الطوافة.. من جهد تطوعي إلى عمل مؤسسي

المهنة عمرها قرابة الخمس مئة عام

تنتشر خلال موسم الحج على شوارع وطرقات مكة المكرمة لوحات كانت سابقا تحمل أسماء لأشخاص يعرفون بالمطوفين، لكنها اليوم تحولت إلى لوحات تحمل أرقاما لمكاتب خدمات ميدانية تتبع مؤسسات الطوافة، والتي تشرف على أعمال هذه المؤسسات.
وقبل أن نتعرف على أعمال ومهام هذه المكاتب نتوقف أمام المطوفين لنسأل من هم المطوفون؟ وما هي مهامهم والأعمال الموكلة لهم؟ ومتى يمكن أن يطلق على الشخص مطوف؟ وما علاقة المطوفين بحجاج الداخل؟
"الرياض" استضافت أحمد حلبي -الكاتب الصحفي المتخصص في خدمات الحج والحجاج- للتعرف على مهنة الطوافة، ومهام المطوفين وخدماتهم:
تاريخ الطوافة
* بداية ماهي الطوافة؟ وهل لها تاريخ لبدايتها؟
* الطوافة لم تكن في بدايتها الأولى مهنة يمارسها الأشخاص، لكنها كانت واجبا يؤدى لكل من يقصد مكة المكرمة، وتشير المصادر التاريخية إلى أن الظهور الأول للطوافة كان في عام 884 ه، حينما قدم السلطان قايتباي وهو أحد سلاطين الشراكسة، وكان جاهلا باللغة العربية وأمور الحج، فلم يكن أمام أمير مكة المكرمة آنذاك سوى البحث عن شخص مؤهل يتولى القيام بأعمال تطويف هذا السلطان وتلقينه الأدعية، وجاء الاختيار على القاضي إبراهيم بن ظهيرة، وظلت داخل قطاع القضاة حتى عام 923ه، وحينها خرجت إلى الوجهاء من أعيان مكة المكرمة، وهو ما أشار إليه الأستاذ أحمد السباعي مؤلف كتاب "تاريخ مكة"، عن محمد المياس الذي كان من أعيان مكة المكرمة وأحد وجهائها، والذي قام بتطويف أمير الترك " قانصوة باشا" الذي حج عام 1039ه، وعلى هذا يمكن القول بأن الطوافة بدأت عام 923 ه أي قبل أكثر من خمس مئة عام.
* ما الوصف الذي يمكن أن نطلقه على المطوف؟
* المطوف هو مرشد الحاج لمناسك حجه، وهو من يعمل على توفير الخدمات له منذ وصوله إلى مكة المكرمة حتى مغادرته لها.
تطور الطوافة
*من المؤكد أن الطوافة شهدت في عهد الدولة السعودية تطورات في أنظمتها وخدماتها، فماهي أبرز هذه التطورات؟
* كان دخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -يرحمه الله- لمكة المكرمة في ربيع الأول عام 1343ه، فبدأ بتأمين دروب الحجاج وطرقهم، ثم كانت خطوته التالية العمل على وضع تنظيمات جيدة تمكن قاصدي بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم من أداء فريضتهم بيسر وسهولة، فأصدر - يرحمه الله – مرسوما ملكيا بالإبقاء على الطوافة كمهنة منحصرة لأبناء مكة المكرمة، ونشر ذلك المرسوم الملكي بجريدة أم القرى بعددها الأول الصادر يوم الجمعة الموافق 15 جمادى الأولى 1343ه، تحت عنوان (هذا بلاغ)، ويمكن القول بأن هذا المرسوم شكل صمام الأمان للطوافة إذ نصت المادة الرابعة منه على "كل من كان من العلماء في هذه الديار أو موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذا راتب معين فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئاً، إلا رجلاً أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه، فذلك ممنوع مما كان له من قبل، وكذلك كل من كان له حق ثابت سابق في بيت مال المسلمين أعطيناه منه ولم ننقصه منه شيئاً".
ثم جاءت الخطوة الأولى لتنظيم الطوافة وتعريف مهامها في العهد السعودي بصدور نظام إدارة الحج في العشرين من ربيع الأول عام 1345ه، وهو النظام الذي يمكن القول بأنه قد حدد مهام وواجبات المطوفين والزمازمة والمخرجين والمقومين ووكلاء المطوفين بجدة ونقباء جدة ووكلاء المدينة المنورة، وتناول هذا النظام تحديد مهام وظائف إدارة الصحة العامة وواجبات الحجاج، وللوصول إلى المزيد من التنظيم والتطوير لخدمات الحجاج صدر المرسوم الملكي رقم 54/1/39 وتاريخ 23/2/1355ه بتنظيم أعمال المطوفين وتحديد مهامهم ومسؤولياتهم.
