أيام قليلة تفصلنا عن نهاية أطول الإجازات الصيفية، والتي لم تخل بطبيعة الحال من أوقات الفراغ المهدرة لكثير من الطلبة والطالبات، الأمر الذي يجدد ضرورة التنسيق بين الجهات الحكومية والأهلية للقيام بدور أكبر بحثاً عن آليات وبرامج نوعية مميزة لاستثمار طاقاتهم وأوقاتهم وحمايتهم من مسببات الانحراف، والسؤال هنا: هل كانت هناك برامج تربوية وتعليمية لاستغلال واستثمار أوقات الطلبة والطالبات في مثل تلك الإجازات الطويلة، وهل كان هناك تنسيق وتكامل بين الجهات لتوفير البرامج الفاعلة كالدوام الجزئي أو التطوع أو غيرها من الأنشطة الهادفة؟ وما هي أهمية دور وقدرة الأسر في توجيه أبنائها لاستغلال أوقاتهم وإمكانياتهم على نحو أفضل.. مسؤولية مشتركة بداية يوضح د. محمد الضويان -مدير عام البحوث بوزارة التعليم سابقاً- أن الإجازة الصيفية هذا العام طويلة مقارنة بإجازات السنوات الماضية، ولما كانت الإجازة أطول، كانت الحاجة أكبر والضرورة أهم للاستفادة منها واستثمارها بشكل أفضل. مضيفاً قد تكون الإجازة نعمة وقد تكون نقمة، فهي "وقت" زمني، إما "أن تُشغله أو إنه سيُشغلك"، سيكون نعمة إن أحسنا استغلاله والاستفادة منه، وقد يكون نقمة إن تم إغفاله وعدم إشغاله، أو إشغاله بشكل سلبي، مشيراً إلى أن الإجازة في الواقع ليست للطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات فقط، فهي للأسرة بكاملها ولفئات المجتمع الأخرى، حتى وإن كان بعض أعضائه لا علاقة لهم بالمدارس. مبيناً أن استغلال الإجازات بجميع أشكالها، واستثمارها والاستفادة منها ليست مسؤولية الجهات المشرفة على التعليم، بل يتجاوز هذه الجهات لجهات أخرى، فلم تعد وزارة التعليم هي الجهة الوحيدة المسؤولة بمفردها عن إيجاد مراكز ونشاطات صيفية لشغل أوقات فراغ الطلاب والطالبات مشيرًا إلى أن هُناك جهات عدة يجب أن تتحمل جزءاً كبيراً من تلك المسؤولية، فالأسرة والمجتمع بمختلف هيئاته ومؤسساته، والقطاع الخاص على وجه الخصوص، بالإضافة إلى الهيئة العامة للسياحة وهيئة الترفيه مُطالبين مع وزارة التعليم بالعمل على إيجاد مراكز ترفيهية، وخلق فُرص عمل مؤقتة، وبرامج ومناشط نوعية مُتنوعة ومُفيدة للاستثمار الإيجابي الأمثل لتلك الإجازات مع ضرورة التخطيط المُسبق والتقويم الدوري المُستمر لتلك المراكز والبرامج بمختلف أنواعها والجهات المسؤولة عنها. استثمروا الطاقات وفي السياق ذاته قال العميد المتقاعد طلال الصيدلاني -مساعد مدير شرطة جدة سابقاً ومستشار أمني- عندما نرجع للخلف قليلاً، وتحديداً إلى بداية شعبان نستذكر انطلاق العديد من المطالبات والمناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتقديم موعد الاختبارات النهائية، والتي كانت مقررة في شهر رمضان، وصدر الأمر الكريم بتقديم الاختبارات، وهنا تكمن المشكلة؛ لم يفكر أولئك المطالبون فيما بعد الاختبارات ماذا سيحدث؟ كيف سيمضي أبناؤهم أطول إجازة صيفية منذ زمن، والحقيقية أننا لو وجهنا هذا السؤال للأهالي سنجد الكثير منهم يعبر عن رغبته في عودة الدراسة، كونها أثرت كثيراً على الأهالي وعلى الأبناء لعدم وجود مواقع لقضاء أوقات الفراغ، وأيضاً ليس الجميع لديه القدرة على السفر والسياحة سواء خارجياً أو في الداخل في ضل غلاء الأسعار، وهذا الأمر انعكس سلباً على الأهالي والأبناء. وأضاف نحن لا ننكر بأنه توجد العديد من الفعاليات في العديد من مناطق المملكة، وهذا شيء جيد، ولكن السؤال ما هي الفائدة التي ستعود بها تلك الفعاليات على الأبناء، ليس الغرض هو السياحة فقط، والتي تتمثل لدى العديد من الأسر في الخروج للملاهي والحدائق العامة، لو كان هناك التنسيق بين هيئة الترفيه ووزارة التعليم ووزارة العمل قبل نهاية العام الدراسي بأن تشكل لجان مختصة تضم تلك الجهات في كل منطقة تجول على المدارس، وطرح الفرص العملية للطلبة والطالبات عبر الدوام الجزئي في القطاع الخاص أو القطاع الحكومي مع ما يتماشى والفئة العمرية والمستوى الدراسي، ويتم التسجيل حسب رغبة كل طالب وطالبة. وقال أنا متأكد أن هذا الأمر سيجد ترحيباً كبيراً منهم ومن أولياء الأمور أيضاً، وأيضاً تفعيل النوادي العلمية والثقافية في المدراس، وكذلك الأنشطة الرياضية طوال فترة الإجازة إما عبر إدارات التعليم أو عن طريق القطاع الخاص، مما سيسهم في إشغال أوقات الفراغ للطلبة والطالبات، وأيضاً تشكل مردود مادي لإدارات التعليم، ولدى أبنائنا وبناتنا النزعة للعمل التطوعي وهذا دور وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في ذلك عبر الدورات وتشكيل الفرق التطوعية للعمل في العديد من الأنشطة التطوعية، ومن خلال تجربتي وعملي مع العديد من الفرق التطوعية وجدت رغبة جامحة لدى الفتيات والشبان في العمل التطوعي، ولكن لعدم وجود المظلة الرسمية التي يعملون تحتها يشكل عائقاً لهم في تقديم إبداعهم وشغفهم بذلك. ويوضح الصيدلاني أن الإجازة أوشكت على الانتهاء، وقد أضاع أبناؤنا وبناتنا وقتاً كبيراً جداً في السهر غير المفيد مما أثر سلباً على حياتهم وصحتهم، بل الأمر الذي يحزن هو ما نشاهده من كثرة القضايا التي تورط فيها بعض الشباب نتيجة الفراغ وعدم الرقابة الصحيحة والمتابعة، وأيضاً عدم وجود ما يشغل أوقاتهم فنجدهم على الطرقات أو الأماكن العامة، ويمنعون من الدخول كون المكان أو الفعالية خاصة بالعوائل وما ينتج عن ذلك من مشكلات للأسف. عبء كبير ومن جانبه أكد د. صالح العقيل -أستاذ علم الجريمة والانحراف المشارك بجامعة المجمعة أن الإجازات الطلابية الطويلة باتت تشكل عبئاً كبيراً على المجتمع فيما يتعلق بالرقابة والمتابعة والتوجيه، لكن لا ينبغي هنا أن نعلق الجرس على وزارة التعليم وكأنها الجهة الوحيدة المعنية التي تملك عصًا سحرية لمعالجة كل مشاكل المجتمع، ولابد لها أن تقوم بدورها اتجاه الطلبة حتى في فترة الإجازة الصيفية، مؤكداً على أن وزارة التعليم لا يمكن أن تضطلع بهذا بالدور بشكل كامل ومنفرد، ودون مشاركة الأسرة بوعيها ودعمها وحرصها لاستفادة