من وجهة نظر شخصية أجد أن أحد أكثر الكتب متعة وفائدة هي كتب الحوارات، ومن أجمل ما قرأته منها كتابان، أحدهما «بين الحرف والدم»، الذي حاور فيه كارلوس كاتانيا، الأديب والفيلسوف الأرجنتيني إرنستو ساباتو، والآخر حوار ماندوزا مع ماركيز في كتاب «رائحة الجوافة». وفي كلا الكتابين زوايا وأبعاد جديدة لم نكن نعرفها عن هاذين الأديبين لولا استنطاق المحاورين لهم. بين يدي الآن كتاب رائع يضم حوارات مع عدد من الأدباء والمفكرين. عنوان الكتاب «حوارات القرن» نقله للعربية محمد الجرطي ونشرته - مشكورة - مجلة الرافد الإماراتية مجاناً. لفت انتباهي بشكل خاص في هذا الكتاب، حوار مع الفيلسوف والأديب الإيطالي إمبرتو إيكو. أخذه المحاور إلى مساحات مثيرة للاهتمام وغير مطروقة من قبل، سُئل إيكو عن رأيه في الأزمة الاقتصادية، وما إذا كانت أزمة قيم أم أزمة سياسة، أجاب الأديب الإيطالي بأنه يتأثر بالأزمة مثل الجميع، لكنه يتعامل معها تعاملاً فلسفياً كما يتعامل مع حقيقة الموت، وينقل هنا قول أبيقور: «طالما أن الموت ليس هنا فإن الحياة هي الشيء الذي يهمنا». وحين سأله المحاور، هل تشعر بالتشاؤم؟ أجاب إيكو «أشعر بالقلق إلى حد ما، ليس على ذاتي فقد بلغت الثمانين، بل على أولادي، هل لاحظتم أن الصحف أصبحت في الآونة الأخيرة ترسم لنا ملامح مستقبل قاتم؟ هذا الحديث التشاؤمي عن المستقبل ليس جديداً لقد لازم هذا الشعور بالزمن الرديء جميع العصور، عثرت على نص يعود للقرن الثاني عشر أو الثالث عشر يصف نهاية العالم على طريقة تسونامي أو على شكل الكوارث المناخية التي نشهدها الآن». سُئل إيكو في هذا الحوار حول ما إذا كانت الرقمية تخيفه فأجاب «لا أخاف الرقمية فاختراع الطائرة لم يلغ القطار، والتصوير الفوتوغرافي لم يدمر الرسم واللوحة الفنية»، ويضيف إمبرتو «أنا نفسي الذي كتبت أنه من المستحيل قراءة رواية «الحرب والسلام» على شاشة، عدت مؤخراً من رحلة لمدة شهر للولايات المتحدة وكنت سعيداً أنني لم أحمل معي عشرات الكتب الثقيلة، بل فقط بعض الغرامات من جهازي الرقمي الآيباد». كتاب حوارات القرن يوثق آراء عدد من أهم العقول المبدعة في عصرنا الحديث، ويقع في 230 صفحة ليس فيها ما لا يستحق القراءة. Your browser does not support the video tag.