ثم جاء المرسوم الملكي رقم 14518 وتاريخ 21/10/1365ه بالموافقة على نظام وكلاء المطوفين ومشايخ الجاوا ليضيف اهتماماً آخر لمهنة الطوافة في العهد السعودي، ويدخلها مرحلة التطوير العملي والتنظيم الجيد للخدمات بعد أن تم إنشاء المديرية العامة للحج في نفس العام لتكون عملية خدمات الحجاج أكثر تنظيماً، إذ تضمنت مهامها استقبال الحجاج وتيسير إجراءات إقامتهم وسكنهم وتنقلاتهم، وقامت بإنشاء مخيمات لاستراحة الحجاج في المدينة المنورة وجدة، وقد بلغت ميزانيتها خلال ذلك العام 387 ألفاً و570 ريالاً ولم يكن مثل هذا الأمر مألوفاً لدى الحجاج من قبل.
واعتبر المرسوم الملكي رقم 7267 وتاريخ 3/11/1367ه الطوافة «عبارة عن وظائف معينة يؤديها كل مطوف ثبتت معلمانيته بمقتضى تعليماتها المخصوصة، وهو دليل الحاج في مناسكه وجميع ما يتعلق بالحج، وهو المسؤول عنه ضمن اختصاصه بموجب هذا النظام»، واستبقى النظام على تقسيم المطوفين إلى ثلاث طوائف هي: طائفة المطوفين وتشمل مطوفي العرب والفرس والأتراك والأفارقة، وطائفة مطوفي الهند والباكستان، وطائفة مشايخ الجاوا.
كما عد «كل نسل المعلمين لظهورهم معلمون وما كان لآبائهم يكون لهم»، وبذلك يكون الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- قد أبقى الطوافة داخل أبنائها وأكد استمراريتها وعمل على تطويرها، وأعطيت الطوافة صفة المهنة في طلبات السفر إلى الخارج عام 1368ه أي بعد صدور نظام المطوفين بعام واحد، وشهد عام 1371ه صدور المرسوم الملكي بإلغاء الرسوم التي تؤخذ على الحجاج باسم رسوم الحج والإبقاء على عوائد أرباب الطوائف (المطوفون والوكلاء والادلاء والزمازمة).
وفي غرة صفر من عام 1372ه صدر الأمر السامي الكريم رقم 150 متضمناً المزيد من التنظيم والتطوير للمديرية العامة للحج، وشهد عام 1383ه صدور قرار مجلس الوزراء رقم 54 وتاريخ 27/12/1385ه بإصلاح وتطوير هيئات الطوائف وخدمات الحجاج، فيما شهد عام 1385ه صدور المرسوم الملكي رقم 12/م وتاريخ 9/5/1385ه بحل التقارير وإلغاء هيئات المطوفين الثلاث، ومنح الحاج الحرية في السؤال عن المطوف الذي يريده، وأحقية المطوف في خدمة الحجاج الذين يسألون عنه، فظهر على إثر ذلك ما عرف بنظام السؤال.
أعقب ذلك صدور قرار مجلس الوزراء رقم 347 وتاريخ 26/6/1385ه، والقرار الوزاري رقم 30/ق وتاريخ 27/10/1385ه، بتحديد اختصاصات مكاتب الطوائف وهيئاتها، من خلال إنشاء الهيئة العليا للطوائف والهيئات الابتدائية للمطوفين والوكلاء والزمازمة والأدلاء، وفي عام 1395ه ألغي نظام السؤال وأبدل بنظام التوزيع، حيث صنف المطوفون إلى فئات هي: مطوفو الدول العربية، ومطوفو تركيا ومسلمو أوروبا وأمريكا، ومطوفو الهند والباكستان، ومطوفو إيران، ومطوفو إفريقيا غير العربية، ومطوفو جنوب شرق آسيا، ووزع لكل مطوف متوسط يمثل عدد من يخدمهم من الحجاج، وحدد سقف أعلى ب 3000 حاج وحد أدنى ب 100 حاج.
