الحياة الدنيا منذ الأزل لا تخلو من أفراح ومسرات وأحزان مؤلمات، فكل صفو منها يعقبه كدر، فجادة الموت لا تنأى تعج بقوافل الراحلين إلى الدار الباقية ليلاً ونهاراً، وهي سُنة الله في خلقه إلى يوم التلاقي، يوم النشور: ففي مساء يوم الثلاثاء 14 - 4 - 1436ه انتقل إلى جوار ربه الصديق الزميل لدى المشايخ وحلق العلم بالمساجد الشيخ حمد بن إبراهيم بن عبدالعزيز المشعل - رحمه الله - بعد طول معاناته مع المرض، وبعد حياة حافلة بالأعمال الخيرية والذكر الحسن. وقد أُديت عليه صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم الأربعاء 15 - 4 - 1436ه بجامع الملك خالد بالرياض. ولقد وُلد في مدينة حريملاء، ودرس في أحد الكتاب لتعلُّم الكتابة والخط وحفظ القرآن الكريم لدى المقرئ (المطوع) الشيخ الفاضل محمد بن عبدالله الحرقان - رحمه الله - ثم انتقل إلى مدينة الرياض لمواصلة دراسته لدى المشايخ هناك على سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم، وعلى أخيه فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ - رحمهم الله - بمسجد الشيخ محمد بدخنة بعد صلاة الفجر مباشرة، وبعد طلوع الشمس لدى الشيخ محمد في نفس المسجد وفي بيته، وعلى القاضي في المحكمة الشرعية بالرياض فضيلة الشيخ إبراهيم بن سليمان الراشد بعد صلاة المغرب بجامع الإمام تركي بالرياض، وذلك أول مجيئنا من حريملاء عام 1369ه لطلب العلم معاً، والسكن في إحدى الغرف الواقعة شرقي المسجد نفسه. بعد ذلك انتقلنا إلى البيوت في حي دخنة المخصصة لسكن طلاب العلم المغتربين الذين يفدون من خارج الرياض، التي أمر جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بتخصيصها لسكن الطلاب، والتي يقارب عددها أكثر من خمسة منازل، بجانب عدد كبير من حجرات المبنى المسمى (برباط الأخوان)، مع صرف مكافأة شهرية لكل طالب. فكل ثلاثة أو أربعة في غرفة واحدة، وهذا يدل على اهتمام الملك عبدالعزيز بنشر العلم ومحاربة الجهل منذ بداية تربعه على عرش هذا الوطن الرحب - رحمه المولى رحمة واسعة -. وبعد افتتاح المعهد العلمي بالرياض عام 1371ه التحق به الشيخ حمد بن إبراهيم المشعل حتى نال شهادة كلية العلوم الشرعية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم تولى التدريس بوزارة المعارف - آنذاك - بجانب تعيينه إماماً لجلالة الملك سعود - رحمه الله - فترة طويلة من الزمن وفي أسفاره الداخلية؛ لما يتمتع به من حسن صوت تلذ له الأسماع، مع ما يقوم به من إرشاد وتذكير لجماعة المسجد، فالملك سعود يرغب في سماع القرآن الكريم بصوت الشيخ حمد الشجي. وقد ظل إماماً له حتى توفِّي الملك سعود - رحمه الله -. وبعد ذلك استمر إماماً لعدد من المساجد، كما سعد بمشاركة جزلة في بناء المسجد المجاور لقصر وأوقاف (أسرة آل مشعل) الخيرية الواقع بمحافظة حريملاء، مع قيامه بتسوير وتوسعة مصلى العيد القديم؛ فهو - رحمه الله - محبٌّ للبذل في أوجه البر والإحسان إلى الأرامل والأيتام من أسرته وغيرهم من الضعفة والمساكين؛ فهو ندي الكف، لا يخلو جيبه من النقود؛ فكان لا يرد سائلاً في أي مكان، واصلاً رحمه، عطوفاً على محتاجيهم. فهو رجل لين العريكة، طيب المعشر، وكريم الخلق، محبوب لدى أقاربه ومعارفه وجيرانه، وقد رزقه المولى من الأبناء الصالحين تسعة، جميعهم يحمل مؤهلات جامعية، وبعضهم درجة الدكتوراه، وعدداً من البنات الفضليات، وعقيلتين كريمتين من بنات أسرة أعمامه. ولي مع أبي إبراهيم ذكريات جميلة لا تغيب عن خاطري مدى عمري أثناء سكننا في بيت الأخوان المجاور لمسجد الشيخ محمد بن إبراهيم الآهل بعدد من طلاب العلم، فكنا نتدارس ونتسابق في حفظ القرآن الكريم وبعض المتون العلمية، مثل: كتاب التوحيد، ومتن العقيدة الواسطية، وكشف الشبهات، وغير ذلك عامي 1369 - 1370ه، وذلك قبل افتتاح المعهد العلمي بالرياض عام 1371ه، وكأن ذاك البيت الرحب خلية نحل من كثرة طلاب العلم في تآلفهم وتعاطفهم وحبهم لاقتناص العلوم المفيدة، ولكن أيام السرور لا تدوم أبد الأزمان.. فقد رحل معظم أولئك الأحبة عنا - رحمهم الله -، ولم يبق سوى القليل: كما لا أنسى أفضال أبي إبراهيم - رحمه الله -؛ إذ كان السبب في اقتراني بابنة خاله عقيلتي نورة بنت عبدالرحمن المشعل؛ وذلك لحسن ظنه وثقته بي، وقد تم ذاك الزواج السعيد المبارك ليلة الاثنين 19 - 5 - 1375ه وأنا ما زلت طالباً بالسنة الأولى بكلية اللغة العربية، حتى فرق الدهر بيني وبينها قبيل فجر يوم السبت 17 - 11 - 1432ه - تغمدها المولى بواسع رحمته ومغفرته -. ومما حز في نفسي وأوجع قلبي ما علمته من حزن عقيلتيه وتأثرهما على رحيل إلفهما، وبعده بعد لا يرجى إيابه: كان الله في عونهما وعون جميع الأسرة. رحم الله أبا إبراهيم رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلتيه وجميع أفراد أسرته ومحبيه الصبر والسلوان. {إِنَّا لِلّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعونَ}.