنا محمد النعيمة على القرآن الكريم والمسجد تطبعت وترسخت أخلاقه وسلوكه على التدين وحب الخير وبذل المعروف، حتى إنه أصبح محبوباً لكل من يعرفه لطيب أخلاقه وحسن معشره. وصية الأضاحي وسمعت الشيخ راشد بن حمد الهملان -رحمه الله- يثني على أخلاق محمد النعيمة وطيبته، ويقول المؤرخ والكاتب الصحافي يعقوب الرشيد -رحمه الله- إن محمدا من أفاضل خويا ومرافقي الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-. وكان محمد النعيمة -رحمه الله- من وفائه لمعلمه إبراهيم بن عقيف - بعد وفاته - أنه عندما تأتي مناسبة عيد الأضحى يضحي لوالديه وكذلك لمعلمه ابن عقيف، وقد كتب وصيته بهذه الأضاحي عندما يرحل من هذه الدنيا، وقد نفذ أولاده هذه الوصية كما أخبرني الزميل وحفيده أسامة بن إبراهيم النعيمة، وتتوالى الأعوام ويمضي الزمن الذي لا يتوقف، ويصبح محمد النعيمة مؤذناً في مسجد الجفرة، هذا المسجد الذي تعلم فيه القرآن الكريم، وهذا من ثمرات دراسته، بل إنه رُشِّح عند الملك عبدالعزيز أن يكون معلماً للقرآن الكريم في أحد قصور الملك وقد كان صغير السن لم يبلغ الحلم. خدمة الدولة وعندما بلغ محمد النعيمة مبلغ الرجال، عمل مع الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- عندما كان نائباً للملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في الحجاز، فعمل في الطائف مدة من الزمن وهو أول عمل لمحمد النعيمة، حيث ما زال شاباً، وفي عام 1350ه التحق بخدمة الملك عبدالعزيز ضمن الحرس الملكي، وبالأخص بما يطلق عليهم الخويا ومرافقو الملك، ومنذ ذلك التاريخ وهو مع المؤسس. وقال لي حفيده أسامة النعيمة: إن الذي أوصله إلى الملك عبدالعزيز رجل من أهالي الرياض يُكنى أبو فهيد، وقد تعين محمد النعيمة في وظيفة خوي للملك عبدالعزيز في معيته، وعندما يجلس الملك عبدالعزيز لاستقبال الضيوف سواءً كانوا من داخل البلد أو خارجه في قصوره بالرياضوالطائفوجدة والخرج أو تنقلاته البرية أيام موسم الربيع، كان محمد النعيمة من هؤلاء المرافقين الأمناء. الجدير بالذكر أن محمد النعيمة قد رافق الملك عبدالعزيز عندما قابل رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية روزفلت سنة 1364ه -1945م- عند البحيرات المرّة، وكان مع الملك عبدالعزيز في رحلته هذه (48) رجلاً، وفي مقدمتهم أخو الملك الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، ونجلي الملك الأمير محمد والأمير منصور وبعض مسؤولي الدولة، وقد استقل الملك عبدالعزيز بمن معه الطراد الأميركي من جدة إلى قناة السويس، وكان محمد النعيمة من المرافقين للملك في هذه الرحلة، أمّا الرحلة الثانية فهي رحلة الملك عبدالعزيز إلى مصر، فقد رافقه محمد النعيمة من ضمن الحرس الملكي خارج البلاد وذلك سنة 1365ه، وقبل هذه الرحلة لمصر، وقد بسط العلامة المؤرخ خير الدين الزركلي -رحمه الله- هذا اللقاء بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت، وكذلك بين الملك عبدالعزيز والرئيس تشرشل، والرحلة الثانية إلى مصر. إخلاص وأمانة وكما قلت، كان محمد النعيمة من رجال الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- عقدين من الزمن وزيادة، حيث صحبه مرافقاً أميناً ومخلصاً، وكان الملك عبدالعزيز يوكل إليه بعض المهمات الأمنية التي لا توكل إلاّ لمن اتصف بقوة الشخصية والحزم في الأمور، وكان الملك يثق بما يعمل، فكان كفؤاً بهذه الأعمال التي أُسندت إليه، ومع قوة الشخصية في محمد النعيمة، فهو يتمتع كذلك بالحكمة في تيسير أموره الخاصة والعامة، ويتعامل مع الناس كلهم بهذه الحكمة التي وهبها الله إياه، فكلٌّ من الناس على اختلاف طبقاتهم يعطى قدره ومنزلته، وكان كلامه مرتبا ومنظما، ولا ينطق إلاّ بميزان -رحمه الله-. في الأعوام الأخيرة من حكم الملك عبدالعزيز، أصبح محمد النعيمة رئيس الخويا، وعندما تولى الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- الحكم بقي النعيمة رئيساً للخويا، وقد سافر مع الملك سعود في رحلته إلى لبنانوالهند، وكان من ثقات الملك سعود، وكذلك عندما تقلد الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- الحكم عام 1384ه كان رئيساً كذلك للخويا بالثقة والمكانة نفسيهما، والشيخ محمد النعيمة كان قد عمل مع الملك فيصل عندما كان نائباً للملك في الحجاز، وقد طلب إعفاءه من العمل في بدايات حكم الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عام 1397ه. وتقاعد محمد النعيمة الأمين