وفي عام 1398ه طبق نظام الجمع بين السؤال والتوزيع، والذي منح الحاج حرية السؤال عن المطوف الذي يريده وحدد للمطوف خدمة عدد من الحجاج، كما صدر في نفس العام المرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/1398ه المتضمن الترخيص لوزير الحج والأوقاف بوضع اللوائح التنظيمية التي يتم بموجبها منح الرخص الجديدة، متضمنة شروط قيام مؤسسات الطوافة الجديدة طبقاً للأنظمة التجارية وفتح باب الانفصال.
وفي عام 1399ه صدر المرسوم الملكي رقم 4/ص/13162 وتاريخ 13/6/1399ه بالموافقة على فكرة إقامة مؤسسات تجريبية لرفع مستوى مهنة الطوافة وخدمات الحجاج، وتنفيذاً للمرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/1398ه صدر القرار الوزاري رقم 423/ق/م وتاريخ 3/11/1402ه متضمناً اللائحة التنظيمية للانفصال بين الشركاء في الطوافة، على أن ينطبق في طالب الانفصال ما تضمنه قرار مجلس الوزراء رقم 284 وتاريخ 27/2/1398ه، وكذا ما تضمنه المرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/1398ه، كما صدر القرار الوزاري رقم 19/ق/م وتاريخ 13/2/1403ه بإجازة انفصال الأنثى الشريكة في الطوافة عن شركائها إذا توافرت فيها الشروط المطلوبة في طالب الانفصال، وبشرط أن يكون لها ولد أو زوج قادر على العمل ومتمرس على شؤون الحجاج وبتوكيل شرعي معتمد.
وإن كان المرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/3/1398ه المبني على قرار مجلس الوزراء رقم 284 وتاريخ 27/2/1398ه، قد أشار إلى قيام مؤسسات للطوافة، فإن فكرة بروز المؤسسات استهدفت الانتقال من العمل الفردي الذي ألفه المطوفون إلى عمل جماعي منظم يستخدم الأسلوب العلمي، وهذا ما سعت إليه وزارة الحج والأوقاف منذ بروز مؤسسة مسلمي أوروبا وأمريكا عام 1399ه كأول مؤسسة للطوافة، غير أنه لم يكتب لها النجاح لعدة أسباب، لعل أبرزها أن عدد مطوفيها لا يتجاوز الخمسة مطوفين، كما وأن مجموع حجاجها لا يزيد على خمسة آلاف حاج.
التحول للمؤسسات
* إذاً كيف تم تدعيم فكرة قيام مؤسسات الطوافة؟
* عمدت الوزارة إلى إدخال مطوفي حجاج تركيا في نطاق المؤسسة حيث صدر القرار الوزاري رقم 444/ق/م وتاريخ 18/11/1402ه بإنشاء المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا، تلا ذلك صدور موافقة معالي الوزير على إضافة اسم قارة (استراليا) لاسمها لتصبح المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا واستراليا، وشكل نجاح أعمال هذه المؤسسة خطوة مشجعة للسير في تطبيق نظام المؤسسات، فظهرت في عام 1403ه المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج إيران، والمؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج جنوب آسيا.
وفي عام 1404ه برزت مؤسستان الأولى المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول الإفريقية غير العربية والثانية المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج جنوب شرق آسيا، واكتمل عقد إنشاء مؤسسات الطوافة بإنشاء المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية عام 1405ه ، لتدخل بذلك خدمات الحجاج داخل منظومة العمل المؤسساتي.
اكتساب اللغة
* نلحظ أن الكثير من المطوفين يجيدون لغات حجاجهم، فهل تلقوا دورات تدريبية أم أنهم اكتسبوها من خلال ممارستهم للعمل؟
* يتحدث الكثير من المطوفين بلغات حجاجهم نتيجة لممارستهم العملية، والكثير منهم بدأ حياته العملية منذ صغره مع والده قبل أو بعد إنشاء مؤسسات الطوافة، وقد يجيدون الحديث لكن دون القراءة والكتابة، وليس المطوفون وحدهم من يتحدثون لغة الحجاج، فهناك أصحاب المحلات التجارية الذين يجيدون عدة لغات.
* لكن وزارة الحج والعمرة تنظم في كل عام دورات تدريبية في اللغات، ألا يمكن القول بأنها مفيدة للمطوفين؟
* لن يستطيع أي متدرب مهما كان مستواه اتقان لغة أجنبية خلال دورة تدريبية مدتها ثلاثة أو أربعة أيام، فإتقان اللغة بحاجة إلى دورة مكثفة واختلاط بأهل اللغة، وقبل هذا وذاك إلى متخصص حاصل على إعداد وتأهيل للتعليم، ولابد أن تكون الدورات على مدار العام وبساعات تدريبية معتمدة تضمن تعليم المتدرب اللغة، ومنحه معلومة مفيدة بدورة تدريبية أخرى، ولابد أن يخضع العاملون في مؤسسات وشركات حجاج الداخل لمثل هذه الدورات خاصة دورات ضغوط العمل والاسعافات الأولية وغيرها.