أبنائها من تلك الإجازة الطويلة بما يصقل وينمي هواياتهم ومهاراتهم، منوهاً على أن التعليم يحفز دائماً الطلبة على استثمار إجازاتهم عبر برامج صيفية محددة. وأضاف: للأسف أن الأسر السعودية لها خصوصية وإرث ثقافي في جانب استغلال الإجازات الصيفية؛ إذ لا تهتم في جانب اكتشاف مواهب الأبناء بشكل مبكر -وإن كان بدا هذا الجانب يتحرك على مستوى حالات فردية بسيطة- إلا أننا نحتاج لأن تعرف الأسرة اهتمامات وهوايات أبنائها قبل التعليم، وتعمل على تنميتها ودعمها في فترة الإجازة، بحيث إن الأبناء يمارسون هوياتهم ويشغلون وقت فراغهم، فغياب مثل هذا التوجه ينكشف لنا بوضوح عندما نبدأ بمكافأتهم لنجاحهم الدراسي إما بالترفيه أو الهواتف والسيارات والسفر، ويكاد يكون كل ما نهتم به فترة الإجازة هو الترفيه والسياحة فقط، دون أن نستشعر طول تلك الإجازة عن غيرها من الإجازات، ودون الانتباه لدعم الأبناء وتقويتهم في جوانب معينة تتعلق باهتماماتهم وهوياتهم، بل إن ما يؤسف حقاً هو أن الإجازة تغير طبيعة حياتنا وتعطل أنشطتنا، فيتحول الليل إلى نهار بالسهر والنهار إلى ليل بالنوم، وهذا ما يترتب عليه صناعة كثير من السلوكيات السلبية، كغياب الرقابة من الوالدين، مما يعزز تلك السلوكيات السلبية لا سيما أن الإجازة طويلة، وفيها مجال للتعود على تلك السلوكيات، إضافة للتعود على الكسل والخمول وعدم الإنجاز. وأضاف، ما يؤسف أيضاً أنه حينما تقترب الإجازة من الانتهاء لا نجد إلا التذمر والسخرية من الكثيرين المحسوبين على المجتمع، وكأن الدراسة كالهم الثقيل، رغم أنها المحك الرئيسي للمستقبل، ولا نعلم حقيقة كيف نريد أن ينظر أبناؤنا للدراسة، ونحن نرى أشخاصاً يوصلون لهم رسائل "الطقطقة" على الدوام وبدء الدراسة، فهذا يتعارض مع القيم الهادفة لعودة الدراسة، مشيراً إلى غياب برامج على مستوى مراكز الأحياء لاحتواء الطلبة، وشغل أوقات فراغهم، إضافة إلى غياب مبادرات العمل الجزئي أو التطوع، موضحاً أن هناك فجوة كبيرة بين عدة جهات حكومية، بل إن أهم تلك الجهات المتوقع منها ضخ المزيد من الأنشطة والفعاليات الصيفية تبدأ إجازتها مع إجازة الطلبة، ويجب أن يكون لمكاتب رعاية الشباب برامج وأنشطة تستقطب المميزين داخل المجتمع، وتفتح المجال للطلبة لممارسة هواياتهم وتنمية مهاراتهم وإشباع حاجتهم. وشدد العقيل على أهمية أن يكون هناك تكامل بين مختلف الجهات الحكومية والأهلية؛ لحث الطلبة على الاستفادة ومن الإجازات الطويلة، مشيراً إلى أن هذا التكامل يجب أن ينطلق من الأسرة التي تعرف اهتمامات أبنائها، وتستطيع توجيههم، محذراً من أن عدم الاهتمام بالطلبة وعدم احتوائهم واكتشاف مهاراتهم يجعلهم عرضة للانحراف، وبالتالي يثقل كاهل الدولة في قضية متابعة الجرائم والمخالفات السلوكية. كثير من أبنائنا وبناتنا ضيعوا أوقاتهم على الأجهزة الإلكترونية كلما كانت الإجازة طويلة كانت الحاجة أكبر لاستثمار أوقات الشباب د. محمدالضويان د. صالح العقيل طلال الصيدلاني