والوفي والحازم بعد خدمة (47) عاما تفانى فيها في خدمة قادة الوطن، حيث لم يُعرف عنه إلاّ الطيب وحسن السيرة وبذل طاقته وجهده فيما أوكل إليه، ولقد دخل النعيمة مرافقاً ورئيس خويا ملوك هذا الوطن شاباً، وتقاعد شيخاً وعمره (69) عاما، وقد قضى مرحلة التقاعد في العبادة وملازمة القرآن الكريم الذي كان دائماً أنيسه وجليسه وصبوحه وغبوقه. جدّه آل ورثان الجد الثاني للشيخ محمد النعيمة هو فهد أتى قادماً من بلدة نعام تلك البلدة الغارقة في القدم، فهذه البلدة واقعة جنوب غربي الرياض، ويطلق على هذا الوادي الذي فيه هذه البلدة وادي نعام، وكذلك وادي الفرع، والجد الثاني كما قلت اسمه فهد بن ورثان، وأسرة آل ورثان في الأصل كانت في الأفلاج ثم في الحوطة، وهي أسرة قديمة جداً أتت من تهامة الحجاز، وكانت هذه الأسرة مباركة في بلدة الحوطة، فهي أسرة إقراء القرآن الكريم ونشر التعليم، وخرج من هذه الأسرة الكريمة طلاب علم، ومن أشهرهم الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز بن عبدالسلام آل ورثان، ولد هذا العالم أواسط القرن الثالث عشر الهجري في بلدة الحمر بالأفلاج، تعلم ودرس العلوم الشرعية حتى عُد من طلاب العلم، وارتحل من الأفلاج واستقر بالحوطة في حدود سنة 1365ه، وكان لا يزال شاباً قد ارتوى من العلم والمعرفة، وكان لديه الحماس والطاقة في بث العلم في حدود مجتمعه، وكانت علاقاته مع طلاب العلم جنوب نجد جيِّدة، ومن جانب آخر فإن الشيخ محمد آل ورثان هذا هو الجد الجامع لأسرة آل ورثان، ومنهم أسرة آل نعيمة وعميدهم الذي اشتهر منهم محمد النعيمة - وهذه المعلومة أخبرني بها الأستاذ الصحافي صالح الورثان-، ولم ينقطع العلم من بيت آل ورثان، فأبناء هذا الشيخ محمد آل ورثان كانوا على خطى والدهم، وقد درسوا العلم على يد أبيهم، هذا الرجل المبارك، وأبناؤه هم إبراهيم وعبدالعزيز وعثمان. المهم أن هذه الأسرة العلمية كانت فألا حسنا ومفتاحاً لكل خير لأهالي حوطة بني تميم ،ولا يزال الخير فيهم، وغيرها من الأسر التعليمية التي كانت لها أدوار في تعليم العامة دينهم، ويعظم الأجر حينما تكون هذه البلدة أو تلك قبل (70) عاما أو أكثر، أغلبهم أو معظمهم أمي، كما هو الحال في البلاد النجدية، فطالب العلم آنذاك إذا رزقه الله الإخلاص والعلم وحب تعليم الناس، فهو لا شك ينطبق عليه أنه من ورثة الأنبياء، وأسرة آل ورثان من الأسر المباركة، وقد كتب عبدالله بن مسلم عن هذه الأسرة في كتابه علماء وقضاة حوطة بن تميم والحريق، ومنه أخذت بعض هذه المعلومات عن أسرة آل ورثان الكرام، والشكر لأخي صالح الورثان الذي أرسل لي هذه الصفحات. جلسة يومية وتحدث أسامة النعيمة عن جدّه محمد قائلاً: كانت معاصرتي لجدي واللقاء به المتواصل ذو الصيت الشائع والعلاقات المتعددة مثالًا للرجل المخلص لهذه البلاد وقادتها، لقد كنا أحفادا له نتسابق في خدمته عندما تعب وأجرى عملية في ركبته وعينيه، خاصةً ذهابه للمسجد أو ركوبه السيارة، ولا يمكن أن ننسى جلسته اليومية في منزله من بعد صلاة العصر في مقدمة البيت إلى صلاة المغرب، مستقبلاً أصدقاءه وأقرباءه وجيرانه، راوياً وقاصاً شريط ذكرياته الطويل ومواقفه كرئيس للخويا، باذلاً النصح والتوجيه لأبنائه ولأحفاده، مضيفاً: «كان والدي إبراهيم النعيمة -رحمه الله- يرافق أباه محمد لصلاة الجمعة، وكان الجد يصلي وهو على كرسي متحرك، فكنت أساعد والدي في خدمة الجد، وكان يحب أن يصلي في مسجد سارة في حي البديعة، ولقد كان يناديني أحياناً أسامه بن زيد -على اسم الصحابي الشهير أسامة بن زيد رضي الله عنه-، ولقد بقيت ذكراه تتردد في مجالسنا وعزائنا حينما فقدنا هذا الجد الوقور، إلا أننا نقول إنه أورث سمعة عطرة عندما رحل عن هذه الدنيا وذلك عام 1408ه، وقد توافد كثير ممن يعرفه للعزاء فيه والدعاء له بأن يرحمه الله ويغفر له، فلم يخلف أموالاً؛ لأن الدنيا كانت في نظره ليست إلاّ وسيلة وليست غاية، وقد عُرضت عليه أراض عندما كان رئيساً للخويا في جدةوالرياض لكنه زهد فيها، فرحمه الله وجعل قبره روضة من رياض الجنة». الشكر والتقدير لأسامة على تفضله بتزويدي عن سيرة جدّه، وأقدر له أريحيته، كذلك أشكر صالح الورثان على تعاونه معي في إرساله لي معلومات وتاريخ أسرة آل ورثان. الملك سعود في استقبال الرئيس اللبناني، ويظهر محمد النعيمة يسار الصورة الملك خالد ويظهر خلفه النعيمة محمد النعيمة النعيمة بالزي الرسمي أثناء زيارة الملك سعود إلى الهند ولد محمد النعيمة عام 1326ه في ضرما