لفظ "مطوف"
* يطلق البعض على أصحاب مؤسسات وشركات حجاج الداخل لقب مطوف، فهل أصحاب مؤسسات وشركات حجاج الداخل مطوفون كذلك؟
* كلمة "مطوف" ترسخت في أذهان الكثيرين منذ زمن وهي تطلق لكل من يقدم خدمة للحجاج، لذلك نرى أن هناك من يطلقون كلمة "مطوف" على أصحاب مؤسسات وشركات حجاج الداخل، وهذا خطأ لأن أصحاب مؤسسات وشركات حجاج الداخل يعملون بأسلوب تجاري خالص، على عكس المطوفين.
العوائد المادية
* البعض يتهم المطوفين باستغلال الحجاج كونهم غرباء، بودنا أن نتحدث بصراحة عن المبالغ التي تتقاضاها مؤسسات الطوافة من الحاج، لقاء تأمين النقل والسكن بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة؟
استمرت الطوافة داخل قطاع القضاة حتى عام 923ه
* أولا أخي الكريم لابد أن نتعرف على المبالغ التي تتقاضاها مؤسسات الطوافة، ومعرفة ما إذا كانت مجدية حاليا أم لا، ولنبدأ من بداية سؤالك أجور النقل وهنا أقول بأن مؤسسات الطوافة لا علاقة لها بأجور النقل فالحاج سواء كان قادما برفقة مكتب شئون الحجاج بعثة الحج أو عبر شركة سياحية فإن المكتب أو الشركة يتولون دفع مبالغ النقل للنقابة العامة للسيارات عبر شيكات تعرف بأجور النقل وتشمل نقل الحجاج من جدة مكة المكرمة المدينة المنورة مطار الأمير محمد بالمدينة المنورة، والنقل برحلة المشاعر المقدسة مكة المكرمة عرفات مزدلفة منى.
ودور مؤسسات الطوافة تؤديه مكاتب الخدمات الميدانية بادخال كوبونات الإركاب التي يحملها الحاج لحساب النقابة العامة للسيارات ومراجعة شركة النقل لاحضار الحافلة لنقل الحجاج سواء لرحلة المشاعر المقدسة أو الى المدنية المنورة أو جدة.
أما ما يتعلق باسكان الحجاج في مكة المكرمة فإن مكتب شئون الحجاج بعثات الحج أو الشركات السياحية هي من تتولى التعاقد مع أصحاب الدور السكنية والفنادق ودور المؤسسات مجرد التصديق على العقود ودون أي رسوم تدفع من قبل صاحب الدار أو مكتب شئون الحجاج أو الشركة السياحية.
ورغم أن المؤسسات لا علاقة لها بتأمين السكن للحجاج الا أنها مسؤولة عن متابعة مستوى الخدمات به من حيث النظافة والحراسات الأمنية والمياه الصالحة للشرب، كما وأنها مسؤولة عن توفر مياه زمزم بسكن الحجاج، وإن سجل نقص بأي من هذه الخدمات فان مكتب الخدمة يعاقب!
مؤسسات الطوافة مسؤولة عن توفير السكن للحجاج في مكة ومتابعة مستوى الخدمات به
وفيما يتعلق بسكن الحجاج بمخيمات المشاعر المقدسة فإن ما تتقاضاه المؤسسات من الحاج الواحد لا يتعدى خمسين ريالا يذهب منها ريالان لصالح مكتب الوكلاء الموحد وتسعة وأربعون ريالا تخصص لتأمين خيمة عرفات وفرشها وتوفير الحراسات الأمنية والنظافة والمياه الصالحة للشرب، إضافة إلى فرش خيمة منى وتوفير الحراسات الأمنية والنظافة والمياه الصالحة للشرب.
الملك عبدالعزيز ضمن للمطوفين حقوقهم الأدبية والمالية ببلاغ مكة
أحمد حلبي متحدثاً ل «الرياض»
اكتمل عقد إنشاء مؤسسات الطوافة بإنشاء المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية عام 1405ه
قديماً كان يستقبل المطوفون الحجاج في منازلهم
تنظيم عمل المطوفين ساهم في تطويره